الكتاب: الأنظمة الانتخابية في موريتانيا في
ظل دستور 1991
الكاتب: شيخنا محمدي الفقيه
الناشر: مركز الجزيرة للدراسات
عدد الصفحات: 164 صفحة
ـ 1 ـ
تبقى
الانتخابات الوسيلة المثلى لمنح السلطة
بشكل مرضي ومقبول لمن يستحقها من بين الفرقاء السياسيين ولجعل المواطنين يختارون
ممثليهم ومساءلتهم وأداة فعّالة لمعرفة مراكز القوة وأحجامها في الدولة الحديثة.
ولكنها لا تكفل وحدها إرساء أنظمة ديمقراطية وإن كانت عملية الاقتراع شفافة
ونزيهة. فلا بد من شروط لصيغ إجرائها وقواعد تنظيمها.
وموريتانيا التي استقلت عام 1960 في ظل
دستور الدستور الصادر في مايو/ أيار 1959 في فترة الاستقلال الداخلي عن فرنسا مثال جيّد على ذلك. فقد انتقلت من
النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي بناء على دستور 20 مايو/ أيار 1961 ثم إلى
نظام الحزب الواحد، عبر حزب الشعب الموريتاني الناشئ من اندماج الأحزاب في 25
ديسمبر بناء على تعديل 12 فبراير/ شباط
سنة 1965 وعاشت أكثر من عملية انتخابية. ومع ذلك تظلّ ديمقراطيتها في مرحلة
التأسيس. فتواجه العقبات العديدة التي تخلّف عدم الرضا عن نتائجها خاصّة ما تعلّق
بكيفية توزيع السلطة بين المكونات الإثنية الأربعة وهي العرب والهالبولار
والسونتكيون والوولوف. وهذا ما يبرر تجربتها لعدة أنظمة انتخابية بدءًا من النظام
الأغلبي الذي يضيق فرص الأحزاب السياسية في الانتشار والتعدد إلى نظام التمثيل
النسبي وصولا إلى نظام انتخاب مختلط يمتزج فيه النظامان الأغلبي والنسبي.
ـ 2 ـ
منذ العام 1991 تاريخ اعتماد الدستور الجديد
شهدت موريتانيا تنظيم ثماني انتخابات رئاسية وسبع انتخابات للجمعية الوطنية.
ومثلها لانتخابات المجالس المحلية. فمثلت نتائجها قاعدة بيانات اعتمدها الباحث
شيخنا محمدي الفقيه، الخبير الذي اشتغل بالمؤسسات التي أشرفت على الانتخابات آليةً
لتقييم النظام الانتخابي أولا وخلفية موضوعية لتقييم التجربة الديمقراطية برمتها
في أثره " الأنظمة الانتخابية في موريتانيا في ظل دستور 1991". ومن هنا
مأتى أهمية هذا الكتاب.
منذ العام 1991 تاريخ اعتماد الدستور الجديد شهدت موريتانيا تنظيم ثماني انتخابات رئاسية وسبع انتخابات للجمعية الوطنية. ومثلها لانتخابات المجالس المحلية. فمثلت نتائجها قاعدة بيانات اعتمدها الباحث شيخنا محمدي الفقيه، الخبير الذي اشتغل بالمؤسسات التي أشرفت على الانتخابات آليةً لتقييم النظام الانتخابي أولا وخلفية موضوعية لتقييم التجربة الديمقراطية برمتها في أثره " الأنظمة الانتخابية في موريتانيا في ظل دستور 1991". ومن هنا مأتى أهمية هذا الكتاب.
يجمع الباحث بين الخلفيات المعرفية
الأكاديمية ومعاينة التجربة الميدانية في الآن نفسه. فيتتبع التطورات التي مر بها
النظام الانتخابي الموريتاني. ويدرس مدى مسايرته لحركة المجتمع من جهة ودرجة تقبل
هذا المجتمع لتجربة التحول الديمقراطي من جهة ثانية ليقيّم مدى نجاح النظام
الانتخابي الموريتاني في مجال توسيع دائرة المشاركة السياسية وتوزيع سلطة اتخاذ
القرار بين أكبر للمكونات السياسية. ويخصّ بالدراسة تجارب الانتخاب ما بعد إقرار
أول دستور تعددي الصادر في 20 يوليو / تموز 1991 إثر استفتاء شعبي.
ويأخذ بعين الاعتبار تنقيحه في السنوات 2006
و 2012 و 2018 و2023. ويشدّد على أنّ صيغه المختلفة تؤكّد أن "السلطة
السياسية تكتسب وتمارس وتنقل في إطار التداول السلمي وفقا لأحكام الدستور"
وتمارس "عن طريق الانتخابات بالنسبة للمناصب العليا في الدولة، وعلى رأسها
منصب رئيس الجمهورية، والبرلمان بغرفتيه والمجموعات المحلية أو البلديات
والجهات". فيقدم عمله فيقول:
"تتناول هذه الدراسة حالة موريتانيا من حيث طبيعة النظام الانتخابي القائم،
وأنماط الاقتراع، وتطور الإصلاحات التي مر بها من منظور مدى نجاحها في السير نحو
الانتقال الديمقراطي، واستيعاب كافة القوى الحية، وتحقيق أعلى مستوى من المشاركة
السياسية في العمليات الانتخابية، ومدى نجاح تمثيل الفئات الاجتماعية، وعلى رأسها
المرأة والشباب والموريتانيون في الخارج".
ـ 3 ـ
يدرس الباحث في الفصل الأول نظامَ انتخاب
رئيس الجمهورية. ويوزعه بين مبحث الانتخابات الرئاسية في فترة الرئيس معاوية
الطابع (1992 ـ 1997 ـ 2003) ومبحث الانتخابات الرئاسية في الفترتين الانتقاليتين
(2007 ـ 2009) ومبحث الانتخابات الرئاسية في عهد الرئيس محمد عبد العزيز (2014 ـ
2019). ورغم اختلاف التجارب وتغيّر اللاعبين السياسيين يلاحظ شيخنا محمدي الفقيه
أنّ موريتانيا طبقت نظام الفائز بالأغلبية المطلقة في الجولتين في كل الانتخابات
الرئاسية التي جرى تنظيمها حتى الآن، وفق النظام الانتخابي القائم على الأكثرية
المطلقة وأنّ إصلاحات النظام الانتخابي اقتصرت على تعديل مدة الفترة الرئاسية
الواحدة والتنصيص على إعادة انتخاب الرئيس مرة واحدة وتعديل سن الترشح التي أضيف
إليها حد أقصى هو 75 سنة، فيما ظل الحد الأدنى مطابقا لما ورد لدستور 1961. فظل يشترط في المرشّح إلا يقل عمره عن 35 سنة.
وبذلك لم تراجع فصول كثيرة يراها الباحث نقاط ضعف في هذا النظام الانتخابي. فتم
الإبقاء على آلية تزكية المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية بواسطة المستشارين المنتخبين في المجالس
البلدية، بل تم رفع هذا العدد بمناسبة انتخابات 2009 إلى مائة مستشار وخمسة عمد.
إنّ كلّ إصلاح انتخابي حقيقي يبدأ ضرورة وفق
الباحث، من طريقة انتخاب رئيس الجمهورية والعمل على تفعيل القوانين المتعلقة
باستخدام المال السياسي. ولهذه المعطيات جميعا ينتهي إلى أنّ التداول السلمي على
السلطة والانتقال الديمقراطي سيظلّ حلما بعيد المنال خاصة إذا لم يتم تفعيل
القوانين المتعلقة برقابة المال السياسي واستخدام موارد الدولة في فرض مرشح بعينه
عبر الإغراءات والتهديدات واستخدام القبلية والإثنية والفئوية لجذب أصوات الناخبين
المتذمرين من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة.
ـ 5 ـ
في الفصل الثاني يبحث محمدي الفقيه في مدى
ملاءمة النظام الانتخابي للبرلمان للبيئة الاجتماعية والسياسية الموريتانية. ويدرس
مدى نجاحه في رفع نسبة المشاركة السياسية وتحسين التمثيل السياسي للأحزاب، ولكنه
اقتصر على نظام انتخاب الجمعية الوطنية. ذلك أنّ النظام الانتخابي للبرلمان
الموريتاني كان بغرفتين هما مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية. وبعد إلغاء مجلس الشيوخ
بعد استفتاء سنة 2017 اقتصر على الجمعية الوطنية.
النّظام الانتخابي لن يكون ناجعا في تطوير الحياة السياسية في موريتانيا إلاّ في حالة تم تخفيض سنّ الترشح لإشراك الشباب في إدارة الشأن العام وتم تعديل النص المتعلق بشرط التزكيات في الانتخابات الرئاسية ليفتح المجال أمام التزكيات الشعبية الصادرة من الناخبين مباشرة. أما التركيز على مبلغ الكفالة المالية وإقصاء المستقلين فباب يفتح أمام استغلال المال السياسي وتصاعد دوره في هذه الانتخابات.
بوجه الباحث انتقادات عديدة إلى هذا المجلس
ودوره الفعلي. فيؤاخذ عليه عدم انتظام انتخابات مجلس الشيوخ منذ المجلس الأول
المنتخب 1992 إلى المجلس الثاني والأخير المنتخب سنة 2007. فعلى مدار 25 سنة انتخب
المجلس كله مرتين فقط، واقتصر تنصيبه في دوراته السبعة الأخرى على تجديد المجموعات
المكونة له كل سنتين. ويسجل عسر تمثيل الأحزاب المعارضة قبل سنة 2001 بسبب نظام
الأكثرية المطلقة وضعف الحياة السياسية وسطوة الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي، حزبِ الرئيس الحاكم. ولمّا تم
إدخال نمط الاقتراع وفقا للتمثيل النسبي في انتخابات 2001 اقتصر عدد المنتخبين وفق
هذا الاقتراع على 17 وحصل حزب الحكومة على 64 مقعدا من أصل 81. ورغم ما عدّه تحولا
ملحوظا سنة 2018 بانتخاب 87 نائبا في البرلمان الموريتاني بواسطة نمط الاقتراع
النسبي أي نسبة 56% من النواب، بقيت السيطرة الكبيرة والمطلقة لحزب الاتحاد من أجل
الجمهورية الذي أسسه الجنرال والرئيس السابق محمد عبد العزيز سنة 2009.
هذه الهيمنة نفسها ظلّت قائمة في الجمعية
الوطنية المنتخبة في سنة 2023. فحزب الإنصاف (وريث حزب الاتحاد من أجل الجمهورية)
فاز بـ 107 من 176 مقعدا في الجمعية الوطنية. وهكذا ظل الطرف الحاكم يوجّه النظام
الانتخابي لبسط هيمنته على الحياة السياسية وظلت التجارب المختلفة عاجزة منح
النساء والشبان الفرصة للمشاركة السياسية الفاعلة.
ـ 6 ـ
تعود المجالس المحلية في موريتانيا إلى ما
قبل صدور دستور 1991. ويمكن وسمها بالتعددية لمشاركة المستقلين فيها، دون الأحزاب.
وقد تم انتخاب بعضها في 1986 وبعض ثان في 1988 وانتُخب البعض الثالث في 1990. ويركّز الباحث عما جرى من انتخابات بعد
صدور دستور 1991. فيشير إلى تطبيق نظام الشوط الواحد والتمثيل النسبي على
الانتخابات البلدية في 2006 و 2023 لتخفيف
الأعباء المالية. وفي 2012 سحب المشرع الموريتاني من المستقلين حقّ الترشح في
الانتخابات المحلية والتشريعية وقصر مشاركتهم في الانتخابات الرئاسية، تحت عنوان
مغر هو تعزيز قوة الأحزاب السياسية.
ويخلص الباحث إلى أنّ عدد المستشارين لم
يتغير كثيرا منذ الانتخابات البلدية الأولى سنة 1986 وإلى أنّ تمثيل النساء لم
يتحسن. فهو دون نسبة 40% في الانتخابات المحلية وأضعف من ذلك بكثير في الانتخابات
البلدية. والأمر نفسه يصحّ على فئة الشباب. فعلى خلاف البلدان المجاورة التي وضعت
قوانينها الانتخابية دور وتمثيل الشباب في المجالس والهيئات المنتخبة في الحسبان
ظلّت هذه الفئة على هامش أنظمة الانتخاب في موريتانيا. ولم يمنحها القانون حصة خاصة بها. وظل وجودها
يختزل في كونها كتلة ذات وزن الانتخابي.
وبناء على هذا التشخيص يوصي شيخنا محمدي
الفقيه بزيادة فرص مشاركة الفئات الهشة انتخابيا كالشباب وذوي الاحتياجات الخاصة،
في إدارة الشأن المحلي حتى يتسنى لهم تقديم مساهمتهم في العمل المؤسسي للدولة
وأجهزتها. وينبه إلى ضرورة زيادة الحصة الممنوحة للنساء في ترشيحات الأحزاب عبر
آلية التمييز الإيجابي.
ـ 7 ـ
تبدو مؤشرات التطور الديمقراطي المتعلقة
بتنظيم الانتخابات ودوريتها الشكلية مقبولة للباحث محمدي الفقيه. ولكنه يقدّر، من
جهة الوقع على الحياة السياسية، أنّ طريق التطور الديمقراطي الحقيقي لا يزال
طويلا. ويرّده إلى تردد الحكومات المختلفة في استخدام الأنظمة الانتخابية
الاستعمال السليم. فعلى مدار ثلاثين انتخابا تعدديا، لم تفض النتائج إلى تغيير
ملموس وفعلي كوصول رئيس منتخب من المعارضة إلى سدة الحكم أو وصول أغلبية من
المعارضة إلى قبة البرلمان.
من أسباب هذا التعثّر الديمقراطي إغراقُ
المشهد السياسي بالأحزاب السياسية مما جعل النّاخبين غير قادرين على مواكبة
برامجها أو تمييز الصادق منها من الكاذب والمخادع، خاصّة في ظل تفشي الأمية بين
صفوف الناخبين. ومن مظاهر اعتلال الحياة السياسية واقتصارها على المعايير الشكلية
دون المضمون بروزُ ظاهرة الزعماء السياسيين المعارضين الموالين وقوة شوكتهم.
فتنظيم الانتخابات لا تعني ضرورة تحقيق الديمقراطية. فلا بد من إحداث تغيير مهم
بالنسبة إلى شروط الناخبين والمرشحين وأهليتهم حتى لا يقتصر نشاط الأحزاب على مواسم الانتخابات بحثا عن الريع السياسي.
ومن مظاهر اعتلال المشهد السياسي
ـ عدم الالتزام باحترام دورية الانتخابات في كل من
الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية لأسباب مختلفة سياسية أساسا.
ـ ارتفاع سن الترشح المرتفعة في كافة
الانتخابات في بلد تبلغ فيه نسبة الشباب حوالي النصف، ولا يتجاوز فيه متوسط العمر
66 سنة بالنسبة للذكور و 67 سنة للإناث.
ـ مساعدة النظام الانتخابي الذي يمنع
السياسيين الحريصين على البقاء مستقلين عن الأحزاب السياسية القائمة، في إذكاء الانتهازية والفساد والنعرات القبلية
والعرقية والفئوية.
وعليه يرى الباحث أنّ النّظام الانتخابي لن
يكون ناجعا في تطوير الحياة السياسية في موريتانيا إلاّ في حالة تم تخفيض سنّ الترشح لإشراك الشباب في إدارة الشأن العام وتم تعديل النص المتعلق بشرط التزكيات
في الانتخابات الرئاسية ليفتح المجال أمام التزكيات الشعبية الصادرة من الناخبين
مباشرة. أما التركيز على مبلغ الكفالة المالية وإقصاء المستقلين فباب يفتح أمام
استغلال المال السياسي وتصاعد دوره في هذه الانتخابات.
ولتحصين الحياة السياسية يطالب الباحث شيخنا
بإضافة شرط التحصيل العلمي لكافة المرشحين وبدور للقضاء والفاعلين السياسيين
والمجتمع المدني في تأمين انتخابات نزيهة وشفافة.