مقالات مختارة

ورطة كبيرة لـ”حزب الله”

حسين لقرع
إعلام الحزب
إعلام الحزب
أوقع اغتيال قائد أركان “حزب الله”، هيثم الطبطبائي، الحزب في موقف حرج جدّا: هل يردّ على الاحتلال الصهيوني حفاظا على هيبته وصورته، أم يبتلع الإهانة ويؤثر الصمت لإكمال ترميم قدراته العسكرية المتضرّرة من الحرب الأخيرة والاستعداد للمعركة القادمة مع الاحتلال في ظروف أفضل؟

هي معادلة صعبة تضع “حزب الله” في ورطة كبيرة؛ فإذا ردّ الآن على عملية الاغتيال التي طالت الرجل الأول في قيادته العسكرية، فإنّ العدوّ الصهيوني قد يتخذه ذريعة لتفجير حرب جديدة قد لا يكون الحزب مستعدّا لها الآن بالنظر إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت به في الحرب الأولى التي دامت قرابة 14 شهرا (8 أكتوبر 2023- 27 نوفمبر 2024)، إذ قتل الاحتلال خلالها معظم قادته السياسيين والعسكريين من الصفّ الأول وفجّر الكثير من مستودعات صواريخه وأسلحته بسبب الاختراق الأمني الكبير لصفوف الحزب وصولا إلى قيادته العليا، وهي الأضرار الشديدة التي أجبرته على قبول اتفاق وقف إطلاق النار برغم شروطه المجحفة وفي مقدّمتها الانسحاب إلى جنوب نهر الليطاني وتفكيك وحدة الساحات وترك غزة وحدها في ميدان المعركة.

أمّا إذا فضّل الحزب ابتلاع الإهانة الصهيونية وأحجم عن الردّ على عملية اغتيال قائد أركانه، فسيلحق ذلك ضررا أكبر بهيبته وصورته في نظر أنصار محور المقاومة في العالم الإسلامي، بل حتى في نظر مقاتليه الشبان الذين ضاقوا ذرعا بعربدة الطيران الصهيوني واعتداءاته اليومية على لبنان طيلة عام كامل من وقف الحرب من دون أن يتمكّنوا من الردّ عليه بسبب تعليمات قيادة الحزب التي تفضّل الآن التركيز على استكمال عملية التعافي وإعادة بناء القدرات العسكرية للحزب تدريجيّا، بدل الدخول في حرب جديدة هو غير مستعد لها حاليّا وقد تؤدّي إلى الإجهاز عليه كليّا.

كما أنّ عدم الردّ على اغتيال الطبطبائي سيشجّع الاحتلال على التمادي أكثر واستهداف قادة آخرين، سياسيين وعسكريين، فضلا عن التوسّع في استهداف مواقعه ومخازن أسلحته، وهو مطمئنّ إلى أنّ الحزب قد ضعف عسكريّا ولن يردّ عليه لأنّه بات مردوعا ويفضّل استمرار الوضع الحالي على خوض جولة جديدة من الحرب.

والواقع أنّ الردّ على عملية اغتيال قائد أركان “حزب الله” أو عدم الردّ يخضع بالدرجة الأولى لمدى تعافي الحزب من الجولة الأولى للحرب التي انتهت في 27 نوفمبر 2024، ومدى جاهزيته الآن لأيّ جولة ثانية؛ فإذا كان قد وصل إلى درجةٍ كافية من الجاهزية العسكرية، فسيردّ على عملية الاغتيال ولو بشكل محدود عبر إطلاق رشقة من الصواريخ والمسيّرات على مواقع الاحتلال سواء في فلسطين المحتلة أو التلال الخمس التي لا تزال تحت سيطرته بجنوب لبنان.. أمّا إذا كان الحزب بحاجة إلى أشهر أخرى لرفع درجة جاهزيته العسكرية، فإنّه سيفضّل في هذه الحالة التأني وتأجيل الردّ، حتى لا يمنح العدوّ الفرصة التي كان يبحث عنها للإجهاز عليه ونزع سلاحه، بعد أن تأكّد أنّ الجيش اللبناني لن يقوم بذلك بدلا منه، حتى لا يزجّ بلبنان في حرب أهلية طاحنة قد تفكّكه وتنهي وجوده.

لا شكّ أنّ “حزب الله” أدرى بوضعه، لكنّ المؤلم في ما حدث كلّه هو مدى الاختراق الاستخباراتي الصهيوني الخطير لقيادة الحزب؛ فبعد الوصول إلى القائد السابق لأركانه، فؤاد شكر، واغتياله في 30 جويلية 2024، ثم اغتيال أمينه العامّ حسن نصر الله، وبعده بأيام خليفته المحتمل هاشم صفيّ الدين، والعشرات من كبار القادة السياسيين والعسكريين من الصفّ الأول والثاني… ها هو الاحتلال يصل الآن مجدّدا إلى قائد الأركان الجديد هيثم الطبطبائي ويغتاله في بيروت، ما ينذر بإمكانية الوصول إلى قادة كبار آخرين.. فمتى يتمكّن الحزب من سدّ هذه الثغرة الأمنية الخطيرة في صفوفه والتي باتت تهدّد وجوده برمّته؟

ذلك هو التحدّي الخطير الذي ينبغي أن يؤرّق قيادة الحزب ويدفعها إلى التفكير في حلول ناجعة له للحفاظ على وجوده؛ فمن دون وضع حدّ للاختراقات الأمنية الداخلية، لا يمكن أن تنجح عملية إعادة بناء القوة والقدرات العسكرية مجدّدا وإعادة هيكلة قيادة الحزب، لأنّ العدوّ الصهيوني سيستهدفها في كلّ مرة بفضل معلومات عملائه، وسيكون “حزب الله” آنذاك شبيها ببطل أسطورة “سيزيف”؛ كلَّما نجح في دحرجة صخرة عملاقة إلى أعلى الجبل، بعد معاناة شديدة وجهد شاقّ وإرهاق كبير، سقطت الصخرة مرة أخرى إلى سفح الجبل، فيضطرّ “سيزيف” إلى إعادة الكرّة مرارا بلا جدوى… كان الله في عون محور المقاومة في الجبهات كلّها وقطع دابر العملاء المتصهينين.

الشروق الجزائرية
التعليقات (0)

خبر عاجل