خلص تقرير مشترك أعدّه الصحفيان زفي سميث وبينوا فوكون، في صحيفة "
وول ستريت جورنال" إلى أن المواجهة الأخيرة بين
إيران والاحتلال الإسرائيلي شكّلت لحظة فارقة في تقييم فعالية أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة، ليس فقط لإسرائيل بل لكافة الدول الساعية لبناء مظلات صاروخية شبيهة.
فعلى مدار 12 يوماً من القتال، تمكنت إيران من اختراق منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية تدريجياً، رغم إسقاط غالبية المقذوفات، ما كشف عن قابلية حتى أكثر الأنظمة تطوراً للاختراق عبر التجربة والخطأ وتطوير التكتيكات.
تطور تكتيكي إيراني وتكيّف مع ساحة المعركة
وفقاً لتحليل أجرته الصحيفة لبيانات صادرة عن مراكز أبحاث في واشنطن وتل أبيب، بدأت طهران بإطلاق صواريخ أكثر تطوراً ومن مسافات أبعد في عمق الأراضي الإيرانية، كما قامت بتغيير توقيت الضربات، وتوسيع نطاق الأهداف جغرافياً، وتوزيعها على فترات متفاوتة.
ونتيجة لذلك، ارتفعت نسبة الصواريخ التي نجحت في تجاوز الدفاعات الإسرائيلية من 8% في النصف الأول من الحرب إلى أكثر من 16% في النصف الثاني.
طبقات الدفاع الإسرائيلية... كيف تعمل؟
ويعتمد الاحتلال الإسرائيلي على شبكة متعددة الطبقات من أنظمة الدفاع الجوي، تبدأ بمنظومة "
حيتس 3" (Arrow 3) التي تعترض الصواريخ الباليستية خارج الغلاف الجوي، وتدعمها صواريخ "SM-3" الأمريكية من البحر المتوسط، وهي قادرة على إسقاط التهديدات داخل وخارج الغلاف الجوي.
أما الطبقة الثانية فتشمل "حيتس 2" و"THAAD"، وتتعامل مع الصواريخ طويلة المدى داخل الغلاف الجوي، بينما تتكفل "مقلاع داود" (David's Sling) و"القبة الحديدية" بالتصدي للصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، والصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة.
لكن رغم هذه الطبقات، أظهرت إيران قدرة متزايدة على خداع النظام الدفاعي الإسرائيلي عبر تغيير نمط الهجمات، واستهداف مناطق متباعدة جغرافياً، وتعديل التوقيتات.
اظهار أخبار متعلقة
استخدام صواريخ فتّاحة وفراغات في "الدرع الحديدي"
كشف التقرير عن استخدام طهران لصواريخ "فتاح-1" فرط الصوتية، والتي تمكنت شظايا منها من السقوط في بلدات إسرائيلية. وتتميز هذه الصواريخ بالقدرة على المناورة أثناء الهبوط بسرعات تفوق عشرة أضعاف سرعة الصوت، ما يجعل من اعتراضها مهمة بالغة التعقيد، ولا يمكن التعامل معها إلا من خلال أنظمة مثل "حيتس 3" و"مقلاع داود".
في واحدة من أنجح الهجمات الإيرانية، تمكنت طهران يوم 22 حزيران/يونيو الماضي من إصابة 10 أهداف داخل الاحتلال الإسرائيلي من أصل 27 صاروخاً أُطلق، ما عزز القناعة بأن طهران تمكّنت من تحسين تكتيكاتها على نحو واضح مع تقدم الحرب.
وتشير رئيسة مركز تحليل البيانات في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، مورا ديتش، إلى أن نسبة الاعتراض لا تعكس بالضرورة كل شيء، حيث لا تؤخذ بالحسبان الصواريخ التي فشلت قبل الإطلاق، أو تلك التي استُهدفت خارج المجال الجوي الإسرائيلي، أو التي سمح لها النظام الدفاعي بالهبوط في مناطق مفتوحة.
أزمة ذخائر ومخاوف من الاستنزاف
ومع تصاعد الهجمات وتزايد الضغط على الأنظمة الدفاعية، بدأ الاحتلال الإسرائيلي – بحسب محللين – بالاقتصاد في استخدام صواريخ الاعتراض، واستهداف المقذوفات الأخطر فقط، في ظل محدودية الذخائر وارتفاع تكاليف التشغيل.
ويشير يهوشوا كاليسكي، خبير الدفاع الصاروخي في معهد دراسات الأمن القومي، إلى أن إيران "اختبرت بذكاء مرونة النظام الدفاعي الإسرائيلي، محاوِلةً فصله عبر التنوع في التوقيت والمكان".
رغم الشهرة العالمية التي تتمتع بها القبة الحديدية الإسرائيلية، خاصة في مواجهة صواريخ الفصائل في غزة وجنوب لبنان، كشفت الحرب الأخيرة مع إيران أن تعدد الطبقات ليس كافياً لبناء درع محكم.
ووفقاً لكبير الباحثين في مؤسسة راند الأمريكية، لرافائيل كوهين، فإن "أي نظام دفاعي – مهما بلغ تطوره – لن يكون منيعاً بالكامل"، مؤكداً أن الأهم هو التأثير التراكمي لأنظمة متعددة وليس نظاماً مثالياً منفرداً.
"القبة الذهبية" الأمريكية تتشكل
على ضوء هذه الدروس، تسعى الولايات المتحدة لتطوير نظامها الخاص، المسمّى بـ"القبة الذهبية"، وهي منظومة دفاعية بقيمة 175 مليار دولار تهدف لحماية السماء الأمريكية من التهديدات الباليستية المحتملة، لكن التحدي الأساسي يكمن في المساحة الجغرافية الهائلة لأمريكا مقارنة بالاحتلال الإسرائيلي.
في المقابل، تقدّم أوكرانيا نموذجاً مغايراً لدولة تحاول حماية أراضيها من خلال مزيج غير متكامل من الأنظمة الغربية والمحلية، وهو ما يعزز من أهمية النموذج الإسرائيلي كأقرب تصور لما تسعى إليه واشنطن.
اظهار أخبار متعلقة
إيران تغيّر قواعد الاشتباك
لم تكتف طهران بتعديل نوعية الصواريخ، بل اعتمدت تكتيكاً مختلفاً تماماً مقارنة بالحروب السابقة، فتحوّلت من إطلاق كثيف ليلي إلى هجمات دقيقة نهاراً ومن مواقع جغرافية متعددة.
ومع كل جولة، كانت تتعلم وتُكيف أدواتها، ما دفع الاحتلال الإسرائيلي إلى مراجعة قدراتها الدفاعية، في الوقت الذي أكد فيه محللون أن كلا الطرفين – طهران وتل أبيب – خرجا من هذه الحرب وقد دخلا مرحلة جديدة من التعلّم والتطوير.
ختاماً، يمكن القول إن حرب الـ12 يوماً لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت مختبراً مفتوحاً لاختبار صلابة أنظمة الدفاع، ورسالة واضحة بأن السماء ليست محصّنة تماماً – حتى في أكثر الدول تجهيزاً.