لا تتوقف المحافل الأمنية والاستراتيجية
الإسرائيلية
عن رصد
النفوذ التركي المتصاعد في المنطقة، لاسيما عقب انهيار نظام بشار الأسد
بسوريا الذي شكل فرصةً سانحةً لتركيا لإقامة نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط،
وفي هذه الحالة يتعين عليها المناورة بين القوى المؤثرة والحفاظ على مصالحها
الداخلية والدولية.
عنات هوخبرغ-ماروم، خبيرة الجغرافيا السياسية
والأزمات الدولية، ذكرت أنه "بعد مرور عام على سقوط نظام الأسد في
سوريا،
تُرسّخ
تركيا مكانتها كقوة إقليمية مهيمنة: عسكريًا وسياسيًا وفي مجال الطاقة،
مُعيدة تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط، وبالتنسيق الوثيق مع القيادة السورية
الجديدة بقيادة أحمد الشرع دخلت قوات مدرعة ونحو 200 جندي تركي شمال سوريا، وفي
الأسابيع القادمة، ستدخل أنظمة دعم متطورة، تشمل مركبات مدرعة وأنظمة دفاع جوي
متطورة وطائرات مُسيّرة وصواريخ دقيقة، من المتوقع نشرها في سوريا".
وأضافت في مقال نشرته صحيفة
معاريف، وترجمته
"
عربي21" أن "أنقرة، التي تنتهج سياسة خارجية حازمة، وتُعزز
صناعاتها العسكرية باستمرار، تنظر إلى سوريا باعتبارها محورًا جيوسياسيًا هامًا:
مجال نفوذ استراتيجي، وساحة مركزية لترسيخ مكانتها كقوة طاقة إقليمية، لاسيما في
مواجهة إسرائيل، إضافة لتطوير برنامج صواريخ باليستية مستوحى من منظومة القبة
الحديدية للدفاع الجوي".
وأوضحت أن "تركيا جددت خطتها لشراء طائرات
مقاتلة إف-35 من الولايات المتحدة، في أعقاب الرفع المتوقع للعقوبات، وعودة
منظومتي إس-400 إلى روسيا مما يُعد جزءًا من سياسة شاملة لتعميق الدعم اللوجستي
والسياسي والعسكري للنظام السوري، وجزءً من جهود حكومة أنقرة لترسيخ موقعها
ونفوذها الإقليمي، وأتاح انهيار نظام الأسد لأردوغان فرصًا حاسمة لإعادة صياغة
استراتيجيته، لأنه يرى سوريا رصيدا استراتيجيا قيّما، كمركز للطاقة، وساحة أمنية".
وأكدت أن "ذلك سمح لأنقرة بوضع نفسها كممر طاقة
إقليمي عبر طريق بري مباشر يربط بين حقول الطاقة في الخليج العربي، والأسواق
المستهدفة في أوروبا، موفراً بديلاً فعالاً واقتصادياً، ومتجاوزاً المسارات
الخاضعة للرقابة، ومع تجنب الطرق التي تسيطر عليها الدول المنافسة، وتتجلى أمثلته
باتفاقية بـ7 مليارات دولار بين شركات تركية وأمريكية وقطرية لبناء محطات للغاز
الطبيعي والطاقة الشمسية في سوريا؛ وتجديد مشروع خط أنابيب الغاز القطري عبر
سوريا،وأُعلن عنه في 2009، ويجري تنفيذه بعد تأخيرات جيوسياسية واقتصادية".
وأضافت أن "تركيا تسعى لدمج هذه المشاريع في
نسيج واسع من المشاريع الإقليمية لنقل الغاز والوقود والكهرباء، كجزء من جهودها
لتصبح مركزًا تجاريًا دوليًا ومركزًا محوريًا للطاقة يربط الشرق الأوسط بأوروبا،
وعلاوة على تعزيز أمن الطاقة، فقد يُسهم دمج شبكة الكهرباء التركية السورية عند
نقطة التقاء حيوية في شبكة الكهرباء الإقليمية في تعزيز أمن الطاقة في الشرق
الأوسط مستقبلًا، وفي الانتقال التدريجي إلى الطاقة النظيفة".
وأشارت أن "هذه الخطوة تهدف لتعميق علاقات
أنقرة مع واشنطن، والحد من نفوذ روسيا وإيران، وتنويع مصادر الطاقة لديها، مثل
اتفاقية استيراد الغاز من تركمانستان، مع سدّ الفجوة بين جمهوريات آسيا الوسطى
والدول الأوروبية، حيث يشكل التعاون الاستراتيجي في مجال الطاقة النووية المدنية،
بما في ذلك اتفاقيات نقل المفاعلات المعيارية الصغيرة والتكنولوجيا النووية، ثقلاً
موازناً لتحركات موسكو وأنشطة شركة روساتوم الروسية، التي تُشيّد حالياً أول محطة
طاقة نووية في تركيا بتكلفة 20 مليار دولار".
وأوضحت أن "هذا التعاون يُعدّ خطوة حاسمة نحو
تحقيق أمن الطاقة طويل الأمد، بالنسبة لتركيا، إحدى أكبر الاقتصادات في المنطقة،
ويبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 1.4 تريليون دولار، وتعتمد تركيا حالياً على واردات
الغاز من 21 دولة، حيث يُشكّل الغاز الوارد 99% من استهلاكها، لا سيما من روسيا
42.3%، وأذربيجان 20.3%، وإيران 10.7%".
وأضافت أن "هذه الاتفاقية التي وُقّعت مؤخراً
بين شركة بوتاش التركية وشركة ميركوريا الأمريكية، لشراء الغاز الطبيعي المسال
بقيمة 43 مليار دولار لمدة 20 عاماً، ساهمت في زيادة حصة السوق الأمريكية، ومنح
أنقرة نفوذاً جيوسياسياً كبيراً في مواجهة موسكو وطهران".
وأضافت أن "الانخفاض المتوقع في واردات الغاز
الروسي مع انتهاء الاتفاقية بين البلدين في 2026 سيؤدي لإضعاف مكانة روسيا كمصدر
رئيسي للغاز، وفي المقابل، قد يعزز مكانة تركيا كقوة إقليمية في مجال الطاقة،
لاسيما في مواجهة تل أبيب، في إطار مشروع شرق المتوسط، واتفاقية
الغاز مع مصر، كما قد يتوسع التعاون الناشئ بين شركات الطاقة التركية والأمريكية
ليشمل العراق وسوريا وليبيا، على سبيل المثال، من خلال الربط بشبكة خطوط أنابيب
الغاز العربية القائمة التي تربط سوريا والأردن ومصر، فضلاً عن جنوب القوقاز".
وتوقعت أن "تسهم اتفاقية السلام بين أرمينيا
وأذربيجان، وافتتاح "ممر زانغور" في تعزيز الربط بين آسيا الوسطى
وأوروبا، بتعزيز مكانة تركيا كحلقة وصل حيوية في سلسلة الإمداد والطاقة الإقليمية،
لأنها استوردت 5.2 مليون طن من الغاز الطبيعي، بزيادة قدرها 30% مقارنةً بعام
2024، وهو رقم يُظهر سرعة نمو سوق الطاقة التركية، وعزم أنقرة على تحقيق استقلالها
في مجال الطاقة خلال السنوات القادمة".
وأشارت إلى أنه "في سياق احتواء الكيان الكردي،
يُتيح تعزيز تركيا لعلاقاتها مع إدارة ترامب لها استغلال قوتها العسكرية،
باعتبارها دولة تمتلك أحد أقوى الجيوش في الشرق الأوسط، وثاني أكبر جيش في حلف
الناتو، وموقعها الاستراتيجي، كي تتبوأ مكانة محورية بين الطاقة والأمن
والجيوسياسة، ويُشكل التواجد العسكري المتزايد في شمال سوريا أداةً للتأثير على
موازين القوى الإقليمية، ويُعزز دورها كلاعب رئيسي في عملية إعادة الإعمار بعد
الحرب، ومشاركتها في مبادرات دولية أخرى لإعادة إعمار مناطق النزاع في قطاع غزة
ولبنان وليبيا".
واستدركت بالقول إنه "رغم استثماراتها الضخمة
في البنية التحتية للطاقة وإعادة إعمار المناطق المدنية في سوريا قد تُثقل كاهل
اقتصادها، الذي يُعاني من تضخم بـ30%، وضغوط متزايدة على الديون، فإن أنقرة تنظر
لذلك كاستثمار طويل الأجل لتعزيز مكانتها، وصقل صورتها الإقليمية، وتحقيق رؤيتها
العالمية، لكن هذا التوسع يُفاقم التوترات الدبلوماسية، والمخاطر الأمنية مع
منافسيها: روسيا وإيران، بسبب تضرر نفوذهما في مجال الطاقة؛ وإسرائيل ومصر
والإمارات، بسبب التنافس على طرق الطاقة والنفوذ الإقليمي؛ وكذلك مع اليونان
وقبرص، في ضوء مشاريع الغاز في شرق المتوسط، والنزاعات
على الحدود البحرية".
ولفتت إلى أن "سيطرة تركيا على شمال سوريا يوفر
لها منطقة عازلة أمنية ضد القوات الكردية، ويمنع تشكيل كيان مستقل على طول حدودها،
وفي الوقت نفسه، تُمنحها سوريا ميزة اقتصادية واستراتيجية فريدة، تتمثل في القدرة
على تقليل اعتمادها طويل الأمد على مُصدّري الغاز التقليديين، والحد من نفوذ موسكو
وطهران على سوق الطاقة لديها، حتى في ظل مخاطر حدوث اضطرابات في سلاسل الإمداد
العالمية".
وأضافت أن "تعزيز الشراكة مع واشنطن، بجانب
التراجع التدريجي للاعتماد على موسكو، يجعل أنقرة الشريك الاستراتيجي المفضل
للأولى في أسواق الطاقة، وتعزز هذه الخطوات استقرارها الاقتصادي والطاقي، وتدعم
مكانتها الإقليمية، وتوسع نطاق توزيع الغاز الطبيعي المسال التركي لأوروبا وشمال
أفريقيا، وتقدم واشنطن ، المورد الرئيسي للغاز الطبيعي المُسال في العالم، لتركيا
بديلاً موثوقاً ومتنوعاً وتنافسياً، يشكل ركيزة أساسية في ترسيخ استقلالها الطاقي،
وتعميق نفوذها في النظام الجيو-اقتصادي الجديد الناشئ حالياً على الساحة الدولية".
وفي سياق متصل، انتقد الجنرال الإسرائيلي عميت ياغور
في مقال نشرته صحيفة "معاريف" العبرية، سياسات المبعوث الأمريكي توم
باراك في سوريا، معتبرا أنه يتأثر بشكل طبيعي بتركيا المقيم فيها، وهذا يُنتج وضعا
خطيرا للغاية بالنسبة لإسرائيل.
وهاجم ياغور الرئيس السوري أحمد الشرع، محذرا من أن
سوريا تقترب بسرعة من النموذج الإيراني، ورغم ذلك تهدف الولايات المتحدة من خلال
الاتفاق الأمني، إلى وضع حدود وقيود على استخدام القوة الإسرائيلية، دون المساس
بسلطة الشرع.
ورأى أن الاتفاق الأمني بين سوريا وإسرائيل سيكون
بمثابة تأييد رسمي لنظام الشرع، مشددا على أنه لا يمكن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق
في الوقت الراهن، بسبب المطالب السورية الجديدة، والناتجة بشكل مباشر عن السياسة
الأمريكية.
وأكد أن إسرائيل تحاول أن تتوقف سوريا عن كونها
وكيلا لتركيا، وألا يكون لتركيا أي وجود في سوريا، إضافة إلى منع وصول القوات
السورية إلى المنطقة الحدودية، ومنع الهجوم على الدروز، ووقف تحويل سوريا إلى دولة
إسلامية.