اقتصاد دولي

الأرقام الجديدة تفضح أسطورة الانتعاش الاقتصادي في عهد ترامب

أظهر تقرير الوظائف أن الاقتصاد الأمريكي أضاف 73,000 وظيفة فقط الشهر الماضي، مع ارتفاع البطالة إلى 4.2 بالمائة- جيتي
أظهر تقرير الوظائف أن الاقتصاد الأمريكي أضاف 73,000 وظيفة فقط الشهر الماضي، مع ارتفاع البطالة إلى 4.2 بالمائة- جيتي
نشرت مجلة "ذا أتلانتيك" تقريرًا كشفت فيه عن ضعف الاقتصاد الأمريكي وخسارة وظائف رغم تصريحات الرئيس دونالد ترامب، مع تركز التوظيف في قطاع الرعاية الصحية فقط.

وأفادت المجلة أن بيانات جديدة من مكتب إحصاءات العمل أظهرت أن سوق العمل الأمريكي مرّ بأسوأ ربع له منذ سنة 2010، باستثناء جائحة كورونا، وذلك بعد مراجعة الأرقام السابقة. وجاءت هذه الأرقام في وقت غير مناسب، إذ أعلن ترامب فرض رسوم جمركية جديدة مدفوعًا باعتقاد خاطئ بقوة الاقتصاد، الذي اتضح أنه لم يكن قويًا كما ظن.

وأوضحت المجلة أنه بعد أن أعلن ترامب في نيسان/ أبريل عن أول حزمة شاملة من رسوم "يوم التحرير"، بدا أن البلاد على شفا كارثة اقتصادية. فقد انهارت سوق الأسهم، وكادت سوق السندات تنهار بالكامل، وارتفعت توقعات التضخم المستقبلي بشكل حاد، وتوقع الخبراء حدوث ركود اقتصادي.

اظهار أخبار متعلقة


وأضافت المجلة أنه رغم توقعات بحدوث كارثة اقتصادية بعد إعلان ترامب رسوم "يوم التحرير"، لكن الأزمة لم تقع؛ إذ خفّف ترامب من تهديداته، ولم تُظهر البيانات أضرارًا كبيرة؛ فالتضخم بقي مستقرًا، ونمو الوظائف والأسواق استمر.

وأشارت المجلة إلى أن إدارة ترامب اختفت بنتائج سياساتها الجمركية، إذ صرّح ستيفن ميران بأن التوقعات الكارثية لم تتحقق، فالوظائف تنمو والتضخم مستقر، والإيرادات الجمركية تتزايد. وأكد بيان للبيت الأبيض أن "ترامب كان محقًا مرة أخرى"، مشيرًا إلى ازدهار اقتصادي جديد.

وقد أثارت البيانات الاقتصادية القوية ظاهريًا حالة من التأمل الذاتي بين الصحفيين والاقتصاديين، وتساءلت نيويورك تايمز: "هل كانت التحذيرات من الرسوم الجمركية مبالغًا فيها؟".  حاول المعلقون تفسير الخطأ في التقديرات: هل لأن الشركات خزّنت البضائع قبل تطبيق الرسوم؟ أم لأن الاقتصاد كان قويًا بما يكفي لمقاومة سياسات ترامب؟ أم أن الخبراء تأثروا بما يشبه "متلازمة الرسوم الجمركية"؟ في كل الأحوال، أصبح من الضروري أخذ احتمال أن يكون ترامب محقًا والاقتصاديون مخطئين على محمل الجد.

وذكرت المجلة أن غياب الانهيار الاقتصادي المتوقع شجع إدارة ترامب على توسيع سياسة الرسوم الجمركية، ففرض رسومًا جديدة بنسبة 25 بالمائة على قطع السيارات، و50 بالمائة على المعادن، وهدّد بأخرى على الأدوية. كما أعلن عن اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية لقبول رسوم 15 بالمائة، وكشف عن حزمة جديدة تشمل 39 بالمائة على سويسرا و25 بالمائة على الهند و20 بالمائة على فيتنام، تبدأ في 7 آب/ أغسطس ما لم يتم التوصل لاتفاق.

وقد أظهر تقرير الوظائف أن الاقتصاد الأمريكي أضاف 73,000 وظيفة فقط الشهر الماضي، مع ارتفاع البطالة إلى 4.2 بالمائة. كما تم تعديل أرقام الشهرين السابقين بشكل حاد من 291,000 إلى 33,000 وظيفة فقط، ما يكشف أن ما بدا كطفرة توظيف كان في الواقع ربعًا ضعيفًا تاريخيًا.

وأوضحت المجلة أن جميع المكاسب الوظيفية في الأشهر الثلاثة الماضية جاءت من قطاع الرعاية الصحية، ما يشير إلى ضعف في بقية الاقتصاد، خاصة أن التصنيع خسر وظائف بشكل متتالٍ رغم فرض الرسوم الجمركية. ويُعدّ ذلك مقلقًا لأن الرعاية الصحية عادة ما تكون معزولة عن تقلبات السوق.

اظهار أخبار متعلقة


إلى جانب ذلك، أظهر تقرير التضخم الأخير ارتفاعًا في الأسعار، وتراجعًا في النمو والاستهلاك مقارنة بالنصف الأول من 2024. وهذه المؤشرات مجتمعة تعزز المخاوف من دخول الاقتصاد الأميركي في مرحلة ركود تضخمي تتسم بنمو ضعيف، وسوق عمل متدهور، وأسعار متصاعدة.

وقالت المجلة إن اللافت في هذه الاتجاهات هو مدى تباعدها الكبير عن التوقعات الاقتصادية قبل تولي ترامب منصبه. كما أشار الاقتصادي جايسون فورمان مؤخرًا، فإن معدل النمو الفعلي في النصف الأول من عام 2025 لم يتجاوز سوى نصف ما كانت تتوقعه هيئة التحليل الاقتصادي في نوفمبر 2024، في حين جاءت نسبة التضخم الأساسي أعلى بنحو الثلث من التقديرات السابقة.

وقد يكون الأسوأ لم يأتِ بعد؛ حيث قامت العديد من الشركات فعلًا بتخزين البضائع المستوردة قبل دخول الرسوم الجمركية حيّز التنفيذ، بينما امتصّت شركات أخرى تكاليف هذه الرسوم لتجنّب رفع الأسعار، على أمل أن تُلغى قريبًا. ولكن مع ترسّخ واقع استمرار الرسوم، من المرجح أن تُجبر المزيد من الشركات على رفع الأسعار أو خفض التكاليف، بما في ذلك تكاليف العمالة. ومع هذه التطورات، تبدو احتمالية العودة إلى مزيج التضخم والبطالة على النمط الذي شهدته السبعينيات أكثر واقعية من أي وقت مضى.

وتابعت المجلة أن إدارة ترامب تواجه تناقضًا في التعامل مع الأرقام الاقتصادية الضعيفة، بين إنكارها وتحميل الآخرين المسؤولية، فقد وصف ترامب تقرير الوظائف بأنه "غير مثالي" وعلله بعوامل شاذة، منها تراجع الهجرة. ولاحقًا، اتهم ترامب مفوضة الإحصاءات بتزوير البيانات، ووجه بطردها، كما جدّد مطالبته بإقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بسبب رفع الفائدة، رغم أن هذه التبريرات تتعارض: فإما أن الأرقام مزيفة، أو أن باول مسؤول عنها.

واختتمت المجلة التقرير بالإشارة إلى أن حالة الارتباك والتبريرات المتضاربة الصادرة عن إدارة ترامب تعكس قدرًا من اليأس في مواجهة الأرقام الاقتصادية المتدهورة. وبينما لا يزال احتمال تحسّن الاقتصاد قائمًا، فإن الرهانات على انتعاش قوي في النصف الثاني من العام باتت أضعف بكثير مما كانت عليه قبل 24 ساعة فقط.
التعليقات (0)

خبر عاجل