في تطور غير مسبوق وصف بـ"الخطير"، تصاعدت حدة الخلاف بين رئيس الوزراء
العراقي، محمد شياع
السوداني، وفصيل "كتائب حزب الله"، وذلك بعد اشتباكات مسلحة مع القوات الأمنية حصلت مؤخرا، اعتقلت خلالها الحكومة عددا من العناصر المهاجمة.
الاشتباكات المسلحة التي اندلعت في نهاية 27 تموز المنصرم، حصلت على خلفية قرار حكومي باستبدال مدير عام إحدى دوائر وزارة الزراعة جنوب بغداد ينتمي إلى كتائب حزب الله، انتهت بسقوط قتيلين أحدهما مدني والآخر عسكري، وإصابة 15 عنصرا من الأمن.
وتعليقا على الحادثة هذه، دعت السفارة الأمريكية ببغداد بشكل صريح الحكومة العراقية إلى اتخاذ إجراءات لتقديم عناصر "كتائب حزب الله" وقادتهم إلى العدالة "دون تأخير"، مؤكدة أن "المساءلة أمر أساسي للحفاظ على سيادة القانون ومنع تكرار أعمال العنف".
هجوم صريح
على وقع خلافاتها المتصاعدة مع رئيس الوزراء، طالب زعيم "كتائب حزب الله"، أبو حسين الحميداوي، الأربعاء، قادة الإطار التنسيقي خلال حضوره اجتماعا طارئا لهم، بـ"الحجر على قرارات السوداني بعد أن فقدت الاتزان وعارضت المواقف الأساسية".
وبحسب بيان للكتائب، فإن الحميداوي دعا المجتمعين إلى التصدي لاتخاذ القرارات الكفيلة بحفظ العراق ومقدساته لحين انتهاء ولاية السوداني في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
اظهار أخبار متعلقة
وأوصى زعيم كتائب حزب الله بتشكيل لجنة مختصة من الإطار للتحقيق في أحداث دائرة الزراعة والوقوف على حقيقة حيثياتها، مؤكدا وجوب الاستفادة من كاميرات المراقبة وشهادات الضباط المكلّفين بحماية الدائرة.
يأتي هذا البيان، بعد هجوم عنيف شنه المسؤول الأمني لكتائب حزب الله، أبو علي العسكري، على السوداني، واصفا الاشتباكات التي وقعت، بأنها "فخ أُحكمت خيوطه بيد أحد خونة الشيعة" استُدرجت فيه قيادة "الكتائب بسبب خطأ في التقدير"، متهما رئيس الوزراء، بأنه "ساهم في الانجرار نحو هذا الفخ السياسي والأمني".
المسؤول الأمني للكتائب الذي شن هجوما غير مسبوق على رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، دعا التحالف الحاكم (الإطار التنسيقي) إلى إعادة النظر فيه، بوصفه "قائدا غير ناجح".
وقال العسكري في بيانه، الثلاثاء، إن "حادثة دائرة الزراعة في بغداد، وما أعقبها من تداعيات واتهامات، لم تخل منها مناطق حزام العاصمة خلال الأعوام الإثني عشر الماضية، إذ شكلت هذه المدن بؤرا لتنظيم الدولة تهدد أمن بغداد وسلامة أمنها".
ووصف المسؤول في "الكتائب" رئيس الوزراء بأنه "حديث عهد في العمل العسكري والأمني، فهو مدير ناجح ولكن لم يكن يوما قائدا ناجحا، ولن يكون، ومن هنا ندعو قادة الإطار إلى تحمل مسؤولياتهم التاريخية بجدية وحزم قبل أن يسدل الستار على إرثهم السياسي".
وتابع العسكري في بيانه، قائلا: "ولكي لا تعطي الذرائع للمتصيدين فرصة تشويه سمعة جهادنا، وكما يقال غلطة الشاطر بألف، فقد قررت قيادة الكتائب إيقاف عملها في مشروع طوق بغداد، وتسليم ما في عهدتها إلى قيادة الحشد الشعبي".
وهاجم العسكري،
الجيش العراقي بسبب حادثة الدورة، بالقول إنه "لم يصمد أمام مجموعة من الشباب (كتائب حزب الله)، متسائلا: "فكيف إذا ما واجهوا مقاتلي تنظيم الدولة المدربين!"، وفق تعبيره.
مساومة أمريكية
وتعليقا على التصعيد الحاصل، قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي، فلاح المشعل لـ"عربي21" إنه "ما يحصل جاء بعدما بدأت الإدارة الأمريكية قبل أسبوعين تضغط باتجاه حل الحشد الشعبي والفصائل المسلحة، وليس فقط عدم تمرير قانون الحشد في البرلمان والذي يحوله إلى وزارة".
ولفت إلى أن "الرفض الأمريكي لهذا المشروع كان يستهدف مجموعة من الفصائل المسلحة التي ترتبط بالحشد الشعبي من جهة، ولها أنشطة تصنفها واشنطن على أنها إرهابية من جهة أخرى، بالتالي دافع واشنطن أن وجود قانون للحشد يخل بسيادة العراق ويقوي نفوذ إيران".
ورأى المشعل أن "حادثة الدورة اعتبرته الكتائب بأنه مشروع تصادم أو ملاحقة من رئيس الوزراء، وهذا جعلهم يخرجون من المواربة العالية والمجاملة إلى المواجهة ببيانات صريحة تدعو للحجر على قرارات السوداني".
وتابع: "بل حتى أساؤوا بشكل مباشر للإطار التنسيقي واتهموهم بالانحناء للقرار الأمريكي، وهذا استجلب تصعيدا آخر وتشاحن طائفي في البرلمان وبات الأمر مقلقا للعراقيين من أن ما حصل قد يحدث في أماكن أخرى".
وأكد المشعل أن "قوى الإطار التنسيقي عادة ما تلقي بالكرة في ملعب السوداني وتطالبه بالإجابة، رغم أنه ممثل حرفيا لسلطة الإطار كونه مرشحهم ويمثلهم ويكرر دائما أن الحكومة هي حكومة إطارية".
وبحسب الخبير العراقي، فإن "الإطار التنسيقي يتجنب التصادم، فهو حتى الآن لم يصدر بيانا يرد فيه على المطلب الأمريكي بحل الحشد الشعبي رغم أنهم يدعون أنهم أسسوا هذا التشكيل العسكري، وتحديدا رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وهذا الصمت بحد ذاته تطور كبير".
اظهار أخبار متعلقة
ونوه المشعل إلى أن "الإطار التنسيقي عادة ما يتوارى خلف الأحداث، بمعنى أنه لا يعطي رأيه في الموضع، خصوصا أن الانتخابات البرلمانية على الأبواب، لذلك فهو يخشى التصادم وبالتالي يخسر الجمهور، وأن هذا الأسلوب الموارب ينتج عنه أزمات كبيرة".
وعن مدى منطقية الحديث المتداول محليا من أن واشنطن خيّرت الإطار التنسيقي بين حل الفصائل والحشد الشعبي أو بقاء السلطة لدى الشيعة، لم يستبعد المشعل أن "تطرح هذا الأمر، لأنها ترى أن وجود هذه التشكيلات مخالفة للاتفاق الإستراتيجي بين البلدين، وخروج عن الدستور العراقي".
وتوقع المشعل أن "يتنازل الإطار التنسيقي عن الفصائل والحشد الشعبي ويوافق على كل ما تمليه عليه الولايات المتحدة مقابل البقاء في السلطة، وأن لأمريكا اليوم اليد العليا في العراق، خصوصا بعد تهاوي المشروع الإيراني في منطقة الشرق الأوسط".
استشعار الخطر
وفي السياق ذاته، قال الخبير الأمني والاستراتيجي العراقي، مهند الجنابي، إن "أي قرار اتخذته الكتائب عن انسحابهم أو تواجدهم في مناطق معنية بالعراق، فإنهم بالنتيجة فصيل يمتلك السلاح ولا يأتمر بأوامر الدولة، والدليل على ذلك بياناتهم ضد رئيس الوزراء".
وأضاف الجنابي في حديث لـ"عربي21" أن "هذه السلوكيات لن تجعلهم خارج نطاق المطالبة الأمريكية بحصر السلاح، خصوصا أن هذا قرار دولة وشعب قبل أن يكون قرار من الولايات المتحدة".
ورأى الخير العراقي أن "عدم إقرار البرلمان لقانون الحشد الشعبي ساهم أيضا في زيادة الفجوة بين الكتائب والحكومة العراقية، لهذا السبب أعتقد أن الصراع سيزداد مستقبلا، وأن الغاية منه إحراج الحكومة وإضعافها وشل يدها إلى حين إجراء الانتخابات البرلمانية".
وأوضح أن "الكتائب دائما ما تنتفض على بعض سلوكيات الحكومة، لكن أن تكون بشكل مباشر ولا تشمل بعض مطالب الفصائل وهي إخراج القوات الأمريكية، أعتقد أنه دليل على أنها تشعر بخطر، وأن الحكومة تعمل ربما بشكل سري على تفكيك الفصائل، أو عدم إشراكها بالانتخابات".
وأردف: "استشعار الفصائل لمثل هذا الخطر جعلها ترفع صوتها وتجهر بالخصومة، خصوصا أن السوداني هو مرشح إطاري، وهذه إحدى صور تفكك قوى الإطار التي كانت توفر الغطاء السياسي للجماعات المسلحة، والآن الأخيرة بدأت تتمرد عليها وتخرج عن مساراتها".
وأعرب الجنابي عن اعتقاده بأن "المسألة لن تقف عند هذا الحد، وربما تشهد الأيام القبلة حدة الصراع. لكن الإطار لن يستجيب لهذه المطالب لكنه يشكل ضغط عليها، لأنه هذه الفصائل ترفض الولاية الثانية للسوداني، ومن غير المعروف مدى تماشي قوى الإطار مع هذا الطرح".
وشدد على أن "دافع (كتائب حزب الله) يأتي من شعورها أن الحكومة تستمع لمطالب الولايات المتحدة وتسير وفق ما تريده واشنطن، لهذا السبب طالب الأمين العام للكتائب بالحجر على قرارات السوداني، رغم أنه إجراء شعبوي، لأنه غير قانوني ولا دستوري".
وبرأي الخبير العراقي، فإن "هذه الجماعات تتصرف بناء على توجيهات وسلوك الجانب الإيراني، لكن قد يكون هذا لا يعبر عن قرار قيادة إيران بالكامل، وإنما ربما جناح من أجنحة الحرس الثوري- التي تدعم الكتائب- يذهب بهذا الاتجاه، وأن الأيام قد تفكك الصورة بشكل جيد".
ولم يستبعد الجنابي أن "تكون هذه الفصائل قد كشفت ثمة سيناريو يعد لها شبيه لما حصل مع حزب الله اللبناني من قرار حكومي يقضي بنزع سلاحه، وبالتالي بدأت بمهاجمة حكومة السوداني لإفشال هذه المساعي".