كشفت وزارة الدفاع التركية عن تدمير مغارة ضخمة تابعة لتنظيم "
حزب العمال الكردستاني" (بي كى كى) شمالي العراق، كانت تستخدم كمخزن أسلحة وكمقر عمليات للتنظيم، وذلك ضمن عمليات التفتيش التي تجريها القوات المسلحة في إطار عملية "المخلب-القفل" المستمرة منذ عام 2022.
وأعلنت الوزارة في بيان نشرته على منصة "إكس"، أن المغارة المكتشفة تقع في منطقة عمليات "المخلب-القفل"، ويبلغ طولها نحو 1800 متر، وتضم 33 غرفة. وقد تم العثور داخلها على ترسانة ضخمة من الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية واللوجستية، قبل أن يتم تفجير الكهف وتدميره بالكامل.
ترسانة حرب داخل الكهف
أوضحت الوزارة أن من بين المضبوطات داخل الكهف:
- 53 بندقية هجومية من طراز AK-47 وM16A4، و5 مدافع "دوشكا" مضادة للطائرات، و9 بنادق قنص.
- أسلحة ثقيلة ومتوسطة، منها مدفع عديم الارتداد، ومدفع هاون عيار 82 ملم، وصواريخ دفاع جوي SA-7، وصواريخ موجهة مضادة للدبابات من طراز Konkurs وAT-4 وM79.
- عشرات القاذفات RPG-7، وبنادق PKMS الآلية، وذخائر متنوعة تجاوزت 10 آلاف طلقة، إضافة إلى 100 كغ من المتفجرات المصنعة محلياً.
- معدات استطلاع ومراقبة، منها طائرات مسيرة (درون) من طرازي DJI Mavic 3T وPhantom 4، ومناظير حرارية، ونواظير ليلية، وأجهزة GPS واتصالات.
- معدات إعلامية وأجهزة تسجيل صوتي ومرئي، ومولدات كهربائية وأجهزة طباعة وكمبيوترات، إضافة إلى مئات المظلات الحرارية ومعدات للتمويه والبقاء.
ووصفت الوزارة المغارة بأنها ليست مجرد كهف بل "مخزن حرب" متكامل، مشيرة إلى أن عملية تدميرها تأتي ضمن الجهود المستمرة للقضاء على البنية التحتية لتنظيم بي كى كى في شمال العراق.
إعلان حل الحزب وتسليم السلاح
يأتي هذا التطور بالتزامن مع إعلان حزب العمال الكردستاني، المصنف "إرهابياً" لدى
تركيا والعديد من الدول، حل نفسه وتسليم السلاح بشكل تدريجي، استجابةً لدعوة مؤسسه عبد الله أوجلان المعتقل في تركيا منذ عام 1999.
وفي مراسم رمزية أُقيمت يوم الجمعة الماضي داخل كهف "جاسنة" قرب مدينة السليمانية، بمشاركة وفود دبلوماسية وأمنية من بينها وفد تركي رسمي، بدأ نحو 30 مقاتلاً من الحزب عملية تسليم وحرق أسلحتهم٬ في أول خطوة تنفيذية لقرار الحل الذي اتُّخذ خلال المؤتمر العام للحزب في الفترة بين 5 و7 أيار/ مايو الماضي.
وشهدت الفعالية إجراءات أمنية مشددة، وشارك فيها أكثر من 150 مدعوا من شخصيات سياسية وحقوقية وممثلين عن منظمات مجتمع مدني، نُقلوا إلى الموقع عبر حافلات تم تأمينها من قبل "حزب الديمقراطي الكردستاني"، بينما تكفل رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني بكامل نفقات الإقامة والتنقل والضيافة.
اظهار أخبار متعلقة
دعم بارزاني واتصالات مع أوجلان
وفي أعقاب الاحتفال، زار وفد من قادة "حزب الديمقراطي الكردستاني" مكتب نيجيرفان بارزاني، لتقديم الشكر على دعمه "التاريخي" للمسار السلمي، والذي يُنتظر أن يضع حدا لصراع مسلح استمر أكثر من 47 عاما، وأودى بحياة أكثر من 40 ألف شخص، وأدى إلى دمار مئات القرى وتشريد الآلاف، خاصة في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية.
وكانت المرحلة الأخيرة من مسار الحل قد بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، وشهدت عدة لقاءات بين قيادات الحزب وعبد الله أوجلان في محبسه بجزيرة إيمرالي، حيث دعا الأخير مرارا إلى إنهاء العمل المسلح وحل الحزب كتنظيم عسكري.
واستجابةً لهذه الدعوات، عقد الحزب مؤتمره العام وقرر التصويت بالأغلبية على الحل وتسليم السلاح. واعتُبرت فعالية الجمعة "الخطوة الأولى" ضمن خطة تمتد حتى نهاية العام، تشمل تسريح المقاتلين وتسليم المقرات والأسلحة الثقيلة والخفيفة تحت إشراف مشترك من المخابرات التركية والقوات الكردية المحلية.
أنقرة: نزع السلاح خلال 3 إلى 5 أشهر
من جانبه، أعلن المتحدث باسم حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، عمر جليك، أن أنقرة تتوقع استكمال نزع سلاح حزب العمال الكردستاني خلال فترة أقصاها خمسة أشهر، محذراً من أن أي تأخير "قد يفتح الباب أمام الاستفزازات ويهدد مصداقية العملية برمتها".
وأوضح جليك أن آلية رقابية تضم مسؤولين من جهاز المخابرات التركي (MIT) والقوات المسلحة ستتولى الإشراف على عملية نزع السلاح لضمان شفافيتها وجدّيتها.
انتصار تاريخي لأردوغان
تفاعلت الصحافة العالمية مع إعلان حزب العمال الكردستاني (بي كى كى) حلّ نفسه وبدء عملية نزع السلاح، في خطوة وُصفت بأنها تاريخية وقد تُسدل الستار على صراع مسلح استمر لعقود. وتقاطعت تغطيات وسائل الإعلام الدولية على اعتبار الخطوة نقطة تحول حاسمة في ملف طالما أرهق الأمن الإقليمي، وفتح الباب أمام تحولات سياسية وأمنية واسعة النطاق.
نيويورك تايمز: نجاح تاريخي لأردوغان
في تغطيتها للحدث، أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إلى أن حزب العمال الكردستاني مصنف كمنظمة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ونقلت الصحيفة بيان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال فيه: "هذه الخطوة قد تكون بداية على الطريق إلى أهداف تركيا الأمنية والديمقراطية والتنموية".
ورأت الصحيفة أن نجاح عملية نزع السلاح بالكامل من قبل حزب العمال الكردستاني سيُعد إنجازا كبيرًا لأردوغان، وخصوصا من ناحية تعزيز الأمن الداخلي وتحقيق استقرار مستدام في المناطق الجنوبية والشرقية من البلاد.
إيل ميساجيرو: حفل رمزي ذو مغزى عميق
صحيفة “إيل ميساجيرو” الإيطالية ركزت في تغطيتها على المشهد الرمزي للحفل الذي جرى في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق، وقالت إن أعضاء الحزب المصنف إرهابياً قاموا بـ إحراق أسلحتهم علنا، في مشهد يؤكد جديتهم في التخلي عن العنف.
ووصفت الصحيفة الاحتفال بأنه "رمزي لكنه يحمل دلالات قوية"، مشيرة إلى أن الحضور الدولي والإقليمي للمراسم، ومن ضمنهم وفد تركي رسمي، يعكس الطابع الاستثنائي للحدث.
لو فيغارو: نقطة تحول تاريخية
أما صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية فاعتبرت إعلان الحزب عن حل نفسه بمثابة "نقطة تحول تاريخية". وسلطت الضوء على المشهد الذي وُضعت فيه الأسلحة على كومة من الخشب وأضرمت فيها النيران، في تعبير واضح عن نية إنهاء العمل المسلح بشكل لا رجعة فيه.
ورأت الصحيفة أن هذه الخطوة، وإن كانت رمزية في بدايتها، إلا أنها تؤسس لمسار سياسي مختلف في العلاقة بين تركيا والأكراد.
دير شبيغل: العملية مراقبة بدقة
في تغطية موسعة، ذكرت مجلة دير شبيغل الألمانية أن تركيا تتوقع أن يكتمل نزع سلاح الحزب بشكل نهائي مع نهاية العام الحالي، مشيرة إلى أن العملية تُدار بمراقبة ثلاثية من الحكومة التركية، والحكومة المركزية العراقية، وإدارة إقليم كردستان العراق.
كما لفتت المجلة إلى أن "إنشاء نقاط تسليم جديدة للأسلحة" مدرج على جدول الأعمال، في خطوة تهدف إلى تسريع العملية وتحقيق أكبر قدر من الشفافية والتنظيم.
اظهار أخبار متعلقة
نهاية حرب دموية.. ومخاوف من الفراغ
تأتي هذه التطورات في ظل عمليات عسكرية تركية متواصلة داخل الأراضي العراقية، وخاصة في مناطق جبال
قنديل الممتدة من أطراف تركيا إلى الحدود الإيرانية، والتي كانت بمثابة معقل استراتيجي لحزب العمال الكردستاني لعقود، بحكم تضاريسها الجبلية الصعبة وكثافة غاباتها.
وكان الصراع الطويل بين الطرفين قد خلف أعباء اقتصادية واجتماعية وأمنية جسيمة على تركيا وإقليم كردستان، إذ أدت الحرب إلى تدمير أكثر من 200 قرية كليا، وتهديد مئات القرى الأخرى في عمق الجغرافيا الكردية العراقية، وفقاً لبيانات حكومية.
ومع إعلان الحزب حل نفسه، يطرح مراقبون تساؤلات حول الفراغ الأمني والسياسي الذي قد ينجم عن انسحاب التنظيم من مناطق شاسعة سيطر عليها، ومدى قدرة المؤسسات المحلية والسلطات المركزية في العراق وتركيا على إدارة المرحلة الانتقالية وضمان الاستقرار.
وفي حين تبدي أنقرة حذرا مشوبا بالأمل تجاه الخطوة، يرى محللون أن تدمير المغارة العملاقة مؤخراً يعكس رسالة مزدوجة: القضاء على ما تبقى من بنية التنظيم العسكرية، ومنع أي محاولة للعودة إلى السلاح، بالتوازي مع دفع عملية السلام إلى الأمام بشروط تركية صارمة.