في
رسالة مؤثرة وجهها من داخل سجنه في
المرناقية، استذكر رئيس حركة النهضة راشد
الغنوشي الذكرى الرابعة والأربعين لتأسيس
الحركة الإسلامية في
تونس، مؤكداً تمسكه بالحرية، وانحيازه لقضايا الأمة، وعلى
رأسها فلسطين. جاءت رسالته في ظرف سياسي داخلي بالغ التعقيد، يتسم بتصاعد القمع
السياسي، واستمرار ما يصفه معارضون بـ"الانقلاب على الديمقراطية"، في ظل
حملة استهداف ممنهجة طالت أبرز رموز المعارضة الوطنية.
تعود جذور "حركة النهضة" إلى سنة
1981 حين تأسست باسم "حركة الاتجاه الإسلامي"، مستلهمةً فكرها من مدرسة
الإحياء الإسلامي، ومطالِبة بحق التونسيين في استعادة هويتهم الثقافية والسياسية.
وعلى امتداد أكثر من أربعة عقود، خاضت الحركة صراعات طويلة مع الأنظمة
الاستبدادية، ودخلت السجون والمنافي، لكنها واصلت الحضور في المشهد الوطني، سواء
من موقع المعارضة أو السلطة، خصوصاً بعد الثورة التونسية عام 2011.
وفي رسالته، استعرض الغنوشي محطات القمع
والاضطهاد التي تعرضت لها الحركة منذ نشأتها، من أحداث 1981 إلى حملات 1987 و1991
و1992، وصولاً إلى موجة الاعتقالات الأخيرة عقب انقلاب 25 جويلية 2021، مؤكداً أن
ما يجري اليوم لا يستهدف النهضة فقط، بل يشمل كل الأحرار في البلاد.
الغنوشي ليس وحده خلف القضبان، إذ يقبع معه
في السجن عدد من قيادات الصف الأول في حركة النهضة، مثل الصحبي عتيق وعبد الكريم
الهاروني، إضافة إلى نواب سابقين، فضلاً عن شخصيات بارزة من المعارضة الوطنية، من
مختلف التوجهات الفكرية، بينهم قياديون في "جبهة الخلاص الوطني"
وسياسيون مستقلون ونشطاء مدنيون. وقد وصفت منظمات حقوقية دولية الوضع التونسي بأنه
يشهد "انحداراً حاداً في مؤشرات الحرية والعدالة"، مع تصاعد وتيرة
المحاكمات السياسية وغياب المحاكمات العادلة.
اظهار أخبار متعلقة
ولم يغب عن رسالة الغنوشي البعد القومي
الإسلامي، حيث أكد أن قضية فلسطين ستظل "آية من آيات الله"، وأن غزة
تمثل اليوم "قدوة لكل مناضلي العالم"، في إشارة رمزية إلى تلاقي مسار
النضال المحلي مع القضايا الكبرى للأمة، التي ظلت حاضرة في خطاب الحركة منذ
تأسيسها.
ويأتي حديث الغنوشي في وقت تمر فيه البلاد
بأزمة اقتصادية خانقة، واحتقان اجتماعي متزايد، وسط انتقادات داخلية ودولية لسلوك
السلطة، خاصة بعد تمرير دستور جديد يعيد تركيز السلطة في يد الرئيس قيس سعيّد،
ويقوّض استقلالية القضاء والحياة الحزبية.
الرسالة، التي ختمها بتهنئة الشعب التونسي
والأمة الإسلامية بعيد الأضحى، بدت أقرب إلى وصية سياسية تختزل عقوداً من النضال،
وتُعيد التأكيد على أن معركة الحرية لم تنتهِ، وأن فجر التغيير لا يزال ممكناً:
"إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب؟".