تتواصل معاناة عدد
كبير من الفلسطينيين من قطاع غزة ممن وجدوا أنفسهم عالقين في الضفة الغربية منذ أحداث
السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بين واقع المنفى القسري وذاكرة الحرب التي
تلاحقهم عبر شاشات التلفاز واتصالات العائلات المقطوعة.
ونشرت صحيفة
"
الغارديان" تقريرا للصحفيين لورينزو توندو وسفيان طه قالا فيه إنه ولأكثر
من عامين، تعيش مجموعة من العمال من غزة في ملعب نابلس البلدي في الضفة الغربية المحتلة،
حيث حوّل إلى مخيم للاجئين، حياتهم معلقة بين المنفى والحرب.
وأشارا إلى أن معظمهم
عمال بناء كانوا داخل
الاحتلال الإسرائيلي صباح السابع من تشرين الأول / أكتوبر
2023، وبينما كانت إسرائيل تعتقل فلسطينيين من غزة، فرّوا إلى الضفة الغربية، حيث لا
يزالون - معزولين عن زوجاتهم وأطفالهم الذين يعيشون في خيام مؤقتة داخل القطاع، فمع
استثناءات قليلة جدا، لا يسمح للمدنيين حاليا بالدخول إلى غزة أو الخروج منها.
وقال بكر نجار، 37
عاما، والذي كان يقسم وقته قبل الصراع بين شهر في غزة وشهر يعمل في مواقع البناء في
طمرة، شمال شرق إسرائيل للصحيفة: "لقد قتلوا ابن أخي وطفليه. كانوا يبحثون عن
الطعام في نقطة توزيع مساعدات بالقرب من خان يونس. لقد فقدت أكثر من مائة شخص - من
أقارب وأصدقاء - في الهجمات الإسرائيلية منذ بدء الحرب. ثم توقفت عن العد".
اظهار أخبار متعلقة
وذكر التقرير أن نجار
كان واحدا من 18,500 رجلا متزوجا في غزة فوق سن 25 عاما حصلوا على إذن من السلطات الإسرائيلية
لدخول البلاد، معظمهم للعمل في الزراعة والبناء، في الساعات التي تلت هجوم حماس مباشرة،
بدأت القوات الإسرائيلية في اعتقالهم، تم القبض على الآلاف من هؤلاء العمال في مداهمات
في جميع أنحاء إسرائيل، وسجنوا أو رُحِّلوا إلى غزة مع إلغاء تصاريح عملهم.
إلى جانب مئات العمال
الآخرين من غزة، شق نجار طريقه إلى الضفة الغربية، على أمل العثور على ملجأ. عبر الحدود
عند برطعة، وهي بلدة تقع على جانبي الخط الأخضر بين إسرائيل والضفة الغربية، ويستخدمها
الفلسطينيون منذ فترة طويلة للتهرب من عمليات التفتيش على المعابر الرسمية. في النهاية،
انتهى به المطاف في الملعب في نابلس، حيث كان يعيش ما يقرب من 1000 فلسطينيا من غزة
في الأشهر الأولى من الحرب.
ونقل التقرير عن نجّار
قوله: "انتقل بعضهم ببطء إلى أماكن أخرى في الضفة الغربية. واعتقلت القوات الإسرائيلية
آخرين خلال مداهمة هنا في الملعب. لم نسمع عنهم منذ ذلك الحين".
وأوضحت الصحيفة أنه
لا يزال هناك حوالي 50 فلسطينيا من غزة، يعيشون في الغرف المتداعية التي كانت تُستخدم
سابقا كغرف تبديل ملابس في الملعب. ينام معظمهم على مراتب أو أرائك مهترئة. توفر بعض
المراوح الكهربائية الراحة الوحيدة من حرارة الصيف الخانقة، حيث يمكن أن تتجاوز درجات
الحرارة في الضفة الغربية 40 درجة مئوية. يُعلق الغسيل على الأسوار المحيطة بالملعب.
اظهار أخبار متعلقة
كما أشار التقرير إلى
أن وزارة العمل التابعة للسلطة الفلسطينية تمنحهم حوالي 700 شيكل (162 جنيها إسترلينيا)
كل شهر إلى ثلاثة أشهر - وهي أموال يرسلونها إلى عائلاتهم في غزة، إلا أن نصفها فقط
يصل، بينما تُستهلك البقية بسبب العمولات. وقد وجد عدد قليل منهم عملا مؤقتا بأجور
زهيدة.
يقول نجّار:
"زوجتي وولداي، اللذان يبلغان من العمر أربع وست سنوات، يعيشون في خيمة في مخيم
المواصي، بين خان يونس ورفح. لقد دُمّر منزلنا [...] وأنا هنا، غير قادر على مساعدتهم".
ويقول ماهر قديح،
53 عاما، والذي كان يعمل جنوب تل أبيب قبل الحرب: "لدي سبعة أطفال - ولدان وخمس
بنات - أصغرهم يبلغ من العمر 11 عاما.. كنت أعرف رجلا كان معنا هنا. كان من مدينة غزة.
في أحد الأيام أخبروه أن ابنه قد قُتل. أصيب بنوبة قلبية من الصدمة وتوفي في نفس اليوم".
يقول وجدي يعيش، مدير
جمعية أنصار الإنسان في نابلس، التي تُقدّم الطعام والمساعدات للفلسطينيين من غزة المقيمين
في المدينة: "جاء رجلٌ إلى هذا الملعب بعد بدء الحرب. كتب أسماء أطفاله الثمانية
على الحائط بجانب سريره. وقبل أن يغادر الملعب للانتقال إلى مكان آخر، كان قد شطب أربعة
من تلك الأسماء - أسماء الذين قُتلوا في غزة".
وقالت الصحيفة إن في
نابلس أيضا، ما لا يقل عن سبع نساء من غزة، إما مريضات سرطان أو أمهات لأطفال مصابين
به. ومثل كثيرات غيرهن، حصلن على تصريح قبل هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر لمغادرة
القطاع لتلقي العلاج الطبي. ومع ذلك، بعد اندلاع الحرب، حثّت السلطات الإسرائيلية مسؤولي
المستشفى على تقديم قوائم بأسماء المرضى الذين يُعتبرون مؤهلين للخروج من المستشفى
لإعادتهم إلى غزة. ورغم أن محكمة إسرائيلية منعت عمليات الترحيل، إلا أن العديد من
النساء انتقلن إلى الضفة الغربية. في آذار/ مارس 2024، زارت صحيفة الغارديان مستشفى
في القدس حيث كان خمسة أطفال على الأقل من غزة يتلقون العلاج من السرطان. واليوم، جميع
هؤلاء الأطفال في عداد الموتى. منذ ذلك الحين، انتقلت أمهاتهم، المنقطعات عن بقية عائلاتهن
في غزة، إلى بلدات في الضفة الغربية.
اظهار أخبار متعلقة
وبحسب التقرير فوفقا
لأرقام الهلال الأحمر القطري ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين
(الأونروا)، يوجد حاليا في الضفة الغربية أكثر من 4400 عامل فلسطيني عالقين من
غزة.
خالد، 51 عاما، من
حي التفاح - أحد الأحياء الأربعة في مدينة غزة القديمة - لا يزال يعاني من ألم عدم
وجوده بجانب اثنين من أطفاله الخمسة، البالغين من العمر 10 و19 عاما، عندما قُتلا في
غارة جوية إسرائيلية العام الماضي.
قال خالد، الذي أصبح
منذ ذلك الحين طباخا للفلسطينيين النازحين من غزة الذين لجأوا إلى الملعب، للصحيفة:
"الآن، مع الهدنة، آمل فقط أن أحتضن أطفالي الثلاثة الناجين وزوجتي مرة أخرى.
أريد فقط العودة إلى غزة في أقرب وقت ممكن".
ومع ذلك، فقد آخرون
ثقتهم في العودة. سمير حجاج أبو صلاح، 55 عاما، من خان يونس، مقتنع بأنه لم يعد هناك
مستقبل بين أنقاض غزة. يقول: "لا أريد أن أعود إلى منزلي أبدا. بعد إجلاء عائلتي،
سنستقر في مكان بعيد عن القطاع".