توفي فجر اليوم في مكة المكرمة الشيخ
اليمني محمد
المقرمي، بعد مسيرة طويلة في الدعوة والتفسير
القرآني.
ونعى ناشطون الشيخ المقرمي، الذي اشتهر في مجال التدبر القرآني، والتفكر في آيات الله، حيث حازت دروسه على تفاعل واسع في مواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات الماضية.
وبدأ المقرمي حياته المهنية مهندساً في الطيران المدني، حيث قال إنه عمل لسنوات في بيئة تقنية دقيقة تتطلب تركيزاً وانشغالاً كاملاً بالماكينات والأنظمة. ووصف تلك المرحلة بأنها كانت "فترة انصراف شبه تام عن القراءة والتأمل، بما في ذلك ورده القرآني اليومي".
نقطة التحول
لكن نقطة التحول بحسب لقاء سابق مع المقرمي جاءت بعد انتقاله من العمل الهندسي المباشر إلى موقع إداري، الأمر الذي أتاح له مساحة من الفراغ. وقال إنه في تلك المرحلة، بدأ يقضي ساعات طويلة في الليل متأملاً السماء، ومتوقفاً عند مشاهد الكون بنظرة روحانية تأملية.
ومنذ سنوات، بدأ المقرمي الذي عاش في مكة المكرمة إعطاء الدروس في التدبر بالقرآن الكريم، وركّز في محاضراته على أن التدبر عملية منهجية لا عشوائية، وأنه يأتي بوصفه المرحلة الأخيرة في سلسلة من عمليات التفكير.
ووفقاً لرؤيته التي اكتسبت متابعة كبيرة في مواقع التواصل، يسبق التدبر كلٌّ من النظر، ثم التأمل، فالاعتبار، ثم الاستبصار، قبل الوصول إلى التدبر الذي يعرّفه بأنه "النظر في عواقب الأمور".
وركز المقرمي إلى ما أسماه "عِلّة الشتات"، وهي حالة التشتت الذهني المعاصر الناتجة عن كثرة انتقال الإنسان بين الوسائط والقنوات. ويرى أن علاج هذه العلّة يقوم على "الموضوعية القرآنية"، أي جمع الآيات المتعلقة بموضوع واحد وترتيبها في تسلسل موضوعي تُستبعَد فيه المقاطعات الذهنية.
مسار الارتقاء الروحي
قدّم المقرمي تصوراً متدرجاً لمسار الارتقاء الروحي كما يعرضه القرآن، بدءاً من الإنسان بوصفه كائناً مكلّفاً، ثم انتقاله إلى مقام “المسلم” الذي يضبط سلوكه فلا يؤذي أحداً، ثم مقام "المؤمن" الذي تتعدى فائدته نفسه إلى الآخرين. ويواصل القرآن، بحسب رؤيته، الارتقاء بالمؤمنين إلى مقام "المتقين"، ثم مقام "المحسنين".
وكان المقرمي يعتبر أن القرآن "كتاب فيه ذكر الإنسان"، وأنه يقدم مساراً تربوياً تراكمياً لا يقوم على القفزات ولا على التجارب المنفصلة.
فلسفة الرزق
رفض الشيخ المقرمي رفضاً قاطعاً نظرية الندرة الغربية التي تزعم أن الثروات لا تفي بحاجة البشر، واصفاً هذا الكلام بأنه "قدح في حق الله". وأكد أن الرزق مكفول ومُدَبَّر. قائلا إن الله يرى أن حبة القمح التي صنعت الرغيف مكتوب فيها اسم الشخص و "برنامج وصولها إليك".
وشدّد على أن نسبة الجهد إلى النفس وحدها — بقول "أنا فعلت" أو "أنا سعيت" — تمثل نوعاً من الغفلة عن التدبير الإلهي، مستشهداً في ذلك بقصة صاحب الجنتين في سورة الكهف، ومؤكداً أن التوكل الحق يقوم على إرجاع الفضل إلى الله مع بذل السعي المشروع.
وطرح المقرمي ما وصفه بـ"قانون التدبير الإلهي"، وهو منهج في اتخاذ القرار يقوم على أربع خطوات رئيسية: ضبط النية، التفكير المكتمل، الاستشارة لأهل الخبرة، والاستخارة بعد العزم على الفعل.
ويرى أن التزام هذه الخطوات يهيّئ الإنسان لسعي متّزن ويجعل النتائج أقرب إلى الحكمة وأبعد عن الاضطراب.
التسليم والعجز
كان المقرمي كثير الاستشهاد بقصص قرآنية تتجلى فيها حكمة التدبير الإلهي عند لحظة التسليم أو العجز التام: قصة هاجر زوجة نبي الله إبراهيم التي سلّمت لأمر الله، مع استمرار بذل الجهد في السعي سبع مرات بين الصفا والمروة.
وقصة أم نبي الله موسى التي لم تجد وسيلة لحماية طفلها سوى إلقائه في اليم، فجاء التدبير الإلهي من حيث لا تحتسب، إذ قال المقرمي "استسلمت لأمر الله، دبر الله الأمر بحيث يجعل عدوك يمشي لصالحك، فأخذه فرعون ونشأ في قصره".
وقصة نبي الله يوسف حين أُلقي في البئر وكان عاجزاً عن الدفاع عن نفسه، بدأ تدبير الله له في الوصول إلى قصر العزيز، ثم السجن، وهو تدبير كان الهدف منه أن "يرى كيف تدار المملكة عن قرب" ويكتسب الخبرة اللازمة ليكون وزيراً عليها لاحقاً، بحسب المقرمي.
وكان المقرمي يخلص دائماً إلى أن من يرضى بقضاء الله وتدبيره “تتحول المصيبة في حقه إلى منفعة، لا إلى عبء”.