مقالات مختارة

نتنياهو وصفقاته

إسماعيل الشريف
جيتي
جيتي
لا يمكننا أن نعلّم السلطعون أن يمشي مستقيمًا – أرسطو
بعد عامين من الإبادة الجماعية في غزة، لا يختلف اثنان على أنّ مجرم الحرب نتن ياهو انتهازي نرجسي، يكذب كما يتنفس. تلاقت مصالحه الشخصية مع أيديولوجيته المتطرفة، واندمجت مع سعيه المحموم إلى البقاء السياسي، غير عابئ بالثمن البشري ولا بمصلحة كيانه العليا، ليفشل بذلك كل محاولات وقف المجزرة والتوصل إلى صفقة.

اليوم، يُعرض عليه اتفاق كان قد «طبخه» بنفسه مع ويتكوف قبل شهرين؛ ذلك الاتفاق الذي رفضته حماس آنذاك وتحمّلت إعلاميًا مسؤولية إفشاله، لكنها تقبله اليوم بعد إدخال تعديلات طفيفة عليه. وبحسب الوسطاء المصريين والقطريين، فإن قبول حماس يتضمن ـ كما أراد نتن ياهو ووتكوف ـ هدنةً مؤقتة لمدة ستين يومًا من دون أي ضمانات تحول دون عودة الحرب. وتدخل المساعدات عبر الهلال الأحمر، فيما يُفتح باب التفاوض على وقف دائم لإطلاق النار وتبادل نصف الأسرى. ولم يتضح بعد موقف حماس من مستقبل وجودها السياسي بعد وقف المجزرة.

إن موافقة حماس، مع ما أُدخل عليها من تعديلات، تشكّل اختبارًا حاسمًا لمدى جدية الكيان في إيقاف المجزرة، ولرصد هامش المناورة لدى كل طرف، وكذلك لموقف الولايات المتحدة من هذا المسار. ولا شك أنّ تخلي حماس عن مطلبها بالحصول على ضمانات قوية لوقف المجزرة بعد الهدنة المؤقتة، جاء نتيجة المجاعة البشعة التي فرضها الصهاينة على أهل غزة، وهو ما وضعها تحت ضغط قاسٍ شديد.

وفي حين يرفض نتن ياهو إعلاميًا وقف إطلاق النار، فإنه وافق على خطة جيشه لاحتلال غزة، وبدأ بالفعل بتعبئة ستين ألفًا من جنود الاحتياط والتقدّم في مناطق بيت لاهيا والزيتون داخل القطاع، في خطوة تكشف بوضوح غياب أي ربط بين المسارين التفاوضي والعسكري. وقد وصف قبول حماس للمقترح بأنه نتيجة «النجاحات الكبيرة» التي حققها جيشه في غزة، وسياسة الضغط القصوى التي يمارسها. وأكد أنه لن يسمح لا للسلطة ولا لحماس بإدارة القطاع بعد الحرب، وأن جيش الاحتلال لن ينسحب من غزة، وأن على حماس تسليم سلاحها. أما الهدف الحقيقي لنتنياهو من وراء كل ذلك، فهو سحق الطموحات الفلسطينية في إقامة دولة مستقلة.
الموقف الأمريكي فما زال حتى الآن يتماهى مع موقف نتن ياهو

ومن جانبها، تحاول حماس الضغط على نتن ياهو لدفعه إلى قبول وقف إطلاق النار، فباشرت قوات النخبة بمهاجمة نقاط تجمع الجنود الصهاينة داخل غزة، ملحقة بهم خسائر فادحة في الأرواح، فيما واصلت طائرات الاحتلال قصف ما تبقّى من مبانٍ في القطاع. وبهذا أرادت حماس أن ترسم ملامح ما بعد احتلال غزة، حيث تتحول المواجهة إلى حرب استنزاف طويلة الأمد.

أما الموقف الأمريكي فما زال حتى الآن يتماهى مع موقف نتن ياهو، بل لعله يشجّعه في مخططاته. فقد تنصّل ويتكوف من مقترحه الأصلي حين أبلغ عائلات الرهائن، في مطلع أغسطس، بأن ترامب يريد الآن إطلاق جميع الرهائن الأحياء دفعة واحدة، قائلًا: لا صفقات مُجزّأة؛ فهذا لا ينجح. المفاوضات يجب أن تتحول الآن إلى صيغة الكل أو لا شيء، عودة الجميع معًا.

وأعتقد أن نتن ياهو سيوافق في النهاية على صفقة واحدة، تقوم على إعادة جميع الأسرى، وتسليم حماس سلاحها، وخروجها من غزة؛ وبهذا يكون قد حقق ما يسميه «النصر الكامل»، وأعاد أسراه، وكرّس انتصاره في هذه المواجهة.

وحتى إذا وافق على وقف مؤقت لإطلاق النار، فقد يوفّر ذلك بعض الراحة لسكان غزة المنكوبين، لكنه لن يمنعه من استئناف القتال متى شاء، بل سيُقدَّم حينها كبطلٍ حرّر المحتجزين.

وليس غريبًا أن يحضّ جميع داعمي الكيان نتنياهو على قبول الصفقة، وأبرزهم دانيال بابيس، مؤسس «منتدى الشرق الأوسط» في فيلادلفيا وأحد أكبر الداعمين للكيان. فقد دعا نتن ياهو إلى تأجيل ما يسميه «النصر الكامل» في غزة، بسبب العزلة الدولية الخانقة التي يعيشها الكيان. ويقول بابيس: بقلبٍ مثقَل أوصي بتأجيل النصر؛ على إسرائيل أن تؤجل تحقيق النصر الكامل لتعمل أوّلًا على إعادة تأهيل نفسها. النصر مؤجَّل لا مُلغى: أوّلًا الخلاص، ثم النصر.

لذلك، أرى أن أي اتفاق في هذه المرحلة لن يضع حدًّا للمجزرة، وإنما سيكون كسابقاته مجرد استراحة قصيرة لأهلنا في غزة لالتقاط أنفاسهم، قبل أن تعود آلة القتل إلى عملها من جديد؛ فقرار إنهاء حماس قد اتُّخذ سلفًا.

الدستور الأردنية
التعليقات (0)

خبر عاجل