الكتاب: "القضية الفلسطينية من صفقة القرن
إلى طوفان الأقصى"
الكاتب: عبد العليم محمد
الناشر: الحضارة العربية للتنمية الثقافية،
2025م
عدد الصفحات: 258
عالجت هذه الدراسة أهم التطورات التي ألمت
بالقضية الفلسطينية وتداعياتها، وأثارها على القضية الفلسطينية سواء تلك التي
تتعلق بالتطورات الدولية كصفقة القرن أو الإسرائيلية خاصة فيما يخص صعود حكومة
الائتلاف اليميني المتطرف في ديسمبر عام 2022م، ومشروعها المتمثل في شطب القضية
الفلسطينية، وتصفيتها استناداً إلى المقاربة التي صاغها بنيامين نتنياهو المتمثل
في أن التهديد الفلسطيني لا يمثل خطراً
وجودياً على إسرائيل، ويمكن لإسرائيل التعايش معه إلى الأبد مع ضم الضفة الغربية
أو على الأقل المنطقة (ج) التي تمثل 60% من مساحة الضفة الغربية، إلى جانب مشروع
الحسم الذي صاغه سيموترتيش، الذي دعا إلى ضرورة تبني إسرائيل نهجا جديداً مع الشعب
الفلسطيني بعيداً عن السياسات الإسرائيلية السابقة باعتبار الضفة الغربية جزء لا
يتجزأ من أرض إسرائيل وضمها للدولة اليهودية، وقسم الفلسطينيين إلى ثلاثة أقسام الأول يهاجر من فلسطين، الثاني يريد العيش في دولة
يهودية وفق قوانينها ونظمها كمواطن منقوص الحقوق، أما القسم الثالث الذي يرفض
الهجرة أو التعايش في الدولة اليهودية فيتكفل بهم الجيش الإسرائيلي والأجهزة
الأمنية للقضاء عليهم، صحيح أن حكومة نتنياهو لم تتبنى هذه الخطة لكن كافة
ممارساتها وانتهاكاتها في فلسطين تمثل جزء أساسي من خطة الحسم الماضية في تنفيذها.
خصص الكاتب الفصل الأول لصفقة القرن
واتفاقات أبراهام "قراءة نقدية تحليلية"، ناقش فيه بقراءة نقدية الرؤية
الأمريكية للسلام، والموقف العربي من الرؤية الأمريكية، واتفاقات أبراهام والنموذج
الجديد من التطبيع بقراءة تحليلية.
عندما ينتقل مفهوم الصفقة من عالم المال
والأعمال إلى عالم السياسة فإن ذلك لا يمثل مجرد تبسيط واختزال التعقيد الكامن في
عالم السياسة، خاصة عندما يتعلق الأمر بصراع ممتد يتجاوز المائة عام كالصراع
العربي ـ الإسرائيلي، بل يمثل في حقيقة الأمر غياب العقل السياسي، أو على الأقل
خللا كبيرا في معايير وقواعد ومبادئ المقاربة والأحكام، ذلك أن كلا العالمين عالم
المال والأعمال وعالم السياسة وخاصة القضية الفلسطينية تفصل بينهما هوة سحيقة من
المفاهيم والقواعد والآليات، فالأول تشغله قيمة المال والحساب والمكاسب المادية،
أما الثاني يتعلق بمفاهيم السيادة والكرامة والاستقلال والتحرر من
الاحتلال
والحرية، وهي مفاهيم تتجاوز بكثير حسابات المكسب والخسارة والربح العائد، وهو ما
لم يدركه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه عند وضع صفقة القرن التي كان ينبغي
فيها وجود طرفين موافقين على ما طرح فيها، لكن الطرف الإسرائيلي الموافق عليها كان
واضع أساسي لها، والطرف الفلسطيني كان هو المتلقي لكل ما تحتويه من إجحاف بالحقوق
الفلسطينية من فاقدي الخبرة بقضايا الشرق الأوسط، وهو فريق عائلي عقاري للرئيس
الأمريكي بالدرجة الأولى، فمعدو الصفقة من صهر الرئيس الأمريكي ومعاونيه ينتمون
إلى اليمين الشعبوي المتطرف، ويفتقدون إلى الخبرة بشؤون الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
المثير للاستغراب في هذه الصفقة أنها ابتكرت مفهوما جديدا للسيادة يعتمد على التبادل والتفاعل مع الدول الأخرى واعتماد الاتفاقيات، وأن مفهوم السيادة التقليدي والثابت يعتبر من وجهة النظر مجرد عثرة وغير مهم، أما عندما يتعلق الأمر بالسيادة الإسرائيلية فإن مفهوم السيادة التقليدي والثابت يستعيد بريقه وفاعليته، فالسيادة الإسرائيلية على وادي الأردن وشمال البحر الميت، ليست محل مراوغة أو عبث التعريفات الجديدة للسيادة، بل أمر انتهى النقاش فيه ولا يمكن التغيير عليه، مما يعني أنها رؤية أمريكية انتقائية في الطرح، وحتى في المفاهيم، والمصطلحات.
"أخطر ما
تضمنته الخطة" الموافقة على ضم مستوطنات الضفة الغربية والكتل الاستيطانية
إلى إسرائيل، بل وضم 30% من مساحة الضفة وتبادل الأراضي، وعدم سيطرة الفلسطينيين
على الحدود، ونقل بعض الأحياء الفلسطينية بالقدس إلى الدولة الفلسطينية، واعتبار
هذه المستوطنات غير متناقضة مع القانون الدولي، وحق إسرائيل في تأمين نفسها من
خلال ممارسة السيادة على الضفة وتجاهل قضية اللاجئين الفلسطينيين إلا في حدود بعض
التعويضات".( ص16)
تبنت هذه الرؤية الرواية الصهيونية للصراع
العربي ـ الإسرائيلي التي تبرر الرؤية الإسرائيلية لاحتلال الأراضي الفلسطينية
خاصة القدس، أي أنها استلهمت تصورات اليمين الصهيوني التصحيحي في الحركة الصهيونية
ممثلة في جابوتنسكي، بيجن، شامير، ونتنياهو، كونها شددت على أن إسرائيل قد أعادت
88% من الأراضي، التي سيطرت عليها في حرب عام 1967م، سيناء لمصر، بذلك تكون نفذت
قرار مجلس الأمن رقم 242، واكتفت بالجولان والضفة الغربية وهو ما يعادل 12% من
الأراضي.
المثير للاستغراب في هذه الصفقة أنها ابتكرت
مفهوما جديدا للسيادة يعتمد على التبادل والتفاعل مع الدول الأخرى واعتماد
الاتفاقيات، وأن مفهوم السيادة التقليدي والثابت يعتبر من وجهة النظر مجرد عثرة
وغير مهم، أما عندما يتعلق الأمر بالسيادة الإسرائيلية فإن مفهوم السيادة التقليدي
والثابت يستعيد بريقه وفاعليته، فالسيادة الإسرائيلية على وادي الأردن وشمال البحر
الميت، ليست محل مراوغة أو عبث التعريفات الجديدة للسيادة، بل أمر انتهى النقاش
فيه ولا يمكن التغيير عليه، مما يعني أنها رؤية أمريكية انتقائية في الطرح، وحتى
في المفاهيم، والمصطلحات.
كشفت الرؤية الأمريكية الإسرائيلية للسلام
عن ازدواجية التعامل مع ما طرح في تلك الرؤية وانفصال الأقوال عن الأفعال، وبين
النظر والعمل وبين التصريحات وبين السياسات الواقعية، ففي الوقت الذي رفضت الدول
العربية المبادرة الأمريكية أو تتظاهر بالرفض والتحفظ والحذر، فإنها على صعيد
الواقع لا تخرج ممارساتها عن نمطين الأول السعي الحثيث للتقارب مع إسرائيل سواء
اتخذ ذلك شكل التطبيع أو فتح القنوات معها، أما الثاني فهو غياب النية والتوجه
للسعي الجاد لإسقاط هذه المبادرة، أو طرح بديل لها، أو حتى تعديلها، بما يتوافق مع
الحد الأدنى الممكن أو تجاوزها بطرح معادل لها.
ملائكية إسرائيل وشيطنة الفلسطينيين
أضفى الخطاب الخليجي الرسمي الذي رافق
التطبيع بين الإمارات، والبحرين، وإسرائيل، نوعا من الملائكية على إسرائيل، من
ناحية أخرى نوعاً من الشيطنة على الفلسطينيين، فإسرائيل هي التي تسعى للسلام ويدها
ممدودة للعالم العربي في حين أن العائق أمام السلام هو الشعب الفلسطيني، وقيادته
الذين يرفضون أي مبادرة بل وكل المبادرات، ويؤكد الكاتب "الخطاب الإماراتي
يتبنى جزئياً الرواية الإسرائيلية الرسمية بل ولا يريدون السلام؛ أي رؤية السلام
كما تراه إسرائيل، أي اقتسام الضفة الغربية بينها وبين الشعب الفلسطيني وترك أجزاء
من الأراضي الفلسطينية مجزأة وغير مترابطة، ولا تشكل دولة بأي معنى مع الإبقاء على
القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وتجاهل قضية اللاجئين الفلسطينيين. (ص60)
أضفى الخطاب الخليجي الرسمي الذي رافق التطبيع بين الإمارات، والبحرين، وإسرائيل، نوعا من الملائكية على إسرائيل، من ناحية أخرى نوعاً من الشيطنة على الفلسطينيين، فإسرائيل هي التي تسعى للسلام ويدها ممدودة للعالم العربي في حين أن العائق أمام السلام هو الشعب الفلسطيني، وقيادته الذين يرفضون أي مبادرة بل وكل المبادرات
تمحور الفصل الثاني حول المصالحة
الفلسطينية، التحرر الذاتي والحركة الوطنية الفلسطينية، مفاهيم ملائمة للوضع
الراهن"، موقف القوى الإقليمية من المصالحة الفلسطينية، القضية الفلسطينية،
والحرب الروسية الأوكرانية، التحرر الذاتي والحركة الوطنية الفلسطينية مفاهيم
ملائمة للوضع الراهن.
وضع الكاتب مقاربة للحرب الروسية الأوكرانية
مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فتحدث عن العملية العسكرية الروسية في
أوكرانيا التي بدأت في الرابع والعشرين من فبراير عام 2022م، وتداعياتها والاصطفاف
الغربي ضد روسيا، ينبغي أن تكون بداية جديدة للقطع مع هذا الإرث الفلسطيني
والعربي، عبر بلورة رؤية وخطة للعمل لصالح تفعيل القضية الفلسطينية، وتصدرها جدول
الأعمال الدولي، وإذا كان الانشغال الدولي في ذروته ينصب على أوكرانيا ومواجهة
روسيا وتعزيز حلف الناتو، واعتبار الحرب في أوكرانيا ونتائجها حجر الزاوية في
ترسيخ النظام الدولي الذي تقف على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، ظل الموقف
الفلسطيني والعربي يراوح مكانه، دون أي محاولة لوقف تهميش القضية الفلسطينية،
وإعادة الاعتبار لها كأحد مظاهر الخلل في العلاقات الدولية وميزان العدالة الدولي،
" الموقف العربي والفلسطيني ينبغي أن يضع نهاية للموقف أو المواقف التي تجعل
إسرائيل رابحة في مجمل التطورات الدولية، وأن يستعيد المبادرة ويبتكر الآليات
والكيفيات الكفيلة بتحقيق مكاسب للقضية الفلسطينية من هذه الأزمة الراهنة بين
روسيا والغرب وحلف الناتو".
ففي خطاباته وأحاديثه لكافة المستويات
الحكومية والبرلمانية الشعبية ركز الرئيس الأوكراني فليدومير زيلينسكي على القيم
المشتركة التي تجمع بين بلاده وبين مختلف بلدان العالم، أي قيم الحرية والاستقلال،
والديمقراطية وحقوق الانسان، وحظر التعرض للمدنيين والمنشآت المدينة من منظور
القانون الإنساني الدولي، شدد في كل خطاباته على أن بلاده جزء من العالم، وتؤمن
بذات القيم العالمية الإنسانية، ففي الحالة الفلسطينية الإسرائيلية تصلح القيم
التي دافع عنها الرئيس الأوكراني منطلقاً لخطاب فلسطيني موجه للعالم بحكوماته
وبرلماناته ومؤسساته الدولية، والشعوب كافة أفراد وجماعات ومجتمعات مدنية وأهلية،
وهذه القيم هي رفض العدوان، والاحتلال، والغزو، واستخدام القوة لمعالجة الصراعات،
واستنكار جرائم الحرب، والطرد والجرائم ضد الإنسانية وتدمير الأعيان والممتلكات
المدنية وإدانة النفي واللجوء وتعزيز حقوق الإنسان والمواطن والتشارك في القيم
العالمية والحضارة الإنسانية (ًص79).
التفوق الأخلاقي في مواجهة العدو
يعني في أبسط معانيه أن قوى التحرر الوطني
ترى في النضال المسلح أو السلمي، وتحت كل الظروف لا ينبغي أن تتخذ من سلوك أعدائها
معياراً للتصرف أو قدرة تحتذى بها، وهذه المعركة الأخلاقية تستهدف أن تتميز قوى
التحرر الوطني بأجندة أخلاقية تميزها عن أخلاقية العدو، وأن تحتفظ بمدونة سلوك
تسمو فوق المدونة الأخلاقية للعدوً! ذلك لو سارت حركات التحرر الوطني في طريق
تقليد خصومها فإن معنى ذلك أن تصم نفسها، باللاأخلاقية والانحطاط وتصبح نسخة طبق
الأصل من أعدائها رغم الفارق في النبل والأهداف الذي يميز هذه الحركات عن أعدائها "
تميزت الحركة الوطنية الفلسطينية في مواجهة إسرائيل والصهيونية بهذا التفوق
الأخلاقي إن فيما يتعلق بالطرح السياسي والإنساني حول الدولة الديمقراطية
والمساواة لكل أبناء الديانات المقيمين في فلسطين، أو التمييز بين اليهودية
واليهود والصهيونية أو رفض غواية العداء للسامية، ولم تكن هذه المظاهر للتفوق
الأخلاقي مجرد عناوين خالية من المضمون "99
صعود اليمين المتطرف واليمين الجديد في
إسرائيل ناقشه الكاتب في الفصل الثالث، بما تضمنه، الانتخابات من خطة الإصلاح
القضائي في إسرائيل، والتطورات غير المسبوقة لخطة حسم الصراع وفق القراءة التي
وضعها الكاتب لوثيقة الحسم .
غابت القضية الفلسطينية في ظل سيطرة اليمين الإسرائيلي
على المشهد السياسي الإسرائيلي، وظل عدم وجود تصور سياسي للتسوية مع الشعب
الفلسطيني في برامج الأحزاب الصهيونية، ذلك لا يعني بالضرورة غياب للقضية
الفلسطينية؛ بل غياب محددات للتسوية مع الفلسطينيين، أو غياب رؤية يمكن على ضوئها
القول بوجود أفق للتسوية، ذلك أنه من المفترض وفقاً للمنطق والعقل أن تكون القضية
الفلسطينية حاضرة في البرامج السياسية للأحزاب الصهيونية؛ لأن وجود الفلسطينيين
داخل إسرائيل 1948م، وفي الأراضي المحتلة يجعل منهم عنصراً متداخلاً ومتشابكاً مع
جميع وجوه الحياة في إسرائيل، في العمل والتعليم والصحة والإدارة المدنية
الإسرائيلية، وليس بمقدور النخبة الإسرائيلية تجاهل هذا الوجود، بل ترصد أفاق
تطوره، وترسم خططاً لمواجهته وحمله على التفريط في حقوقه، فالقضية الفلسطينية
حاضرة في برامج الأحزاب الإسرائيلية وإن غاب شكل التسوية ومحدداتها مع الجانب الفلسطيني
لا يخلو من أهداف:
أولاً ـ الحرص على إبقاء الغموض الذي يكتنف
هذه التسوية تجنباً لاستباق المعطيات الدولية والإقليمية التي قد تذهب في تدعيم
التسوية المرغوبة إسرائيلياً؛
ثانياً ـ الحذر في الإعلان عن هذه التسوية
تجنباً لردود الفعل الفلسطينية والدولية.
ثالثا ـ ترك المجال للأفعال والممارسات
والقرارات التنفيذية على أرض الواقع لاستكمال حدود التسوية، التي تمثل العنصر
الحاسم في هذا السياق بدلاً من الإعلان عنه في برامج الأحزاب.
" الواقع أن حضور وغياب القضية الفلسطينية يرتبط بطبيعة
الحال الأوضاع الداخلية الإسرائيلية، وتوزان القوى على الأرض والتحولات الايدلوجية
السياسية في إسرائيل، ولكن أيضا يرتبط بقدرة الفاعل الفلسطيني على تأكيد حضوره
وتواجده في المشهد، واثبات فاعليته في تعطيل الاستراتيجية الإسرائيلية، وكسب
المؤيدين له حول العالم، ولن يأتي هذا الحضور الفلسطيني إلا في حالة تبني
استراتيجية تفضح الطبيعة العنصرية لدولة إسرائيل ولا أخلاقية الاحتلال، والتنكر
لحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والدولة في جزء من أرض فلسطين، وهي المطالب
التي تؤيدها غالبية دول العالم وتدعمها قرارات الشرعية الدولية" (ص132).