ملفات وتقارير

تشكيل قوة بحرية مصرية سعودية في البحر الأحمر.. لأجل ماذا ولمواجهة من؟

محادثات مصرية سعودية لتشكيل قوة بحرية لمجلس الدول المشاطئة للبحر الأحمر – وزارة الدفاع المصرية
محادثات مصرية سعودية لتشكيل قوة بحرية لمجلس الدول المشاطئة للبحر الأحمر – وزارة الدفاع المصرية
أثار عزم مصر والسعودية على تشكيل قوة بحرية تابعة لـ"مجلس الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر"، والذي كان أطلق عام 2020،  ويضم 7 دول إفريقية وآسيوية، التساؤلات حول الهدف المشترك والخاص من هذه القوة وفي هذا التوقيت. 

والاثنين الماضي، التقى قائد القوات البحرية المصرية اللواء محمود عادل فوزي، رئيس أركان القوات البحرية الملكية السعودية، الفريق الركن محمـد بن عبدالرحمن الغريبي، بمقر قيادة القوات البحرية المصرية، بالإسكندرية (شمال غرب)



و"مجلس الدول المشاطئة للبحر الأحمر"، الذي تأسس في 6 كانون الثاني/ يناير 2020، يضم 7 دول عربية وأفريقية مطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، وهي: مصر والسعودية والأردن والسودان وجيبوتي والصومال واليمن، بهدف تأمين الملاحة البحرية ومكافحة القرصنة، والتهديدات الإرهابية، وتهريب الأسلحة والبشر، والتنسيق الأمني وتبادل المعلومات.

اظهار أخبار متعلقة


وتأتي المشاورات المصرية السعودية لتشكيل مثل تلك القوة البحرية بالبحر الأحمر، بالتزامن مع التدريب (المصري – الأمريكي) المشترك "النجم الساطع 2025" بقاعدة "محـمد نجيب" العسكرية (شمال غرب) حتى الـ 10 من أيلول/ سبتمبر الجاري، بمشاركة 44 دولة، منها السعودية.

توقيت لافت ووضع مضطرب
ويأتي الحديث عن تشكيل تلك القوة وتسيير دوريات بحرية مشتركة بالبحر الأحمر في هذا التوقيت وبعد 4 أعوام ونصف من تشكيل "المجلس"، في ظل عدة تحديات سياسية وأمنية واقتصادية أمام القاهرة والرياض، ووسط استمرار الإبادة في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

ويقابل تحرك القاهرة عسكريا بالبحر الأحمر، رغبة إثيوبيا (الدولة الأفريقية الحبيسة) بالوصول إلى مياه البحر الأحمر عبر ميناء في إقليم "صوماليلاند" –غير معترف به دوليا- على خليج عدن وقبل المدخل الجنوبي لمضيق باب المندب، وسط رفض مصري متزامن مع تأزم ملف مياه النيل بين القاهرة وأديس أبابا.

كما يأتي التحرك العسكري البحري المصري السعودي بالبحر الأحمر الذي يمر منه نسبة كبيرة من التجارة العالمية وتجارة النفط والغاز، في ظل سيطرة قوات "الحوثي" في اليمن، على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ما يزعج الرياض التي شنت حربا موسعة إلى جانب تحالف عربي يضم الإمارات على الحوثيين في آذار/ مارس 2015.

في حين يؤثر الحضور العسكري للحوثي بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ودوره في دعم المقاومة الفلسطينية بمنع مرور السفن الإسرائيلية والأمريكية من المرور إلى ميناء إيلات، على حركة مرور السفن بقناة السويس، التي انخفضت بنسبة 40 بالمئة بإجمالي خسائر مصرية بلغت 6 مليارات دولار العام الماضي.

وفي وقت تضررت فيه بشكل قوي مصالح تل أبيب وواشنطن التجارية والاقتصادية في البحر الأحمر، يتساءل مراقبون: "لأجل ماذا، ولمواجهة من، يجري تشكيل قوة بحرية مصرية سعودية بالبحر الأحمر؟، وهل يتوافق الأمر مع رغبات وأهداف وخطط إسرائيل وأمريكا وحلفائهما من العرب بإقليم الشرق الأوسط؟، وهل تزيد تلك القوة من حدة الصراع بالبحر الأحمر، وتتسبب في صدام مصري سعودي مع الحوثي وإيران، وتُغضب إثيوبيا؟".

هل هو لحماية مصالح "إسرائيل والغرب"؟وفي تقديره، يرى السياسي المصري الدكتور عمرو عادل، أن "البحر الأحمر يمثل قيمة استراتيجية كبيرة في التجارة العالمية البحرية، فهو مدخل وحيد لقناة السويس، وكله بحر عربي خالص نظريا، والسيطرة على المنافذ الرئيسية أحد الأهداف الهامة، بل ربما إنتاج صراعات حوله أحد الوسائل للحفاظ على تأمين خطوط النقل به".

رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري، قال لـ"عربي21"، إن "ما يحدث منذ سنوات من تحالفات وصراعات في الدول المطلة على البحر الأحمر، تحتاج لضبط وإعادة تشكيل حتى تستمر الملاحة البحرية، وتحاول القوى الإقليمية زيادة نفوذها بالمنطقة كما تفعل إيران وتركيا والسعودية بإقامة تحالفات أو تعميق صراعات بالمنطقة في اليمن والصومال وجيبوتي وربما السودان، ولا يمكن نقل فصل ملكية جزيرتي (تيران وصنافير) عن الإجراءات المتخذة في هذا المسار".

الخبير العسكري وضابط الجيش المصري السابق، أكد أن "حرب غزة وما تفعله المقاومة في اليمن، واحتمال توسع الصراع وزيادة الفوضى بالمنطقة تجعل من الضروري بناء قوى قادرة على تأمين البحر الأحمر لحماية المصالح الغربية وترسيخ هيمنة الاحتلال على المنطقة ضد القوى المناوئة لها، والأساس إيران وإلى حد ما تركيا، ولا يوجد أفضل من النظامين المصري والسعودي للقيام بهذا الدور، كما أن الحرب القريبة المتوقعة بين الكيان وإيران تدفع لتسريع ذلك المسار".

ارتباط مركزي
وفي رؤيته، قال رئيس "أكاديمية العلاقات الدولية" المصري الدكتور عصام عبدالشافي، لـ"عربي21"، إن "الحديث عن تشكيل قوة بحرية مصرية سعودية بالبحر الأحمر قديم متجدد، وطرحت أكثر من مرة فكرة الناتو العربي، وفكرة تشكيل قوات لحفظ الأمن والاستقرار بالبحر الأحمر، وفي مرحلة من المراحل تحدث النظام المصري عن فكرة أسطول الجنوب، وتسليحه ليؤمن البحر الأحمر".

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بعدة جامعات عربية وغربية، أكد أن "البحر الأحمر يشكل عمقا استراتيجيا لمصر؛ لأنه في الأخير أمن القاهرة مرتبط بشكل كبير بأمن البحر الأحمر، باعتبار أنها دولة شاطئية تطل عليه، وباعتبار أن استمرار واستقرار الملاحة بقناة السويس مرتبط بدرجة مركزية بأمن واستقرار البحر الأحمر وتحديدا مضيق باب المندب".

اظهار أخبار متعلقة


ويرى الباحث المصري، أن "أي حديث عن تشكيل تلك القوة البحرية في هذا التوقيت ليس الهدف منه بشكل مباشر إثيوبيا؛ لأن أديس أبابا كانت دولة تطل على البحر الأحمر وحُرمت من سواحلها بعد استقلال إريتريا، وهي دولة من دول القرن الأفريقي الكبيرة وتستطيع الوصول للبحر الأحمر عبر اتفاقيات ومعاهدات مع أطراف منها جيبوتي والصومال وكينيا".

وأوضح أنه "وبالتالي، فإن تشكيل هذه القوة ليس موجها بدرجة إلى إثيوبيا؛ حتى لو خرجت تصريحات من أديس أبابا تندد بهذه الخطوة، ففي الأخير لا أعتقد أن نظامي مصر والسعودية يفكران في المطلق في مواجهة إثيوبيا أو محاولة مزاحمتها أو تهديد مصالحها في البحر الأحمر".

الرسالة للحوثي.. والهدف "مصلحة الكيان"
عبدالشافي، استدرك قائلا: "لكن قد يكون الهدف توصيل رسائل إلى قوات (الحوثي) في اليمن، باعتبار أن الحوثيين يشكلون تهديدا للكيان الإسرائيلي المحتل، ولمصالح أمريكا؛ وبالتالي فإن قناعاتي الشخصية عن الطرح في هذا التوقيت أنه يأتي بدعم واشنطن وتل أبيب".

ويعتقد أنه "حتى لو تكونت هذه القوة البحرية المشتركة المصرية السعودية، فلن يكون لها أي وزن أو تأثير؛ بدليل أنها لا تمتلك من الإمكانيات والقدرات ما امتلكه ما عُرف بقوات (تحالف حماية الازدهار)، التي شكلتها واشنطن، وضمت أكثر من 20 دولة لحماية الأمن والاستقرار في البحر الأحمر".

وأكد أن "ذلك التحالف -رغم حجمه- لم يمنع صواريخ الحوثي من الوصول إلى تل أبيب، ولم يمنع هذا التحالف صواريخ الحوثي وطائراته من أن تستهدف الشاحنات البحرية التي كانت تنتقل إلى تل أبيب، عبر مضيق باب المندب".

لذلك يرى الأكاديمي المصري، أن "تشكيل مثل هذه القوة البحرية هو نوع من أنواع المناورات السياسية لا أكثر، وهناك الكثير من الأفكار التي طرحتها القاهرة ومن جانب السعودية، والإمارات، وحتى البحرين شاركت في (تحالف الازدهار)".

وختم حديثه بالقول: "ولكن هذه الأطراف يمكن أن تكون فقط مجرد غطاء لسياسات وممارسات إسرائيلية برعاية أمريكية لحماية أمن واستقرار الكيان فقط؛ حتى لو كان ذلك على حساب المصالح الاستراتيجية لدول المنطقة".

ما أهمية البحرالأحمر؟
يُعد البحر الأحمر وقناة السويس الممر المائي الاستراتيجي شريانا رئيسيا للتجارة العالمية، خاصة فيما يتعلق بمسارات الطاقة، إذ يمر منهما ما بين 12 بالمئة إلى 15 بالمئة من إجمالي حجم التجارة العالمية المنقولة بحرا، بأكثر من 1.2 تريليون دولار سنويا.

يمر عبر مضيق باب المندب وقناة السويس حوالي 5.4 مليون برميل من النفط الخام يوميا، وهو ما يُمثل حوالي 10 بالمئة من تجارة النفط العالمية المنقولة بحرا، فيما يُعد البحر الأحمر ممرا لحوالي 8 بالمئة من تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية، لكن هذه الأرقام انخفضت بشكل كبير منذ أواخر عام 2023، حيث تحولت العديد من شركات الشحن إلى مسار رأس الرجاء الصالح بسبب هجمات الحوثي في البحر الأحمر.

تحول البحر الأحمر لبؤرة صراع عالمي
نظرا لأهميته كأقصر ممر بين الشرق والغرب تحول البحر الأحمر بالسنوات الماضية إلى بؤرة صراع وتنافس على السيطرة الاقتصادية والحضور العسكري والنفوذ السياسي بين قوى إقليمية ودولية، وتشهد دول المدخل الجنوبي للبحر الأحمر مثل جيبوتي، وإريتريا، والصومال، وكينيا، والسودان، سباقا محموما بين تلك القوى للحصول على قواعد عسكرية ومنافذ تجارية، عبر اتفاقيات مع دول: (أمريكا، وروسيا، والصين، وتركيا، وإيران، والإمارات، وجميعها دول غير مطلة على البحر الأحمر).

وأدت التوترات السياسية بين إيران والسعودية قبل سنوات إلى تصاعد الاشتباكات في البحر الأحمر، ما استدعى تشكيل قوة مهام بحرية أمريكية لضمان حرية الملاحة، فيما تأثر البحر الأحمر بالصراع في اليمن بين الحكومة اليمنية والحوثيين.

اظهار أخبار متعلقة


وتتلاقى بشكل كبير المصالح الاستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية لحكومتي مصر، والسعودية، مع مصالح إسرائيل، وأمريكا في البحر الأحمر ما يجعل تعزيز الأمن البحري بالشريان التجاري العالمي إحدى أهم نقاط التعاون العسكري للدول الأربعة.

تحركات أمريكية وغربية
وبالسنوات الأخيرة، وخاصة مع الحرب الإسرائيلية الدموية على قطاع غزة، وما قدمه الحوثيون من دعم للمقاومة الفلسطينية، دفع واشنطن للتحرك بقوة عبر مشروعات عسكرية بالبحر الأحمر، حيث أرسلت الغواصة النووية "أوهايو" للمنطقة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وفي كانون الأول/ ديسمبر 2023، شكلت أمريكا قوة بحرية دولية باسم "حارس الازدهار" لمواجهة هجمات الحوثي، بمشاركة 20 دولة، بينها بريطانيا التي أرسلت المدمرة "ريتشموند" للانضمام للمدمرة "دياموند" والفرقاطة "لانكستر"، كما شاركت فرنسا بالفرقاطة "لانغودك" وسفينة الإمداد "جاك شيفولييه".

وفي كانون الثاني/ يناير 2024، نفذت واشنطن ولندن ضربات عسكرية ضد أهداف تابعة للحوثيين، ليعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توجيه ضربات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن، آذار/ مارس 2025.
التعليقات (0)

خبر عاجل