عكس إعلان وزير المالية
المصري، أحمد كجوك، دراسة مصر وشركاء دوليون إنشاء "ناد للمقترضين" لتوحيد مواقفها في إدارة
الديون، ردود فعل بالأوساط الاقتصادية والسياسية حول نجاعة ودوافع ومآلات الخطوة، وقدرتها على فك رموز أصعب أزمة يعيشها المصريون خلال حكم رئيس النظام عبدالفتاح
السيسي.
وأمام المؤتمر الاقتصادي المصري الأفريقي الأول بالقاهرة، قال كوجك، -يقود الوزارة منذ منتصف 2024- إن "إنشاء ناد للمقترضين، يسمح بتوحيد الصوت، وتبادل الخبرات، ووضع أجندة مشتركة للتعامل الجماعي مع قضايا الديون".
وخلال قمة "مجموعة العشرين" الشهر الماضي بجوهانسبرج، دعا مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة ورئيس فريق الخبراء المعني بالديون، المصري محمود محيي الدين، لإنشاء "نادي المقترضين" كإحدى توصيات لجنة خبراء الأمم المتحدة، لدعم الدول المدينة.
فرصة تصحيح أم إعلان إفلاس؟
الفكرة التي تباينت ردود الأفعال بشأنها بين مثمن لها كفرصة قد تخفف من أثقال الدين، وقائل إنها "تسيئ لسمعة اقتصاد مصر وملف الاستثمار بها"، فاقمت المخاوف من أن تكون إشارة لإعلان "إفلاس"، أو عجز ثاني أكبر اقتصاد قاري والثالث عربيا عن سداد فاتورة دين خارجي يفوق 5.162 مليار دولار.
ويرى مراقبون أنها قد تكون "خطوة نحو تصحيح خلل هيكلي بالنظام المالي الدولي، الذي يتمتع فيه الدائنون بوجود (نادي باريس) للدول الدائنة منذ عام 1956، و(نادي روما) الذي يضم صانعي السياسات العالمية منذ1968 ، بينما لا يوجد ناد للمقترضين، وأنها محاولة لفرض التوازن في طاولة المفاوضات، وفرصة لضخ أموال الديون المعادة جدولتها بمشاريع التنمية بدلا من خدمة الفوائد".
على الجانب الآخر، قد ترى بعض الدول والمؤسسات الدائنة، أنها محاولة من أنظمة الدول المدينة للهروب من المساءلة عن سوء الإدارة المالية المحلية أو الهروب من تطبيق إجراءات الإصلاح المؤلمة التي يطالب بها المقرضون الدوليون مثل
صندوق النقد الدولي، مقابل التمويل".
وفي قراءتهم، يؤكد خبراء أن "إنشاء نادي للدول المدينة يعني أن تلك الدول بما فيها مصر، وصلت أقصى حدود قدرتها على تحمل الديون بالأسعار والشروط الحالية"، ويعتبرون أن "اتحاد الدول خطوة ذكية للتفاوض مع الدائنين على الإنقاذ قبل التعثر والانهيار والدخول في دوامة الركود الحاد، وفرصة لاستخدام رؤوس الأموال المستنزفة بخدمة الديون في الاستثمار والتنمية".
محاولات دولية سابقة
وحول مدى أهمية تدشين ذلك النادي، والذي يمكن أن يقدمه تحالف الدول المقترضة والمدينة من حلول لأزمة الديون، ومدى قبول الدول الدائنة والمؤسسات الدولية المُقرضة بتلك الخطوة، تحدث إلى "عربي21"، الخبير الاقتصادي عبدالنبي عبدالمطلب.
وقال إن "الحديث عن نادي للمدينين والمقترضين ناقشته لجان اقتصادية بالأمم المتحدة عام 2000، وعقدت مؤتمرات عن خطورة الدين العام على الاقتصاد العالمي، لكن الفكرة لم تلق اهتماما، لتجري منذ 2015، حوارات جادة حول الأزمة، خاصة مع ارتفاع الدين الأمريكي مستوى قياسي (36.56 تريليون دولار) آذار/ مارس الماضي".
ولفت المسؤول المصري السابق بوزارة التجارة والصناعة، إلى أنه "منذ عامين دعا الأمين العام للأمم المتحدة لعمل دراسة مستفيضة حول تأثير الديون على الاقتصاد العالمي، مطالبا بنظرة جديدة لإدارة الديون العالمية، بدلا من النظرة السائدة التي تقول: (مادامت الدول قادرة على دفع الأقساط والفوائد فلا توجد مشكلة)".
وأشار إلى أن "الأزمة إلى تفاقم حيث حذر اقتصاديون من تراجع قدرة الدول على دفع خدمة الدين، ما يتبعه مشاكل اقتصادية للشعوب، وحرمان الدول المدينة من استخدام مواردها بعمليات التنمية وتوليد دخول إضافية".
وحول أهمية تدشين نادي المقترضين، أكد الخبير الاقتصادي مجدي حسين، أنه "يمنح الدول المدينة صوتا تفاوضيا أقوى وجبهة موحّدة أمام الدائنين الكبار، ويتيح لها تبادل الخبرات بإدارة الديون والضغوط المالية، ويساعد في تنسيق إعادة هيكلة الديون، والضغط لأجل شروط أكثر مرونة، وتبادل سياسات تقليل المخاطر".
هل يحل أزمة مصر؟
وعن وضع مصر بهذه المعادلة، أوضح عبد المطلب، أن "مدفوعات الديون تلتهم تقريبا نسبة 100 بالمئة من إيرادات الدولة، ما يعني أن التزامات وفوائد الديون تقريبا في حجم الإيرادات المصرية؛ بل إن مدفوعات الديون بالربع الأخير من العام المالي الماضي تجاوزت إجمالي الإيرادات"، ملمحا إلى أن "الحديث فقط عن الدين الخارجي دون الداخلي".
وأكد أن "تدشين نادي المقترضين أو تكتل يضم الدول المدينة لتكون صوتا واحدا والاستفادة بالخبرات لمواجهة الدول الدائنة بنادي (روما) و(باريس) وبالمفاوضات مع الدول الدائنة؛ خطوة لإيجاد حلول لمشكلة الديون الخارجية، لا أقول إلغائها ولكن تقليل تأثيرها السلبي على عمليات التنمية، بإعادة هيكلتها وإلغاء وتخفيض الفوائد واستبدال بعضها باستثمارات".
إساءة لسمعة مصر
وفي السياق، انتقد الكاتب مصطفى عبدالسلام، المقترح المصري بتدشين ناد للمقترضين، مؤكدا أنه كان على الوزير "طرح خطة محددة لتقليص فاتورة الدين الخارجي لمصر، ويحدد موعدا نهائيا لوقف الاستدانة الخارجية، والحد من سياسة استبدال الديون وتدوير القروض".
وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، أوضح أن دعوة "تأسيس تحالف للمقترضين يعطي انطباعا أن الحكومة المصرية تصر على إغراق البلاد بوحل الاستدانة الخارجية، ورهن مقدرات وثروات البلاد للدائنين"، معتبرا أنه "يسيء لسمعة مصر المالية والاقتصادية".
هل تقبل الدول الدائنة؟
وعن إمكانية التعاون بين النادي المقترح وبين تجمع الدول الكبرى الدائنة بنادي باريس وروما، والصين، وصندوق النقد الدولي، يعتقد عبدالمطلب، أن "ذلك يخضع لسياسة كل تكتل دائن، فرؤية الصين لإدارة ديونها تقوم على التواجد بالدول المدينة بالاستحواذ على موانئ واستبدال ديون باستثمارات، ضمن مبادرة (الحزام والطريق)".
وتحل مصر ثالثة بقائمة أكثر الدول الأفريقية اقتراضا من الصين منذ بداية الألفية الثالثة حتى نهاية 2023، بحجم قروض بلغ 9.7 مليار دولار، وفق مركز جامعة بوسطن لسياسات التنمية العالمية.
وحول صندوق النقد الدولي، أكد الخبير المصري أن "المسألة مختلفة؛ لأنه مؤسسة تُقرض دولها الأعضاء، ولأنه محكوم بقرار مجلس المديرين التنفيذيين لا أعتقد أن يبدي مرونة أو تنازلا عن بعض ديون الدول المدينة، فقط يمكنه إعادة هيكلتها، وببعض الأزمات كـ(جائحة كورونا) قدم دعما ومساعدات لأعضائه وليس قروضا".
وتحل مصر كثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين، حيث حصلت منذ عام 2016، وحتى 2025، على حوالي 28 مليار دولار.
وبخصوص تجمع الدول الدائمة أو أعضاء نادي "روما" و"باريس"، توقع عبدالمطلب، "حدوث تفاهمات ومواءمات، تبدأ بإعادة جدولة الديون وربما يكون هناك إلغاء أو شطب جزء من الفوائد، وربما استبدال جزء من الديون باستثمارات".
وحول إمكانية تعاون النادي المقترح مع نادي باريس، والصين، وصندوق النقد الدولي، يرى الخبير مجدي حسين، أنه "ممكن لكنه معقد؛ لأن كل طرف له مصالح مختلفة"، موضحا أن "النادي المقترح قد يعمل ككتلة تفاوضية تتعامل مع هذه الجهات، ما قد يساهم بتعديل ميزان القوى وتحسين شروط التفاوض".
وتوقع ألا "تتنازل القوى الدائنة الكبيرة بسهولة عن نفوذها أو تسمح بقيام تكتل قوي من الدول المدينة يحد من تأثيرها؛ لكن التجارب أثبتت أن الدول حين تتعاون وتوحد مواقفها تستطيع على الأقل تحسين شروط التفاوض".
حجم الأزمة المصرية
تشير الأرقام الرسمية إلى وصول أزمة الديون المصرية لمنعطف خطير وغير مسبوق، خاصة وأن الحكومة تواصل الاستدانة بمزيد من القروض، وتدوير ما يحل موعد سداده منها، واستبدال الديون بأخرى جديدة، وتوجيه القروض لمشروعات ترفية وترفيهية دون قطاعات التنمية الاقتصادية والمجتمعية.
أحدث الأرقام كشفت أن فوائد الديون تلتهم أكثر من قيمة الإيرادات (863.9 مليار جنيه)، حيث أنفقت مصر 899.1 مليار جنيه على فوائد الدين بأول 4 شهور من العام المالي (2025/ 2026).
وزادت فوائد الديون العجز الكلي لموازنة مصر إلى 3.2 بالمئة بذات المدة مقابل 2.6 بالمئة من الناتج المحلي بالفترة نفسها العام الماضي، مسجلا 662.3 مليار جنيه مقابل 453.23 مليار جنيه، بحسب تقرير لوزارة المالية.
تفاقم العجز جاء مدفوعا بارتفاع إجمالي مدفوعات الفوائد المستحقة على الموازنة بنسبة 54.1 بالمئة لتصل إلى 899.1 مليار جنيه مقارنة بـ 583.4 مليار جنيه، مدفوعة بالنمو الكبير في الفوائد المحلية.
ووفق تقرير للبنك الدولي تصل استحقاقات الديون الخارجية بالربع الأخير من 2025، نحو 10.8 مليار دولار، فيما ترتفع بالربع الأول من 2026، إلى 23.96 مليار دولار، وفي الربع الثاني تبلغ 12.3 مليار دولار، بنحو (36 مليار دولار) بالنصف الأول من العام المقبل.
ويواصل البنك المركزي المصري الاقتراض عبر طرح أذون الخزانة المقومة بالدولار، بهدف سداد عطاءات سابقة حلت آجال سدادها.
والاثنين، طرح البنك أذون خزانة لأجل عام بـ950 مليون دولار، لسداد العطاء السابق في 3 كانون الثاني/ ديسمبر 2024، والمستحق الثلاثاء، ليقترض بذلك البنك المصري 2 مليار 480 مليون دولار في 20 يوما، بعد الطرح السابق 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
ويعقد صندوق النقد الدولي المراجعة الخامسة والسادسة لاقتصاد مصر، من الاثنين، وحتى 12 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، في إطار قرض المليارات الثمانية، ما قد يتبعه حصول القاهرة على 2.7 مليار دولار.
والخميس الماضي، أقرر السيسي قرض الاتحاد الأوروبي بقيمة 4 مليارات يورو، ضمن حزمة دعم أوروبية مقررة منتصف 2024، تُقدر بـ7.4 مليار يورو يتم صرفها حتى عام 2027.
خلل هيكلي خطير
وضع الديون المصرية، وصفه مجدي حسين، بأنه "خلل هيكلي خطير"، موضحا أن "البيانات المذكورة تعكس تحديا جوهريا في هيكل الموازنة العامة، إذ إن تجاوز مدفوعات فوائد الدين لحجم الإيرادات خلال 4 أشهر فقط يشير إلى اختلال هيكلي يتطلب معالجة عاجلة".
وأوضح لـ"عربي21"، أن "استمرار هذا النمط يعني أن جزءا متزايدا من موارد الدولة يُوجه لخدمة الدين بدلا من الاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية، وهو ما يحد من قدرة الاقتصاد على تحقيق نمو مستدام".
ويعتقد أن "الحل لا يكمن فقط في ضبط الإنفاق، بل في إعادة هيكلة أولويات الموازنة العامة، وتعزيز الإيرادات الحقيقية عبر توسيع القاعدة الإنتاجية، وتحسين مناخ الاستثمار، وتقليل الاعتماد على الاقتراض قصير الأجل مرتفع التكلفة"، موضحا أنه "بدون مسار واضح لخفض عبء الفوائد، ستظل الضغوط على الموازنة قائمة، بما يحد من قدرة الدولة على تنفيذ سياسات تنموية فعالة".
ومع تفاقم أزمة الديون الخارجية، تواصل القاهرة طرح شركات عامة وأراضي استراتيجية ومناطق حيوية يمس بعضها الأمن القومي على مستثمرين خليجيين، بصفقات يتم استخدام جزء منها لسداد خدمة الديون الخارجية، وفق تصريحات وزير المالية، أحمد كجوك، بحق صفقتي "رأس الحكمة" (35 مليار دولار)، و"علم الروم"، (3.5 مليار دولار).