بعد الضجة الواسعة التي أثارها هجومه الحاد
على حملة "كلنا إسرائيليون"، ورفضه القاطع لموجة التطبيع الثقافي
والديني، وجد
عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، نفسه مجددا
في قلب معركة إعلامية وسياسية، لكن هذه المرة من بوابة "حقوق المرأة"،
عقب تصريحاته الأخيرة التي دعا فيها إلى عدم تأخير زواج الفتيات، معتبرا أن
التعليم لا يتعارض مع الزواج.
وفي تصعيد منسق، أصدرت "التنسيقية
النسائية من أجل التغيير الشامل والعميق لمدونة الأسرة" بيانا شديد اللهجة ضد
بنكيران، اعتبرت فيه كلامه "إهانة للمرأة
المغربية" و"تحريضا على
التمييز"، في حين رأت فيه أوساط سياسية محاولة جديدة لإسكات صوت بنكيران بعد
مواقفه المبدئية المتتالية التي أربكت خصومه، بدءًا من موقفه من التطبيع، مرورا
بانتقاده اللاذع لما سمّاه "جماعة كلنا إسرائيليون"، وصولا إلى رفضه
تمرير تعديل جذري في مدونة الأسرة تحت يافطة الحداثة والحقوق.
"حملة مضادة..
لا علاقة لها بحقوق النساء"
عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية أستاذ
العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس الدكتور عبد العلي حامي الدين أكد
لـ
"عربي21" أن "الهجمة النسوية" لا يمكن فصلها عن المناخ
السياسي الذي أعقب كلمة بنكيران الأخيرة، التي وصف فيها الحملة التضامنية مع
إسرائيل بأنها "سقوط أخلاقي وثقافي"، منتقدا بشدة انجرار بعض المثقفين
والفنانين وراء الخطاب الصهيوني.
وأضاف: "إن الرد على بنكيران عبر
"قضايا المرأة" محاولة لصرف الأنظار عن النقاش الأخطر المتعلق بالتطبيع،
ومنح الخصوم فرصة للانقضاض عليه من باب مختلف".
"ليس ضد
التعليم.. بل ضد تأخير الزواج"
وفي ما يخص
الجدل الدائر، أوضح حامي الدين أن
بنكيران لم يكن في يوم من الأيام ضد تعليم الفتيات، بل شدد على أن "التعليم
لا يتعارض مع الزواج"، وأن "تأخير الزواج" أصبح ظاهرة مقلقة تهدد
الاستقرار الأسري والاجتماعي، خصوصًا في ظل التحولات القيمية وتسويق نماذج غربية
تتجاهل الخصوصية المغربية.
ويُذكر أن بنكيران سبق أن قال إن "أخطر
ما يهدد المغرب هو تفكيك الأسرة ومحاولة ضرب ثوابته الدينية"، معتبرًا أن بعض
الدعوات الصادرة اليوم باسم "إصلاح مدونة الأسرة" تنطوي على نزعة
تغريبية تحاول فرض مرجعيات دولية على حساب المرجعية الإسلامية التي تحتكم لها
الغالبية الساحقة من المغاربة.
بين التطبيع وتفكيك الأسرة.. بنكيران يرفع
سقف المواجهة
وفي وقت يواصل فيه الرجل هجومه الشرس ضد
التطبيع بكافة أشكاله، ويصف ما يحدث في غزة بأنه "إبادة ممنهجة في ظل صمت
دولي مخزٍ"، يرى حامي الدين أن بنكيران عاد إلى المشهد السياسي بقوة، لا من
خلال المناصب، بل عبر المواقف، رافعا شعار "
السياسة من أجل المبدأ"، في
زمن يتقاطع فيه الصمت مع الانبطاح، بحسب تعبيره.
وأضاف: "يبدو أن الهجمة التي يتعرض لها
بنكيران ليست سوى فصل جديد من فصول المعركة الأوسع بين مشروعين متناقضين: الأول
يتمسك بالهوية ويقاوم التطبيع، والثاني يستند إلى المرجعيات الدولية لتفكيك الأسرة
وتغيير النسيج القيمي للمجتمع المغربي، تحت غطاء "حقوق الإنسان".
اظهار أخبار متعلقة
"كطائر بلارج
التائه".. لا تفوتوا فرص الزواج
وخلال كلمته في المؤتمر الجهوي السابع لحزب
العدالة والتنمية بجهة سوس ماسة، توجه عبد الإله بنكيران بخطاب مباشر إلى الأسر المغربية قائلا: "شجعوا بناتكم
على الزواج، فإذا تقدم إليهن من يعتبر مقبولا إلى حد ما، فتوكلوا على الله، ولا
تتركوه يفلت"، مضيفا أن تأجيل الزواج إلى ما بعد الدراسة والعمل "لا
يُجدي نفعا"، لأن كثيرا من الفتيات ـ على حد تعبيره ـ يضيعن فرصا ثمينة،
فينتظرن سنوات بلا جدوى، لينتهي بهن المطاف وحدهن، دون زواج ولا استقرار.
وقال بنكيران بلهجة شعبية مؤثرة: "إذا فاتهن
الزواج، سيبقين وحدهن، كطائر بلارج (اللقلاق) التائه"، في إشارة رمزية إلى
الطائر المعروف في الثقافة المغربية بـ"البلارج"، والذي يُنظر إليه
باعتباره طائرا مهاجرا، دائم التنقل، لا يبني عشا مستقرا، ويُرى غالبا وحيدا في
السماء أو فوق المآذن، وكأن بنكيران أراد أن يصوّر حال المرأة التي فاتتها فرص
الزواج بأنها ستعيش في عزلة، شبيهة بعزلة هذا الطائر الذي لا ينتمي إلى مكان، ولا
يستقر فيه.
ورأى متابعون أن تصريح بنكيران يندرج ضمن
خطه السياسي والفكري الثابت، القائم على الدفاع عن نموذج أسري تقليدي متجذر في
المرجعية الإسلامية، ويرى أن التوازن بين التعليم والزواج ممكن، بل ضروري، لمنع
تفكك النسيج الاجتماعي، وتجنب مآسي العزلة النفسية والاجتماعية التي قد تعيشها
النساء نتيجة تأخير الزواج إلى سن متقدمة.
اظهار أخبار متعلقة