في تحول دبلوماسي لافت وغير مسبوق، وجد
الاحتلال الإسرائيلي نفسه لأول مرة في صف بيان أممي تقوده الولايات المتحدة ضد
الصين، موجه بانتقادات حادة إلى بكين بشأن سجلها في مجال
حقوق الإنسان.
ورغم أن الاحتلال اعتاد الامتناع عن التوقيع على مثل هذه البيانات لاعتبارات اقتصادية وسياسية، فإن انضمامها إلى المبادرة الأخيرة التي نشرت رسميا في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري٬ يعكس تغيرا واضحا في سياسة تل أبيب تجاه الصين، التي كانت تحرص حتى وقت قريب على عدم استفزازها حفاظا على العلاقات التجارية الواسعة معها.
البيان الذي صاغته البعثة الأمريكية لدى
الأمم المتحدة ووقعت عليه 15 دولة، بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا واليابان، عبر عن "قلق عميق ومتواصل" إزاء ما وصفه بانتهاكات حقوق الإنسان في الصين، وخص بالذكر القمع الموجه ضد الأقليات العرقية والدينية، وعلى رأسها الأويغور المسلمين.
واستعرض البيان سلسلة من الانتهاكات التي قال إنها تشمل الاعتقال التعسفي، والعمل القسري، والتعذيب، والمراقبة الجماعية غير القانونية، وتدمير التراث الثقافي، إضافة إلى فصل الأطفال عن عائلاتهم في مراكز رعاية تديرها الدولة.
كما دعا الصين إلى الإفراج عن جميع المحتجزين بسبب ممارستهم حقوقهم الإنسانية الأساسية، والامتثال الكامل للقانون الدولي.
وانضمام الاحتلال الإسرائيلي إلى هذا البيان يشكل منعطفا حقيقيا، إذ لم تقدم تل أبيب على خطوة مشابهة سوى مرات قليلة، كان آخرها في عام 2021. وحتى ذلك الوقت، كان الاحتلال يراعي حساسية الصين وتوازناتها معها، خصوصا أنها شريك اقتصادي رئيسي وتملك استثمارات ضخمة في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة والبنية التحتية.
لكن التطورات السياسية الإقليمية والدولية، خصوصا بعد معركة "طوفان الأقصى" في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، دفعت الاحتلال الإسرائيلي إلى إعادة النظر في تموضعها.
فالموقف الصيني من العملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في مستوطنات غلاف غزة أثار امتعاضا شديدا في تل أبيب، خاصة بعدما امتنعت الصين عن إدانة حركة "حماس"، واكتفت بالدعوة إلى وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي اللاحق.
ومع صعود حدة التوتر بين الجانبين، شارك الاحتلال لاحقا إلى جانب 50 دولة في الأمم المتحدة في إدانة الانتهاكات الصينية بحق المسلمين الأويغور، في خطوة اعتبرت حينها مؤشرا أوليا على تبدل اللهجة الإسرائيلية تجاه بكين.
وكان الاحتلال قد وقع أيضا في نيسان/ أبريل 2021 على بيان آخر مع 41 دولة في مجلس حقوق الإنسان يطالب الصين بالسماح بوصول فوري إلى مناطق وجود الأويغور للتحقيق في الانتهاكات.
ويبدو أن جانبا آخر من التوتر يتعلق بالعلاقات الصينية – الإيرانية، إذ يرى الاحتلال الإسرائيلي أن الدعم العسكري والتقني الذي تقدمه بكين لطهران، ومنه تعزيز القدرات الصناعية العسكرية الإيرانية، يمثل تهديدا مباشرا لأمنها، وتسعى لوقفه عبر الضغط السياسي والدبلوماسي. وفي الاتجاه المعاكس، تنظر الصين بقلق إلى الدعم العسكري الإسرائيلي للهند، الذي ترى فيه تحديا لمصالحها الاستراتيجية في آسيا.
ومع أن البيان الأممي الأخير موجه في ظاهره لحقوق الإنسان، فإن توقيع الاحتلال عليه يحمل أبعادا سياسية أعمق مرتبطة بشكل وثيق بإعادة ترتيب التحالفات في ظل التنافس الأمريكي–الصيني. فمن الواضح أن الاحتلال يحاول الاقتراب أكثر من واشنطن في لحظة حساسة يتخللها توتر متصاعد بين حكومة تل أبيب والإدارة الأمريكية بسبب حرب غزة، ما يجعل الاصطفاف إلى جانب الولايات المتحدة في ملف كهذا رسالة سياسية بقدر ما هو موقف حقوقي.