كتاب عربي 21

بين ترامب ونتنياهو

منير شفيق
"عاد نتنياهو لشنّ الحرب الإبادية الثانية على الشعب الفلسطيني، وبموافقة ترامب"- جيتي
"عاد نتنياهو لشنّ الحرب الإبادية الثانية على الشعب الفلسطيني، وبموافقة ترامب"- جيتي
بدأت العلاقة بين ترامب ونتنياهو، برضوخ نتنياهو لرغبة ترامب في وقف القتال في غزة، وكان حريصا على أن يتسلّم صلاحياته في رئاسة الولايات المتحدة، بوقف إطلاق النار. وبالفعل أُجبِر نتنياهو على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، بشروط المقاومة.

وقد جاءت الأيام التالية، لتنفيذ المرحلة الأولى من تبادل الأسرى، لتكشف أن المقاومة والشعب خرجا بعد ستة عشر شهرا من حرب بريّة وحرب إبادة إنسانية، منتصرين، سواء أكان في أثناء مراسيم تبادل الأسرى، أم كان في ما أظهرته الجماهير المكلومة من احتفاء بانتصار المقاومة، أم بمشهد غابة البنادق التي غطت الساحة.

لا شك في أن هذا المشهد أزعج ترامب، كما سوّد وجه نتنياهو، كما أسكت كل التحليلات، التي كانت تصوّر الوضع في غزة باقتراب نهاية المقاومة، أو رفع الرايات البيضاء.

يجد ترامب نفسه مرّة أخرى أمام مخاسره، ومخاسر نتنياهو من استمرار الحرب في غزة، مما أعاد ويتكوف، ليبحث عن مخرج، مع المفاوض الفلسطيني. وهكذا، تعود المشكلة بين ترامب ونتنياهو، ولن تسلم جرة نتنياهو من الكسر هذه المرّة، أو يتلقى ترامب ضربة جديدة لسمعته، وذلك إذا استمرت الحرب

فقد أكدت الوقائع أن المقاومة كانت صاحبة اليد الطولى، في كل الاشتباكات الصفرية طوال ستة عشر شهرا، وأكدت الوقائع أيضا أن فداحة الإبادة البشرية، بالرغم مما سببته من شهداء وجرحى، وآلام وعذابات، حملت في الآن نفسه دمارا لسمعة الكيان الصهيوني عالميا، مما سيترك أثره الاستراتيجي مستقبلا. وهذا إلى جانب تعاطف الرأي العام العالمي الواسع، مع الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.

من هنا، ومن جميع ما تقدّم، عاد نتنياهو لشنّ الحرب الإبادية الثانية على الشعب الفلسطيني، وبموافقة ترامب المزدوجة، بين الدعم وبين السعي لإطلاق كل الأسرى، ووقف إطلاق النار. وقد راح ويتكوف، ممثله، يعكس هذه الازدواجية، مع ميلان مكشوف لتغطية قرار نتنياهو، لاستمرار القتال.

وهذا يفسّر فشل كل المفاوضات التي قادها ويتكوف، وتأرجح موقفه فيها، وانحيازه لنتنياهو الذي يواجه اتسّاع الانقسام الداخلي، وعزلة أوروبية دولية شبه كاملة، مما جعله على شفا الانهيار في أيّة لحظة، قبل 13 حزيران/ يونيو 2025، حين تواطأ ترامب معه ليشنّ حربا على إيران، أخرجته فورا من مأزقه الغزاوي، داخليا وخارجيا، وتركته يقود حربا، بالشراكة مع ترامب، وبإجماع شبه داخلي خلفه، وتأييد أوروبي دولي.

ولكن الحرب على إيران لم تحقق هدفها الأول، ليفرض ترامب ونتنياهو على إيران استسلاما، منذ اليوم الأول، فكانت الأيام التالية، بعد ليلة 13 و14 حزيران/ يونيو الماضي، مسلسلا من ردود عسكرية، أثخنت في داخل الكيان الصهيوني بعد اختراق الدفاعات. وقد ذهب ترامب في أثنائها لإعلان المشاركة المباشرة في ضرب المراكز الثلاثة النووية، وذلك على أمل إخراج نتنياهو من مأزقه الثاني الجديد مع إيران.

ولكن لم يمرّ يوم واحد على المشاركة الأمريكية، أو على بداية الردّ الإيراني ضد أمريكا، حتى انبرى ترامب إلى إعلان وقف الحرب بين إيران والكيان الصهيوني؛ بموافقة الطرفين، وقد تضمن ذلك بالضرورة وقف الحرب الأمريكية- الإيرانية كذلك.

وبهذا، خرجت إيران من الحرب منتصرة، مهما قيل عن الخسائر، وخرج نتنياهو مأزوما، مهما ادّعى غير ذلك، وليجد ترامب نفسه مرّة أخرى أمام مخاسره، ومخاسر نتنياهو من استمرار الحرب في غزة، مما أعاد ويتكوف، ليبحث عن مخرج، مع المفاوض الفلسطيني.

وهكذا، تعود المشكلة بين ترامب ونتنياهو، ولن تسلم جرة نتنياهو من الكسر هذه المرّة، أو يتلقى ترامب ضربة جديدة لسمعته، وذلك إذا استمرت الحرب.
التعليقات (0)