مقابلات

محام دولي لـ"عربي21": المقررة الأفريقية تتجاهل الانتهاكات الحقوقية بمصر

مصر تشهد انتهاكات حقوقية منذ الانقلاب العسكري عام 2013- أ ف ب أرشيفية
دعا المحام الدولي وأستاذ القانون بجامعة ماكيني في سيراليون، البروفيسور كيرتس دوبلر، اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إلى "التحرك الفوري والحاسم لمواجهة الانتهاكات الحقوقية الجسيمة في مصر".

وأكد أن "الزيارة الأخيرة للمقررة الأفريقية الخاصة بمصر، أوجانا ليتا موسيني، إلى القاهرة جاءت دون التشاور الكافي مع المجتمع المدني المصري والدولي، وهو ما يُعد خرقا واضحا لممارسات اللجنة المتعارف عليها ومساسا بمبادئ الحياد والشفافية التي تقوم عليها".

وكانت المقررة الخاصة بمصر في اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، أوجانا ليتا موسينى، قد أجرت، في كانون الأول/ ديسمبر 2024، زيارة رسمية غير مُعلنة لمصر، وصفتها بأنها "زيارة معلومات تعريفية ودعوية"، وقدّمت في أيار/ مايو الماضي تقريرا تجاهل الانتهاكات واسعة النطاق في البلاد، وتبنى إلى حد كبير سرديات السلطات المصرية.

كما دعت المقررة الأفريقية الحكومة المصرية إلى استضافة جلسة "المفوضية الأفريقية" المقبلة في مصر، دون أن تبدي أي قلق أو تحفظ إزاء المراقبة المتغلغلة، وانتهاكات أفراد الأمن، والقمع بحق المتظاهرين في البلاد، بحسب منظمات حقوقية دولية.

وقبل أيام، أثارت العديد من منظمات حقوق الإنسان الدولية والمصرية قلقها بشأن زيارة المقررة الأفريقية وتقريرها بشكل علني وفي خطابات إلى المفوضية الأفريقية.

وأوضح دوبلر، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب أظهرت إخفاقات واضحة خلال الاستعراض الدوري لمصر في الدورة الـ 85؛ حيث اعتمدت إلى حد كبير على رواية الحكومة المصرية وتجاهلت الانتهاكات الموثقة، وهذا التجاهل شمل الاعتقالات التعسفية الجماعية، وحالات الاختفاء القسري، والتعذيب الممنهج، فضلا عن تجاهل السياق السياسي لانقلاب 2013 وما تلاه من اعتقالات تعسفية للقيادات المنتخبة سابقا".


وأكد دوبلر أن "اللجنة الأفريقية تمتلك آليات فعّالة لمساءلة السلطات المصرية وحماية حقوق الضحايا، تشمل دراسة التقارير الدورية، والنظر في الشكاوى الفردية والنداءات العاجلة، وإجراء بعثات تقصي الحقائق، وإصدار القرارات والبيانات العامة، وحتى إحالة القضايا إلى المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إذا كانت مصر قد صدّقت على البروتوكول الملحق بالميثاق الأفريقي"، مُشدّدا على أن "تفعيل هذه الأدوات بشكل مستقل وشفاف يُمثل السبيل الوحيد لضمان احترام حقوق الإنسان ومساءلة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة والواسعة".

يُشار إلى أن اللجنة الأفريقية استعرضت وضع مصر خلال دورتها الـ 85 في تشرين الأول/ أكتوبر 2025، وقدّمت الحكومة المصرية تقريرا حول حالة حقوق الإنسان في الفترة من 2019 إلى 2024، متضمنا - وفق منظمات دولية - وصفا مغلوطا لحالة حقوق الإنسان وإنكارا شاملا للانتهاكات.

وفيما يلي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":


ما هي تداعيات الزيارة الأخيرة التي قامت بها المقررة الخاصة بمصر في اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب أوجانا ليتا موسينى إلى القاهرة؟


للأسف، جاءت هذه الزيارة دون إجراء مشاورات كافية مع الفاعلين من المجتمع المدني المصري أو الدولي. وهذا أمر مؤسف ويُمثل خروجا واضحا عن الممارسات المعمول بها، فضلا عن مخالفة متطلبات الحياد والشفافية التي يقوم عليها تفويض اللجنة، ولم تلتزم مقررة اللجنة الأفريقية القُطرية المعنية بمصر التي قامت بهذه الزيارة بالمعايير المتوقعة للاستقلالية والحياد.

كيف تقيّمون الدور الذي لعبته مقررة اللجنة الأفريقية القُطرية المعنية بمصر خاصة بعد تبنيها روايات حكومية وتجاهلت الانتهاكات الموثقة؟ وهل يُشكّل ذلك خطرا على مصداقية آليات اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب؟


هناك إخفاقات كبيرة من جانب كل من اللجنة ومقررة اللجنة المسؤولة عن ملف مصر. وقد برزت هذه الإخفاقات بشكل واضح خلال الاستعراض الدوري لمصر في الدورة العادية الخامسة والثمانين للجنة (تشرين الأول/ أكتوبر– تشرين الثاني/ نوفمبر 2025)، حيث إن الملاحظات الختامية للجنة عكست إلى حد كبير رواية الحكومة المصرية، وفشلت في تناول الانتهاكات الواسعة النطاق.

على سبيل المثال، لم تتطرق اللجنة إلى الاعتقالات التعسفية الجماعية، أو حالات الاختفاء القسري، أو التعذيب الممنهج. كما أنها لم تُشر حتى إلى أن الحكومة الحالية وصلت إلى السلطة بانقلاب في صيف عام 2013 الذي وافق عليه الاتحاد الأفريقي، واعتقلت تعسفيا عشرات من القادة المُنتخبين بحرية وعدل، بمَن فيهم أول رئيس مصري منتخب بحرية محمد مرسي الذي تُوفّي في السجن عام 2019.

لماذا لم تلتقِ المقررة الأفريقية بأي منظمة حقوقية مستقلة خلال زيارتها لمصر؟


للأسف، لم تتواصل مقررة اللجنة الأفريقية القُطرية المعنية بمصر مع أي منظمات حقوقية مستقلة خلال الزيارة، وهو ما يثير مخاوف جدية بشأن استقلالية ومصداقية المهمة. مثل هذا الإغفال يقوّض ثقة المجتمع الدولي في عمل اللجنة، وقد يُفسّر على أنه تأثر غير مبرر بضغوط حكومية.

هل تعتقدون أن حذف تقرير زيارة المقررة الأفريقية من موقع اللجنة يشير إلى تدخل سياسي أو ضغوط مباشرة من الحكومة المصرية؟


لا يوجد دليل علني ومؤكد - بحسب علمي - يفيد بأن حذف تقرير زيارة مقررة اللجنة الأفريقية لعام 2025 من موقع اللجنة جاء نتيجة تدخل سياسي أو ضغوط مباشرة من الحكومة المصرية. غير أن هذا الانطباع يتشكّل بقوة بسبب هذا الإجراء، ولهذا يجب على اللجنة تقديم تفسير واضح لقرارها.

كيف تفسّرون دعوة المقررة للجنة الأفريقية إلى عقد دورة في مصر رغم المناخ الأمني القمعي؟ وهل ترون في ذلك منحا للحكومة شرعية غير مستحقة؟


أعتقد أن هذه الخطوة غير موفقة. لقد مثّلتُ الرئيس الراحل محمد مرسي أمام اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في قضايا تتعلق باعتقاله التعسفي ووفاته في الحجز، وكذلك في دعوى المصلحة العامة للطعن في انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013 بوصفه انتهاكا للمادة 13 من الميثاق الأفريقي، المتعلقة بالحق في المشاركة في الحكم.

برأيكم، ما الذي يفسّر فشل اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في إصدار أي قرار بشأن مصر منذ عام 2015 رغم التدهور الحاد في أوضاع حقوق الإنسان؟


إن امتناع اللجنة عن إصدار قرارات بشأن مصر منذ عام 2015 - رغم كثرة التقارير الموثوقة عن الانتهاكات الواسعة - يثير مخاوف خطيرة حول حياديتها وفعاليتها. ويتطلب الوضع مراجعة مستقلة وإجراءات تصحيحية لاستعادة مصداقية اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.

ما المخاطر التي قد تنجم إذا وافقت اللجنة على عقد دورة في مصر دون ضمانات ملموسة لحماية المشاركين والمنظمات المستقلة؟


أعتقد أن الفاعلين في المجتمع المدني الذين ينتقدون الحكومة المصرية لن يحضروا هذه الدورة إن عُقدت بالفعل، أو سيعرضون أنفسهم لخطر الانتقام إذا قرّروا الحضور. إن عقد دورة في مصر دون ضمانات سلامة واضحة يُشكّل مخاطر كبيرة، وقد يؤدي إلى ردع المشاركة الفعالة ويقوّض نزاهة جلسات اللجنة.

كيف تقيمون الوضع العام لحقوق الإنسان في مصر اليوم تحت حكم
عبد الفتاح السيسي؟


الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي وصل إلى السلطة عقب انقلاب 2013، يقود مرحلة اتسمت بتقييد شديد للحقوق المدنية والسياسية، وتدهور اقتصادي، وتزايد الاعتماد على الفاعلين الخارجيين. والبيئة الحالية تُعد عائقا خطيرا أمام التمتع بالحقوق والحريات، بما في ذلك الحق في الصحة، وحرية التعبير، والحق في التحرر من الاعتقال التعسفي والتعذيب، وحق التنمية.

إلى أي مدى قوّضت التعديلات الدستورية لعام 2019 والقوانين اللاحقة استقلال القضاء وعززت قبضة السلطة التنفيذية؟


لقد أضعفت التعديلات الدستورية لعام 2019 - إلى جانب القوانين المرتبطة بها - استقلال القضاء بشكل كبير، ووسّعت من سيطرة السلطة التنفيذية؛ فقد منحت السيسي سلطة تعيين رؤساء جميع الهيئات القضائية، والنائب العام، ورئيس المحكمة الدستورية العليا، كما أنشأت مجلسا برئاسة السيسي للإشراف على التعيينات والميزانيات القضائية.

كما أن هذه التغييرات ألغت الاستقلال المالي للقضاء، وكرّست التسييس داخل مؤسسات العدالة، ومدّدت فترة الرئاسة حتى عام 2030. وإلى جانب ذلك، منح الدستور الجيش دورا دستوريا بوصفه "حامي الدولة"، ما ألغى عمليا أي توازن للسلطات وأرسى نظاما سلطويا مُحكما.

لماذا فشلت الحكومة المصرية في تنفيذ توصيات اللجنة الأفريقية الواردة في قراراتها الأربعة السابقة بشأن الانتهاكات؟ وهل توجد آليات لمساءلتها؟


إن فشل الحكومة المصرية المتكرر في تنفيذ توصيات اللجنة الأفريقية يعكس غياب الإرادة السياسية وترسخ الممارسات السلطوية. كما أن العوائق القانونية والمؤسسية الحالية تمنح الحكومة هامشا واسعا للاعتراف الانتقائي بالالتزامات الدولية، دون وجود آليات فعّالة لمساءلتها.

مع إصرار الحكومة المصرية على روايتها الرسمية وإنكار الانتهاكات، ما الخطوات العملية التي ينبغي للجنة الأفريقية اتخاذها لضمان تقييم قائم على الأدلة وتصحيح الروايات المضللة؟


يجب على جميع المقررين ممارسة صلاحياتهم باستقلالية وحياد تام، وينبغي لهم اللقاء بجميع الأطراف، بما في ذلك المجتمع المدني والسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، والجهات الحقوقية الأخرى المطلعة على ممارسات السلطات المصرية. كما ينبغي لهم خاصةً لقاء ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وممثليهم القانونيين، وأخذ شهاداتهم على محمل الجد.

وعندما تقع انتهاكات لحقوق الإنسان وتُقدّم ادعاءات موثوقة بشأن انتهاكات جسيمة وواسعة، تتحمل اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب مسؤولية التعامل معها، وتمتلك اللجنة العديد من الآليات الفعّالة لتحقيق ذلك، من بينها:

دراسة التقرير الدوري لمصر خلال الجلسات العلنية، والاعتماد على تقارير الدولة وتقارير الظل المقدمة من المنظمات غير الحكومية لمساءلة السلطات وتقديم توصيات مستندة إلى الحقائق.

النظر بكفاءة وشفافية في الشكاوى الفردية والنداءات العاجلة وطلبات التدابير الاحترازية، وفقا لإجراءات اللجنة ودون تأخير.

إجراء بعثات تقصّي الحقائق وفق أعلى معايير المهنية والممارسات الفضلى.

إصدار القرارات والبيانات العامة استنادا إلى الكم الكبير من الادعاءات الموثوقة المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة والواسعة، وقد استخدمت اللجنة هذا الاختصاص في حدوده الدنيا فيما يتعلق بمصر.


قيام المقررين الخاصين والفرق العاملة، مثل فرق مكافحة التعذيب وحرية التعبير وحقوق المرأة، بالتحقيق وإعداد التقارير عن الانتهاكات الموثقة.

رفع القضية إلى مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي فيما يتعلق بمصر، استنادا إلى الانتهاكات الموثقة والجسيمة.

وفي النهاية، يمكن للجنة أن تحيل إلى المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب الانتهاكات الجسيمة والواسعة ضد الأفراد إذا كانت مصر قد صدّقت على البروتوكول الملحق بالميثاق الأفريقي وقدمت الإعلان الخاص بالمادة 34(6)، مما يسمح للجنة بإحالة القضايا إلى المحكمة لإصدار أحكام مُلزمة.