مقالات مختارة

لكم الله يا أهل غزّة

طلال عوكل
جيتي
جيتي
بينما لا يزال عديد المؤسّسات الدولية، والمغرّدين والصحافيين يتحدثون عن كارثة وشيكة في قطاع غزّة، بسبب تفاقم أزمة الغذاء، والماء والدواء والوقود، فإن الواقع على الأرض يؤكد أن الكارثة قد وقعت منذ زمن.

لا ضرورة للتحقيقات والتقارير والأخبار التي تنقل أعداد الوفيات من الأطفال، والحوامل، وكبار السنّ، بسبب الجوع، ولا ضرورة لمزيد من المعلومات عن عدد الشهداء والجرحى الذين سقطوا ويسقطون يومياً، وهم يبحثون عن رغيف الخبز.

المجاعة التي تهدّد حياة الناس بالجملة، تجاوزت حديث الأشهر والأسابيع، وحتى الأيّام، ذلك أن حياة الجوعى تحسب بالدقائق والسّاعات.

«منظمة غزّة الإنسانية»، ذات النشأة والهويّة والهدف الأميركي الإسرائيلي باتت تحسب من ضمن كتائب جيش الاحتلال حيث تستدرج الجوعى إلى أفخاخ الموت والإصابة.

تواصلتُ مؤخّراً مع عدد من الأصدقاء الأعزّاء، وعدد آخر من الأقارب، فوجئت بل صُعقت حين اعترف لي، بعض ممّن لا تهتزّ لهم عزيمة، ولا ينقصهم النُّصح، وقوّة الصبر والصمود، بأنهم جوعى.

لا يجدون الدقيق، ولا السكّر، ولا أبسط أنواع الطعام. يخرجون إلى الأسواق، والبسطات، وبالرغم من حرصهم على تقليل حركتهم حذراً من القصف الوحشي والهمجي، إلّا أنهم يعودون كما خرجوا، من دون أن يجدوا شيئاً.

هم ليسوا مُعدمي الدّخل، رغم أن ما يبقى منه بعد الخصومات التي تصادر ثلاثة أضعاف الراتب، إلّا أنهم لا يجدون أقلّ القليل ممّا يحتاجونه.

الناس في غزّة، سواء من يملك دخلاً أو مالاً، يتساوى مع الأغلبية السّاحقة ممّن لا دخل لهم، كلهم يتضوّرون من الجوع، لا ينقذهم مال، ولا يملأ بطونهم دعوتهم للصبر والصمود.

حين تتحدّث مع هؤلاء الأصدقاء والأقارب، لمجرّد التواصل، والاطمئنان والتضامن لا تملك سوى أن تبكي إذ ينعقد اللسان، وما عليك إلّا أن تصمت فقط، وتنتظر نهاية المكالمة.

الناس انتظروا طويلاً ومراراً، الوعود المتفائلة التي تبشّر بقرب التوصّل إلى اتفاق، يحمل معه انفراجة، لكن هذه الوعود ما تلبث أن تتبخّر.

بعد أن فقد الناس في غزّة، كلّ إمكانية لدورٍ عربيّ ينقذهم من الجوع والموت، تتوجّه أنظارهم، إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تماماً مثلما يفعل أهالي الرهائن الإسرائيليين.

في زمنٍ سابق، بادرت دول عربية وغير عربية لإسقاط المساعدات من خلال الطائرات، وبالرغم من قسوة المشهد الذي يثير الفوضى، ويعرّض منتظري المساعدات للقصف، وبالرغم، أيضاً، من عدم كفايته، إلّا أنه كان يوفّر بعض الغذاء.  

لم يعد الأمر بالنسبة للأمتين العربية والإسلامية يتعلّق بالتواطؤ، والتخاذل، بل تعدّاه إلى فقدهم الإرادة والقرار، بعد أن اختفى تماماً الضمير الإنساني، وبعد أن تمّ استبداله، بكمية هائلة من الذرائع.
المفاوضات جارية، وكلّ المؤشّرات تؤكّد أن الصفقة قادمة وأن بنيامين نتنياهو، لأسباب خارجية وداخلية، مُرغم على أن يُبدي مرونة كافية لتحقيق اتفاق.

غير أنّ كل تلك الضغوط، وحتى رغبة نتنياهو إزاء التوجّه لتحقيق الصفقة، محكوم مئة بالمئة، لإدارته والتوقيت الذي يحدّده هو بما يخدم أجندته الخاصّة.

الولايات المتحدة، كما أوروبا الغربية، سلّمت أمر توقيت الصفقة لنتنياهو.

ترامب تحدّث مراراً عن أسبوع، ثم أسبوع، ثم يأتي الخبر أنّ مبعوثه ستيف ويتكوف ينوي التوجّه إلى المنطقة خلال أسبوعين.

الأوروبيون فرحون بعجزهم، وبالتزامهم التاريخي تجاه الدولة العبرية، فيعقدون اتفاقاً يسمح ببدء تدفُّق المساعدات للقطاع، مقابل وقف النقاش بشأن اتفاقيات التجارة الأوروبية الإسرائيلية.

تفاءل الناس في غزّة، بشأن إمكانية الفصل بين الصفقة ومسألة إدخال المساعدات، لكن الاتحاد الأوروبي خذلهم مجدّداً، وخضع للتوقيت الذي يعمل عليه رئيس الحكومة الفاشية.

نتنياهو يعاني إمكانية انفراط عقد «ائتلافه اليميني الفاشي» على خلفية أزمة تجنيد «الحريديم»، بالنسبة لبعض أطراف الائتلاف ووقف الحرب الإبادية والتجويع والصفقة بالنسبة لأطراف أخرى، كما يتحدث عن إمكانية التوصّل إلى اتفاق مع نهاية هذا الشهر وبداية الشهر المقبل.

الأمر يتعلّق بموعد دخول «الكنيست» العطلة الصيفية بما يضمن في ظلّ غيابه، بقاء الحكومة، حتى لو أنها لم تعد تحظى بالنصاب القانوني لبقائها.

هكذا تكون الإدارة الأميركية، وحتى الاتحاد الأوروبي متواطئين مع نتنياهو، وخاضعين لأجندته، ولا يكترثان لفقدهما الهيبة والمصداقية أمام شعوبهما وشعوب الأرض.

نتنياهو لم يعد يثق بأحد، لا بحلفائه الأميركيين والأوروبيين ولا بـ»المعارضة» التي أبدت غير مرة استعدادها لتأمين «شبكة أمان» لما يتبقّى من «ائتلافه الحكومي الفاشي».

هكذا لم يبقَ لأهل غزّة سوى الله، بعد أن فقدوا الأخ، والصديق وأهل الضمير أو حتى من يدّعي حرصه على قيم حقوق الإنسان.

الأيام الفلسطينية
التعليقات (0)

خبر عاجل