ملفات وتقارير

صرخة المغرب المنسي.. كيف حوّل سكان الجبل مسيرتهم إلى "أيقونة" للاحتجاج السلمي؟

"المواطنون في الجبل سئموا من الشعور بأنهم في الهامش.."- فيسبوك
"المواطنون في الجبل سئموا من الشعور بأنهم في الهامش.."- فيسبوك
"كيف تفرضون علينا تصاميم المهندسين المعماريين ونحن لا نملك شبكة للصرف الصحي؟" هكذا استفسر عدد من ساكنة "آيت بوكماز" وهي المنطقة الجبلية التي تعدّ من أغنى الجماعات في إقليم أزيلال، لكنّها في الوقت نفسه، تعاني من واقع تنموي، يوصف بـ"المُتردّي".

مطالب السّاكنة، ممّن قطعوا ما يزيد عن 50 كيلومترا، مشيا على الأقدام، عبر طرق جبلية وعرة، نُعتت من المسؤولين أنفسهم بكونها "منطقية"، حيث لم يكن "فرض رخص للبناء من وزارة الداخلية" إلاّ نقطة أفاضت الكأس، في خضمّ: غياب الطرق المعبّدة، والماء الصالح للشرب (بشكل كافي)، وطبيب..

برغم مرور سنوات على إطلاق وعود "العدالة المجالية"، تبقى مناطق مثل: "آيت بوكماز" و"تنغير" أسيرة حلقة مُفرغة من الانتظار والحرمان؛ فهل ستظل الحكومة المغربية التي يقودها عزيز أخنوش عاجزة عن معالجة معاناة قد تراكمت على مدى عقود في المناطق الجبلية النائية؟.

Image1_7202516123016563314742.jpg

هذه مطالبهم.. هل من مستجيب؟ 
سكّان آيت بوكماز، المتواجدة في ضواحي إقليم أزيلال، اضطرّت قبل أيّام، من الخروج في مسيرة جماعية احتجاجية، عقب سنوات من الصّبر والانتظار، مؤكّدين عبر شعارات عدّة: "نعيش التّهميش والإقصاء الممنهج، فيما تُعتبر منطقتنا من أجمل مناطق الأطلس الكبير من حيث المؤهلات السياحية".

المحتجّين بعد مسيرة يوم كامل، أنهكت أجسادهم، وصلوا إلى منطقة "آيت امحمد"، حيث قرّروا المبيت في العراء، استعدادا لاستئناف المسيرة فجر اليوم التالي (في الأسبوع الماضي) في اتجاه مدينة بني ملال، بغية إيصال مطالبهم المُلحّة إلى كافة المسؤولين الجهويين والمركزيين، بعد سنوات من الوعود المؤجلة.

وفيما أكّد المحتجّين أنّهم رافضين للبناء العشوائي، أبرزو: "يجب إيقاف إلزامية رخص البناء والتصاميم المكلّفة جدا، في قلب القرى النائية، إلى أن يتم تزويد هذه المناطق أوّلا، بالبنية التحتية الأساسية، آنذاك نتحدّث عن التنظيم".

ومن المطالب التي يُنادي بها السّاكنة: تحسين البنية التحتية، خاصة إصلاح الطريق الجهوية رقم 302 عبر ممر تيزي نترغيست والطريق رقم 317 عبر آيت عباس. وتوفير طبيب قار في المركز الصحي الوحيد بالمنطقة، وتعزيز تغطية شبكة الهاتف والإنترنيت. مع بناء سدود تلية لحماية الهضبة من الفيضانات الموسمية، وربط الدواوير بشبكة الماء الصالح للشرب.

أيضا، طالب المحتجون ببناء مدرسة جماعاتية لتشجيع التمدرس، خاصة في صفوف الفتيات، مع توفير وسائل النقل، من أجل محاربة الهدر الدراسي المتفشي في صفوف الأطفال، وإحداث مصلحة إسعاف قريبة، في ظل غياب شبه تام للخدمات الصحية. إلى جانب فتح مركز تكوين في المهن الجبلية يوفر فرص شغل تتماشى مع خصوصيات المنطقة، ويساهم في الحد من الهجرة نحو المدينة.


"كفى من التهميش"
اعتبر المجلس الوطني للائتلاف الوطني من أجل الجبل، أنّ خروج ساكنة "آيت بوكماز" للاحتجاج في مسيرة سلمية هو: "لحظة فارقة في تاريخ العلاقة بين الجبل والدولة، وأنّ الساكنة خرجت لتقول بصوت جماعي واضح كفى من التهميش، كفى من الانتظار".

وأضاف الائتلاف، الذي يُعرف باهتمامه بقضايا ساكنة الجبال، عبر بلاغ له، وصل "عربي21" نسخة منه، أنّ: "هذه المسيرة ليست سوى تعبير حضاري عن تراكم عقود من الإقصاء التنموي الذي جعل من المناطق الجبلية، وفي مقدمتها أيت بوكماز، نقطة عمياء في السياسات العمومية".

"المواطنون في الجبل سئموا من الشعور بأنهم في الهامش، وأن أحلامهم في الصحة والتعليم والبنية التحتية لا تدخل ضمن أولويات الدولة" تابع الائتلاف ذاته، مؤكّدا أنّ: "ما يطلبه أهالي أيت بوكماز، وما تنتظره جل ساكنة الجبل، ليس امتيازا ولا ريعا، بل الحد الأدنى من شروط العيش والانتماء لهذا الوطن".

إلى ذلك، دعا الإطار المدني المهتم بقضايا الجبل، الحكومة والسلطات المعنية إلى التجاوب الفوري والمسؤول مع مطالب الساكنة، لكونها مطالب عادلة تعبّر عن احتياجات حقيقية، لا تحتمل المزيد من التأجيل؛ فيما نبّه من أنّ: "استمرار إقصاء المناطق الجبلية يهدد التماسك الاجتماعي ويخدش صورة المغرب ويعيق أي نموذج تنموي وطني من بلوغ أهدافه".


من "آيت بوكماز" إلى "تنغير".. احتجاج مُستمرّ
"نعاني من نفس المشاكل المُتراكمة، وأيضا يُطلب منّا آلاف الدراهم للحصول على رخص من المهندس والمكتب التقني، لبناء غرفة بسيطة، في الوقت الذي لازلنا نستخدم فيه الحفر الصحّية "المطامير" ونعاني جدا للحصول على الماء، والله هذا ظلم" هكذا تكلّم سكان قرية "أوزيغيمت" الجبلية، بإقليم تنغير (الجنوب الشرقي للمغرب).

وتابع المحتجّين، ممّن أعادت إليهم مسيرة آيت بوكماز التي باتت تُعرف باسم "مسيرة الكرامة"، أملا منسيا في الحياة الكريمة، بالقول: "يتوجّب على الدولة أن توفّر لنا الصرف الصحي والطرق المعبّدة أولا، وبعد ذلك فلتفرض علينا ما شاءت من قوانين، سنلتزم آنذاك".


وفي جوابه على سؤال: "كيف تقرأون مفارقة شعار الدولة الاجتماعية الذي ترفعه الحكومة، في ظل احتجاجات سكان المناطق القروية؟"، قال الباحث في العلوم السياسية، سمير الباز، إنّ: "الدولة الاجتماعية لا تُقاس بالشعارات أو البرامج الإعلانية، بل بمدى وصول الخدمات الأساسية إلى المواطن، في أي نقطة من الوطن". 

وتابع الباز، في حديثه لـ"عربي21" بالقول: "حين يُجبر المواطن في 2025 على قطع عشرات الكيلومترات مشيًا، فقط ليُسمع صوته، فهذا يعني أن هناك خللا بنيويا، لا في السياسات فقط، بل في الإرادة السياسية ذاتها، وفي أزمة الوساطة السياسية التي يقوم بها الأحزاب"، مبرزا: "أعتقد أن احتجاج آيت بوكماز يمكن أن يشكل نموذجا جديدا في التعبير عن المطالب الاجتماعية في المغرب المنسي، ليس فقط بسبب سلميته وتنظيمه، بل لأنه جاء بمطالب واضحة، ومرافعة سياسية متماسكة من رئيس الجماعة نفسه".

وبيّن أن: "الشعارات المرفوعة، والمرافعة التي قدمها المجتمع المدني، وكذا تنسيق المسيرة، تعكس تحوّلًا واضحًا في وعي سكان الجبل". 

"لم تعد المطالب ترفع بعفوية فقط، بل أصبحت مؤطرة قانونيا وسياسيا، وتتحدث بلغة الحقوق وليس بلغة الإحسان أو الانتظار" أكّد الباز، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنّ: "هذا المستجد يحيل على أزمة اختصاصات الجماعات الترابية، في ظل محدودية الموارد؛ لكنه في المقابل، قد يُواجَه بالتجاهل أو الالتفاف، كما حدث في حالات مماثلة، إذا لم يجد من يلتقط الرسالة بجدية".

اظهار أخبار متعلقة


أخنّوش متفاعلا.. ماذا قال؟
خلال جلسة مساءلته الشهرية، التي انعقدت أمس الثلاثاء، قال رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش: "جماعة آيت بوكماز زُرتها وأعرفها، كما أعرف إشكاليات الساكنة هناك. ولهذا، أقول إن الإنصات للمواطنين والاستجابة لأولوياتهم حق".

وتابع رئيس الحكومة: "الفاعل السياسي عليه أن يستمع إلى مشاكل المواطنين ويقوم بحلها؛ فالوسيط السياسي، أكان منتخبا أو رئيسا لجماعة أو رئيسا للجهة، عليه أن يلعب الأدوار المنوطة به؛ كما أن عليه أن يدق الأبواب لحل مشاكل الناس. فلا يعقل أن وسيطا سياسيا لكي يربح منافسا له يقوم بتجييش الناس" وفقا لتعبيره.


وفي إشارة إلى مشاركة رئيس جماعة تبانت بإقليم أزيلال، خالد تيكوكين، المنتمي لحزب العدالة والتنمية، في المسيرة الاحتجاجية لساكنة "آيت بوكماز"، تابع أخنوش: "من أراد أن يكون رئيسا لجماعة أو مجلس إقليمي أو جهة، عليه أن يتحمّل مسؤوليته ويحل مشاكل المواطنين. وما حدث في آيت بوكماز هو استغلال سياسي غير مقبول".

واسترسل: "لا يمكن أن نقول إن هناك منطقة في بلادنا بقيت معزولة عن التنمية؛ لأن جميع المناطق شملتها التنمية خلال السنوات الأخيرة، لكن بشكل متفاوت، بالنظر إلى محدودية الإمكانيات وترتيب الأولويات"، مردفا: "كل منطقة سيأتي دورها للاستفادة من مشاريع التنمية".

تفاعلات مُتسارعة.. 
عقب رفض ساكنة عدد من المناطق القروية المغربية، لاستمرار العيش، قسرا، تحت التهميش والإقصاء، أكّد مصدر مطّلع لـ"عربي21" أنّ: "السلطات الإقليمية في عمالة أزيلال قد انطلقت في عملية التّجاوب لتحقيق بعض مطالب سكان منطقة آيت بوكماز، وذلك عبر: مراسلة شركات الاتصالات لتوفير شبكة الهاتف والإنترنت".

وفي السياق ذاته، أقدمت المندوبية الإقليمية لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، على إرسال طبيب رئيسي إلى المركز الصحي القروي الخاص بالمنطة، من أجل مباشرة العمل.


إلى ذلك، في الوقت الذي تستمر فيه ساكنة المناطق الجبلية، في الإلحاح على مطالبها الأساسية، تفاعل رواد مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، مع مسيراتهم السلمية، بينهم شخصيات سياسية، من قبيل الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله، الذي اعتبر أنّ: "مسيرة ساكنة آيت بوكماز، على مدى يومين، تُجسّد تعبيرًا حيًا عن تدهور المستوى المعيشي لفئات اجتماعية واسعة..".

وشدّد بنعبد الله، عبر تدوينة نشرها على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي، أنّ: "المسيرة تشكّل دليلًا إضافيًا على تصاعد مؤشرات الاحتقان الاجتماعي، الذي تُسهم فيه الحكومة التي وصفها بالمتعالية، في شخص رئيسها؛ كما تعكس الخواء السياسي والضعف التواصلي الذي تعانيه الحكومة، وتجاهلها المتكرر لمطالب المواطنين".

بدوره، قال رئيس فريق التقدم والاشتراكية، رشيد حموني: "لن نكون ذوي فائدة إذا تجاهلنا هذه الصرخة"؛ مبرزا أنّ: "ما جرى في آيت بوكماز ليس مجرد حدث معزول، بل مؤشر على خلل بنيوي في كيفية تعامل الحكومة مع المناطق المهمّشة".

"نظرة الحكومة إلى القضايا التنموية يجب أن تتغير" أكّد الحموني عبر منشوراته على موقع التواصل الاجتماعي، مطالبا بـ"تعزيز مقاربة التمييز الإيجابي لصالح المناطق الجبلية والقروية، واحترام أدوار المؤسسات الوسيطة والمنتخبة بدل الاكتفاء بالتدبير من برج عاجي".

أيضا، وصف الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، محمد أوزين، احتجاج سكان آيت بوكماز بـ"صرخة جبل وصوت من الهامش؛ خاصّة في ظل انتشار البطالة وسط الشباب وغياب التكوين والتعليم"، فيما أكّد أنها جزء من دينامية احتجاجية أوسع تمتد من إملشيل وأنفكو إلى قرى الزلزال الكبير في قلب الحوز.

اظهار أخبار متعلقة


من جهتها، أشارت عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي، حنان رحاب، إلى أنّ: "ما يجري في آيت بوكماز، هو: فضح لحكومة الدولة الاجتماعية المفترى عليها"، مبرزة أن "الثروة موجودة ولكنها لا تصل إلى الناس".

أمّا رئيس الحكومة السابق، سعد الدين العثماني، فقد عبّر عن دعمه الكامل لمطالب ساكنة آيت بوكماز، مؤكدا ما وصفه بـ"مشروعية الخطوة الاحتجاجية"، بالقول: "عندما يحتج ساكنة آيت بوكماز بإقليم أزيلال فهذا حق مكفول، إنهم يناضلون من أجل إصلاح الطرق وفك العزلة عنهم وتوفير الخدمات الطبية وبناء ملعب لكرة القدم. لقد قاموا بشيء رائع هو الاحتجاج السلمي ورفع طلباتهم وحاجاتهم".

وتابع العثماني، عبر تدوينة نشرها على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي: "لهم كل التحية، ومطلوب من الجهات المختصة النظر في تلك المطالب وتحقيقها في آجال معقولة"، فيما أكّد أنّ: "هذا الشكل الحضاري من النضال يجب أن يُقابل باستجابة فعلية، لا بتجاهل إضافي يُعمق الفجوة بين المواطن والدولة".
التعليقات (0)