مقالات مختارة

التجويع.. من الهنود الحمر إلى فلسطين

عبد الناصر بن عيسى
جيتي
جيتي
لم يخترع الكيان الصهيوني، تكتيك حرب إبادة جديدا، من خلال حرب التجويع الإرهابية، التي يمارسها في حق أبناء غزة، فكلّما سقط شهيد من الجوع، إلا وآمن بأنه اقترب من تحقيق هدفه الأول المرسوم من ما قبل حقبة 1948 وهو تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وإبادة من يقاوم بالبقاء في أرضه والتشبُّث بعرضه، آخذا من التجارب البريطانية والأمريكية التي نجح بعضها، وفشل آخر، في حملات إبادة الشعوب التي هي في الحقيقة صاحبة الأرض.

تيقّن الصهاينة على مدار حروبهم الكثيرة مع الدول والحركات العربية والإسلامية، من أن ما قامت به كل حكومات كيانه السابقة، كان مجرد حُقن تهدئة، لأن ابن الأرض الأصلي والأصيل، حتى ولو مرت عليه مئات السنين، سيتمكّن من طرد الغزاة، وما حدث في السابع من أكتوبر 2023 في غزة، سيحدث في مواقع وأزمنة أخرى، فلم تكن فكرة الإبادة الجماعية التي صار يعترف بها قادة الكيان، وليدة اللحظة أو الحدث أو وجع غزوة السابع من أكتوبر، وإنما مشروع بريطاني وأمريكي كامل قديم، لا يرى بأن الأرض تسع المتضادّين، ولا ديموقرطية في هذا المجال، لأن تشرشل وجاكسون كانا يُنظّران للحريات، ويسعيان إلى إبادة الآخر أو إبعاده عن أرضه، والبقاء من دونه.

النموذج المنفذ للإبادة، كان من خلال قانون أمريكي صدر في ربيع 1830، قبل الاستعمار الفرنسي للجزائر بشهرين، وباشر فيه الرئيس الأمريكي أندرو جاكسون تهجير الهنود الحمر من أراضيهم إلى غرب الميسيسيبي، بعد أن أحرِق مخزونهم الغذائي ونسفت منازلهم وما يُظهر حضارتهم، فهاجروا مشيا على الأقدام وسط الأدغال والفيافي من دون طعام، فمات منهم كثيرون جوعا وتفرَّقوا في البلاد، حتى ذهبت ريحهم، وما عادوا أكثر من “تراث” أو “أشياء عتيقة” يشاهدها السائح، كما يشاهد الكتابات الهيروغليفية في مصر أو رسومات الطاسيلي في الجزائر.
التجويع والتهجير هو ما أباد الرجل الهندي الأحمر، وهو ما تطمح إليه الدولة الصهيونية في حربها القائمة منذ 22 شهرا.

التجويع والتهجير هو ما أباد الرجل الهندي الأحمر، وهو ما تطمح إليه الدولة الصهيونية في حربها القائمة منذ 22 شهرا.
يقولون إن المهاتما غاندي، أبا الهند، عندما كان يرفض اللباس الغربي في زمن الاستعمار البريطاني، وكان يظهر عاري الصدر، لا شيء يظهر منه سوى عظام القفص الصدري التي تترجم جوعه وأهله، بسبب الحصار البريطاني، ما رفع إضرابه عن الطعام الشهير، إلا ليقول للبريطانيين إن التجويع القسري لا يخيفه ولا يُرعب الهنود، وهو ما طلبه بإرادته، ففشل البريطانيون بالتجويع، فيما نجح فيه الأمريكيون، وبين هذا وذاك، يحاول الكيان إعادة التجربة والتاريخ معا.

كتب الجنرال الأمريكي فيليب شيريدان رسالة رسمية إلى الجيش، يشرح فيها الحل الوحيد لمشكلة الهنود الحمر: “السبيل الأفضل لإخضاع السكان الأصليين هو إفقارهم من خلال تدمير مخزونهم من الطعام، ثم نقلهم إلى الأراضي التي خصَّصتها لهم الحكومة الأمريكية”.

جنرالات الكيان الصهيوني لا يكتبون رسائل.. هم ينفذون أمام مرأى العالم العربي الإسلامي، الجائع نخوة وكرامة، وأمام العالم بأسره الجائع إنسانية.

الشروق الجزائرية

التعليقات (0)

خبر عاجل