مقالات مختارة

أكثر صهيونية من الصهاينة

إسماعيل الشريف
إكس
إكس
تنفق الولايات المتحدة الأمريكية مليارات الدولارات سنويًا، أكثر بكثير مما تنفقه أي دولة أخرى، على حماية ودعم «إسرائيل». لن نرضى بهذا. لقد حققنا للتو نصرًا عظيمًا بقيادة رئيس الوزراء بيبي نتن ياهو، وهذا يُشوّه نصرنا بشدة. دعوا بيبي وشأنه، فلديه مهمة عظيمة يقوم بها ترامب.

تُعرف حركة «العمل الفلسطيني» (Palestine Action) بأنها حركة بريطانية ذات طابع بيئي، تتبنى أسلوب العمل المباشر السلمي لتعطيل الشركات والمنشآت المتورطة في تزويد الكيان الصهيوني بالسلاح أو المساهمة في صناعته.

وقد اقتحم نشطاؤها قاعدة «برايز نورتون» الجوية، احتجاجًا على دعمها للكيان وإرسالها الأسلحة إليه، وقاموا برش الطائرات باللون الأحمر. تباينت ردود الفعل الإعلامية حيال الحركة، بين من رآها شكلًا من أشكال التمرد السلمي، ومن وصمها بالتخريب. وعلى إثر هذا الفعل، اعتقلت السلطات البريطانية عددًا من النشطاء.

لكن الحدث الذي فجّر المواقف جاء لاحقًا، حين اقتحم أعضاء الحركة مقر شركة «إلبيت سيستمز» العسكرية الإسرائيلية في بريطانيا. إثر ذلك، تقدمت الشركة بشكوى إلى وزارة الداخلية، فصوّت البرلمان البريطاني   الذي يتلقى نصف أعضائه دعمًا من اللوبيات الصهيونية   على تصنيف «العمل الفلسطيني» كمنظمة إرهابية.

وفي مهرجان غلاستنبري الشهير، أحد أكبر الفعاليات الغنائية في العالم، صعد المغني ويست هولتس، المغني الرئيسي لفرقة «أوبي فيلان»، إلى المسرح وهتف: «الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي، والحرية لفلسطين». فردّد وراءه أكثر من مئتي ألف من الحاضرين الهتاف ذاته. لم تمر الحادثة دون تبعات، إذ سارعت وزيرة الثقافة والنائبة ليزا ناندي إلى إدانته، فتُمنع حفلاته، وتُلغى تأشيرته إلى الولايات المتحدة، وتقطع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) بث الفعالية، ليُطوى بذلك مستقبله الغنائي إلى الأبد.

ومع ذلك، لا يغضب مجلس العموم البريطاني، ولا الإعلام، من جرائم الحرب التي تُرتكب في غزة، ولا من آلاف الأطفال الذين قُتلوا أو أُحرقوا أحياء. لكنهم غضبوا من مغنٍ صدح بهتافٍ ضد جيش ارتكب تلك الجرائم. هكذا داسوا على الضحية، وامتدت حمايتهم لتشمل الجلاد.

أما الولايات المتحدة، فقد استقبلت مجرم الحرب نتن ياهو ثلاث مرات خلال خمسة أشهر، واحتفت به كأحد «أبطال العصر»، بدلًا من أن تُقدّمه إلى العدالة. بل إن الرئيس الأميركي نفسه مارس ضغوطًا على القضاء لتبرئته من قضايا الفساد التي يُحقَّق معه فيها. وفي الوقت ذاته، تواصل الشركات الأميركية الخاصة قتل الفلسطينيين الجوعى يوميًا، في مشهد ينتهك كل معاني الإنسانية.

وهكذا، أصبحت هذه الدول أكثر صهيونية من الصهاينة أنفسهم؛ بل تجاوزتهم في الولاء، حتى ليبدو الصهيوني أحيانًا أقل تطرفًا من حلفائه في الغرب!

لكن رغم هذا السواد، كانت هناك لحظات مضيئة. هتافات جمهور غلاستنبري، والمظاهرات العارمة التي رفضت تصنيف «العمل الفلسطيني» كمنظمة إرهابية، ورسالة موظفي الـBBC المحتجّة على انحياز القناة للصهاينة وطمسها للحقائق   كلها لحظات تاريخية نادرة، لم نشهد مثلها من قبل. لقد أكدت أن جيل الشباب يقف إلى جانب حركات التحرر، وأن رأيًا عامًا عالميًا بدأ يتشكل، مناهضًا للصهيونية وجرائمها.

ما نشهده اليوم يهدم سنواتٍ من العمل المنهجي الذي قامت به المؤسسات الحاكمة واللوبيات الصهيونية، بدعم من وسائل إعلام لطالما روّجت لسردية زائفة، اختزلت الحرية في الإباحية، والشذوذ، والجنون، وقدّمت الكيان الصهيوني كواحةٍ للحرية وسط «غابة من الغيلان». لكن حين يُصر الفنانون والشباب على الهتاف من أجل حرية فلسطين، وحين تخرج الآلاف إلى الشوارع دعمًا لقضيتها، فإن هذه السردية تتهاوى، وينكشف زيفها بالكامل.

حتى الآن، لم يتحقق التغيير المنشود. لكن لا أحد يعلم إلى أين ستقود هذه التحولات. فكل السيناريوهات لا تزال مفتوحة، وكل الاحتمالات قائمة.

الدستور الأردنية
التعليقات (0)

خبر عاجل