لطالما طرح السؤال بشأن إمكانية وجود حياة على كوكب المريخ، والذي كان يطرح على أنه مجرد خيال علمي، قبل أن يصبح موضوعًا علميًا تتكشف فصوله يومًا بعد يوم مع استمرار مهمة المركبة الجوالة "بيرسيفيرانس".
ففي أحدث ما أعلنته وكالة "
ناسا"، اكتشفت المركبة صخورًا طينية داخل فوهة جيزيرو مزينة ببقع لافتة تشبه بذور الخشخاش أو جلد النمر، وهو ما أثار اهتمام العلماء ودفعهم لطرح فرضيات جديدة حول الماضي الغامض للكوكب الأحمر، بحسب تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فيما تؤكد الدراسات الحديثة أن الحياة على المريخ ممكنة بالفعل، وليس على سطحه، ولكن عميقا في باطن أرضه.
السر مدفون عميقًا تحت سطح الكوكب الأحمر
وتقول مجلة لوبس (L’Obs) الفرنسية في
تقرير جان بول فريتز إن العديد من العلماء يتفقون على أن الكوكب الأحمر كان يحتوي يوما ما على محيطات من الماء السائل، ولكنها تبخرت في الفضاء منذ حوالي 3.5 مليارات سنة، مما يعني أن الحياة إن استمرت هناك، فإن فرصتها ضئيلة في التطور، وربما تكون مجهرية حتى الآن.
وفي التقرير، يوضح معدّه أنه لحل لغز الحياة على المريخ، يجب التفكير أولا في الشمس، لأن استحالة الحياة بالشكل الذي نعرفه على سطح هذا الكوكب عائد إلى أشعة الشمس، ولاسيما فوق البنفسجية التي تستطيع تعقيم كل ذرة على أرضه، خاصة أن أملاح البيركلورات الموجودة هناك لها خاصية مزعجة تتمثل في زيادة تأثيرات الأشعة فوق البنفسجية القاتلة للجراثيم.
وفي التقرير، يوضح معدّه أنه لحل لغز الحياة على المريخ، يجب التفكير أولا في الشمس، لأن استحالة الحياة بالشكل الذي نعرفه على سطح هذا الكوكب عائد إلى أشعة الشمس، ولاسيما فوق البنفسجية التي تستطيع تعقيم كل ذرة على أرضه، خاصة أن أملاح البيركلورات الموجودة هناك لها خاصية مزعجة تتمثل في زيادة تأثيرات الأشعة فوق البنفسجية القاتلة للجراثيم.
معادن مرتبطة بالكائنات الحية القديمة
يعتقد الباحثون أن وجود معادن نادرة مثل "فيفيانايت" و"جريغايت"، التي تُعرف على الأرض بارتباطها بالكائنات الحية القديمة، قد يكون مؤشرًا على نشاط ميكروبي سابق، وهو ما يجعل هذا الاكتشاف من أكثر الأدلة إقناعًا حتى الآن على إمكانية أن المريخ كان يومًا ما مأهولًا بالكائنات الدقيقة.
كما وأكد العلماء إن المسبار "بيرسيفيرانس" (Perseverance) التابع لإدارة الطيران والفضاء الأميركية (
ناسا) عثر على عينة من صخور تشكلت قبل مليارات السنين من رواسب في قاع بحيرة تحوي دلالات محتملة على وجود ميكروبات على كوكب المريخ منذ زمن بعيد، غير أن المعادن التي رُصدت في العينة يمكن أن تتكون أيضاً نتيجة تفاعلات لا تشمل كائنات حية، ويمثل الاكتشاف، الذي وردت تفاصيله في دراسة منشورة في مجلة "نيتشر" (
Nature)، أحد أفضل الأدلة حتى الآن على احتمال وجود حياة في الكوكب المجاور للأرض في حقبة ما.
ومنذ هبوطها على سطح المريخ عام 2021، عكف رواد المركبة ذات الست عجلات على استكشاف فوهة جيزيرو، وهي منطقة في نصف الكرة الشمالي للكوكب غمرته المياه في وقت سابق وتضم حوض بحيرة قديمة، للبحث عن دلائل على وجود حياة قديمة، ويجمع
مسبار بيرسيفيرانس عينات من الصخور وبقاياها، ويحللها باستخدام أجهزة مختلفة على متنه، وقال جويل هورويتز، عالم الكواكب بجامعة ستوني بروك، الذي قاد الدراسة، إنه تسنى اكتشاف "بصمة حيوية محتملة" في صخور رسوبية عمرها مليارات السنين.
الباحثون شددوا على أن هناك حاجة إلى مزيد من التحليل لتحديد أصل هذه المعادن، وما إذا كانت بالفعل علامات على وجود حياة، تُعرف علمياً باسم "بصمات حيوية"، أو أنها ناتجة عن عمليات غير عضوية، ورغم ذلك، تُظهر النتائج أن تفاعلات كيميائية معقدة حدثت بالفعل على المريخ، سواء كانت عضوية أو لا، ما يضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى فهمنا لهذا الكوكب.
من جانبه، قال القائم بأعمال مدير
وكالة ناسا، شون دافي: "هذا الاكتشاف الذي حققه مسبار بيرسيفيرانس، هو أقرب ما وصلنا إليه على الإطلاق لاكتشاف الحياة على المريخ. تحديد بصمة حيوية محتملة على الكوكب الأحمر يُعد اكتشافاً ثورياً، وسيسهم في تقدم فهمنا للمريخ"، هذا الاكتشاف يُعتبر مفاجئاً لأنه يتعلق ببعض أصغر الصخور الرسوبية عمراً التي درسها المسبار، بينما كانت الفرضية السابقة تشير إلى أن علامات الحياة القديمة ستكون محصورة في التكوينات الصخرية الأقدم.
فوهة جيزيرو.. بحيرة واسعة تغذيها الأنهار
تعد فوهة جيزيرو، التي اختارتها "ناسا" كنقطة هبوط لمركبتها عام 2021، كانت قبل نحو 3.5 مليار سنة بحيرة واسعة تغذيها الأنهار، وتشكل هذه البيئة المائية القديمة موقعا مثاليا لتراكم الطين والرواسب، ما يجعلها أفضل مكان للبحث عن آثار للحياة، وقد أظهرت الدراسات الأولية أن الصخور الطينية التي رصدتها "بيرسيفيرانس" لم تتعرض لحرارة عالية أو ضغط شديد يغير طبيعتها، ما يعني أنها ربما حافظت على مكوناتها الأصلية، بما فيها بصمات كيميائية قديمة يمكن أن تحمل أدلة على وجود ميكروبات.
أما السر في هذه الصخور فيكمن في تكوينها المعدني. على الأرض، غالبًا ما يرتبط ظهور معادن مثل "الفيفيانايت" بوجود بيئات غنية بالمياه وقليلة الأكسجين، وهي ظروف مثالية لنمو البكتيريا. أما "جريغايت" فهو نوع من كبريتيد الحديد الذي يمكن أن يتشكل من خلال نشاط بيولوجي، ولعل هذه الخصائص جعلت العلماء يتساءلون فيما إذا كانت هذه البقع المعدنية التي تراها "بيرسيفيرانس" هي في الواقع آثارًا مباشرة لميكروبات عاشت هناك منذ مليارات السنين؟!.
الإعلان عن "الحياة" سابق لأوانه
رغم جملة الاحتمالات، إلا أن الخبراء يؤكدون بأن النتائج الحالية لا تعني إعلانًا رسميًا عن اكتشاف حياة على المريخ، فالمعادن نفسها قد تتشكل بطرق غير حيوية عبر تفاعلات جيولوجية طبيعية. ومع ذلك، فإن الطريقة التي توزعت بها هذه المعادن، والظروف الجيولوجية المحيطة بها، تجعل من الصعب تجاهل الفرضية البيولوجية.
كما يوضحون أن الحسم في هذه القضية لن يتحقق إلا بعد إعادة العينات إلى الأرض، وهو ما تخطط له "ناسا" بالتعاون مع "وكالة الفضاء الأوروبية" في مهمة معقدة لجلب الصخور إلى المختبرات بحلول ثلاثينيات هذا القرن، وإذا تبيّن بالفعل أن هذه المعادن نشأت من نشاط ميكروبي، فسيكون ذلك أول دليل مباشر على أن الحياة لم تكن حكرًا على الأرض. وسيعيد ذلك صياغة تصورنا عن الكون، إذ سيثبت أن الحياة يمكن أن تنشأ في أكثر من بيئة داخل مجموعتنا الشمسية، وربما في أماكن أخرى أبعد.