مقابلات

منظمة دولية لـ"عربي21": على العالم مواجهة مساندة الإمارات لـ"الدعم السريع" فورا

اتهامات للإمارات بإمداد الدعم السريع بالأسلحة والذخائر والمعدات المتطورة- عربي21
دعا مدير قسم الأمم المتحدة في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، لويس شاربونو، إلى ممارسة ضغط دولي كبير وحاسم على الإمارات لوقف دعمها لقوات الدعم السريع في السودان، مؤكدا أن "هذا الدعم يُسهم بشكل مباشر في استمرار الفظائع المُرتكبة ضد المدنيين في السودان".

وشدّد، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، على أن "تجاهل المجتمع الدولي لدور الإمارات في تغذية النزاع أمر لم يعد مقبولا"، لافتا إلى أن "وقف هذا الدعم بات شرطا ضروريا لحماية مئات الآلاف من المدنيين ومحاصرة دوامة الجرائم التي تضرب دارفور والمناطق المنكوبة".

وفي 6 أيار/ مايو الماضي، أعلنت الحكومة السودانية قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات، متهمة إياها بـ"تزويد قوات الدعم السريع بأسلحة متطورة تم استخدامها في الهجمات على مدينة بورتسودان (شرق)".

وردت الإمارات بأنها "لا تعترف" بالقرار بدعوى أن السلطة الحالية "لا تمثل الحكومة الشرعية للسودان".

ولفت مدير قسم الأمم المتحدة في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إلى أن "المشهد الإنساني في السودان بلغ مستوى غير مسبوق من الانهيار، خاصة أن البلاد تواجه واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم اليوم".

وأوضح شاربونو أن "الملايين يعيشون في حاجة ماسة إلى مساعدات عاجلة، فيما يواجه عشرات الآلاف مجاعة مؤكدة في الفاشر وجنوب كردفان، نتيجة الحصار الخانق الذي تفرضه قوات الدعم السريع منذ 18 شهرا، إلى جانب العرقلة المتعمدة لإيصال المساعدات من قِبل الجيش السوداني".

وأضاف شاربونو أن "المسؤولية عن الفظائع الموثقة في دارفور تقع بشكل مباشر وكبير على قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو وشقيقه عبد الرحيم"، مشيرا إلى أنهم وثّقوا "دورهما القيادي في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبت في غرب دارفور".

ومنذ 26 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تستولي "قوات الدعم السريع" على الفاشر مركز ولاية شمال دارفور، وارتكبت مجازر مروعة بحق مدنيين، فيما أقر قائد تلك القوات محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بحدوث "تجاوزات" من قواته بالمدينة، مدعيا تشكيل لجان تحقيق.

وتعتبر هذه المدينة الأكثر سخونة في السودان، وتحاصرها قوات الدعم السريع منذ كانون الثاني/ يناير 2024، فيما تتحصن قوات الجيش في الفرقة 22 داخل المدينة التي أصبحت شبه مهجورة.

ومن أصل 18 ولاية بعموم البلاد، تسيطر "الدعم السريع" على جميع ولايات إقليم دارفور الخمس غربا، عدا بعض الأجزاء الشمالية من ولاية شمال دارفور في قبضة الجيش، الذي يسيطر على معظم مناطق الولايات الـ13 المتبقية، بما فيها العاصمة الخرطوم.

وتتفاقم المعاناة الإنسانية بالسودان جراء استمرار حرب دامية بين الجيش و"الدعم السريع" منذ نيسان/ أبريل 2023، أدت إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو 13 مليون شخص.

وإلى نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

كيف تقيمون الوضع الإنساني العام في السودان اليوم؟
لا يمكن للوضع الإنساني أن يكون أسوأ مما هو عليه الآن؛ فملايين السودانيين بحاجة ماسة إلى مساعدات عاجلة، فيما يعيش كثيرون في ظروف تشبه المجاعة المؤكدة، بما في ذلك سكان مدينة الفاشر وأجزاء واسعة من جنوب كردفان. ويعود ذلك أساسا إلى الحصار الذي فرضته "قوات الدعم السريع" على هذه المناطق طوال 18 شهرا، إضافة إلى هجماتها المتواصلة على مدينة الفاشر، فضلا عن العرقلة المتعمدة التي يمارسها الجيش السوداني لوصول المساعدات الإنسانية.

وبحسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي  (IPC)، فإن نحو 375 ألف شخص يعانون من المجاعة في دارفور وكردفان، وذلك اعتبارا من أيلول/ سبتمبر الماضي، في حين يواجه أكثر من 6 ملايين سوداني في مختلف أنحاء البلاد مستويات خطيرة من الجوع الشديد.

إلى أي درجة يتحمّل قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" المسؤولية عن الانتهاكات الموثقة؟ وهل قمتم بتوثيق تلك الانتهاكات؟
المسؤولية كبيرة ومباشرة؛ فهو متورّط بدرجة عالية جدا. ونعم، قمنا بتوثيق تلك الانتهاكات وطالبنا بفرض عقوبات عليه وعلى شقيقه عبد الرحيم حمدان دقلو. وقد حدّدت "هيومن رايتس ووتش" عبد الرحيم حمدان دقلو كقائد في قوات الدعم السريع يتحمّل مسؤولية قيادية، بما في ذلك عن القوات التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في غرب دارفور، وكلاهما ما يزالان يشغلان مواقع قيادية داخل "قوات الدعم السريع".

وقد شوهد عبد الرحيم في محيط الفظائع الجماعية في اليوم الذي سقطت فيه مدينة الفاشر بيد قوات الدعم السريع، ومن ثمّ يجب التحقيق في مسؤوليتهما بصفتهما قائدين كبيرين واجبهما منع الجرائم والمعاقبة عليها، وكذلك بصفتهما مرتكبين مباشرين يصدرون الأوامر، وذلك كجزء من التحقيقات الجارية التي تُجريها المحكمة الجنائية الدولية، إضافة إلى التحقيقات التي تعمل عليها بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان.


هل تعتقدون أن "المجموعة الرباعية" تعاملت مع التحذيرات السابقة بالجدية المطلوبة؟
لا، كان رد فعل المجتمع الدولي مُثيرا للشفقة. لقد آن الأوان لأن تشرع الدول والأمم المتحدة في توجيه اللوم بشكل واضح للإمارات بسبب دعمها لقوات الدعم السريع، وأن يُمارس عليها ضغط حقيقي وفعّال، ويجب فرض ضغط مباشر وقوي على الإمارات، كما يجب تطبيق حظر الأسلحة التابع للأمم المتحدة وتوسيعه ليشمل كامل السودان، إضافة إلى توسيع نظام العقوبات الخاص بدارفور بحيث يشمل البلاد بأكملها.

كيف تفسّرون استمرار المجتمع الدولي في الاكتفاء بإصدار البيانات بشأن تداعيات الأزمة السودانية؟
من المستحيل تفسير ذلك. لا يبدو أن أحدا مستعد لبذل رأس المال السياسي المطلوب للضغط على الأطراف المتحاربة وداعميها من أجل تغيير تكتيكاتهم. وفي الوقت نفسه، يدرك الجناة أنهم قادرون على المضي قدما في ارتكاب الانتهاكات دون أن يواجهوا أي عواقب تُذكر.

إلى أي درجة تتحمّل الدول الداعمة لقوات الدعم السريع، وخاصة الإمارات، المسؤولية المباشرة عن الانتهاكات في ضوء الأدلة الموثقة على نقل الأسلحة؟
جميع مَن يتغاضى عمّا تفعله الإمارات، وغيرها من الدول، في تمكين استمرار الفظائع يتحمّلون قدرا من المسؤولية عن الجحيم الذي يعيشه المدنيون في السودان، وإن عدم رغبة المجتمع الدولي في ممارسة الضغط الكافي على الإمارات بسبب دعمها لقوات الدعم السريع أمر مُحير للعقل، ويثير تساؤلات جدية حول دوافع هذا الصمت وتبعاته على استمرار المأساة.

كيف تُقيمون مسؤولية مجلس الأمن الدولي في هذا الإطار؟
هي ذات النقاط التي ذكرتها سابقا في جوهرها؛ فمجلس الأمن يحتاج إلى بذل جهد أكبر بكثير ممّا يقوم به حاليا. يجب عليه نشر بعثة ميدانية لحماية المدنيين، وينبغي أن يدعم الأمين العام للأمم المتحدة هذا التوجّه، وهو ما لم يفعله حتى الآن. كما يتعيّن على مجلس الأمن توسيع نظام العقوبات ليشمل كامل البلاد، وأن يكون أكثر حزما في تطبيقه.

ويجب على مجلس الأمن أيضا تفعيل حظر الأسلحة، وتنفيذه بصرامة، وتوسيعه ليشمل السودان بأكمله. إضافة إلى ذلك، من الضروري أن يمارس المجلس ضغطا حقيقيا على الإمارات بسبب دعمها لقوات الدعم السريع، وهو أمر لم يُقدّم بالشكل المطلوب حتى الآن.


ما الأدوات العملية المتاحة حاليا للأمم المتحدة لضمان حماية مئات الآلاف من المدنيين؟
مرة أخرى، الإجابة تكمن في ضرورة أن يستخدم مجلس الأمن الدولي والدول ذات النفوذ على أطراف النزاع كل الأدوات المتاحة لديهم للضغط على هذه الأطراف. يجب عليهم استخدام العقوبات بشكل أكثر عدوانية وفاعلية، كما ينبغي عليهم نشر بعثة ميدانية لحماية المدنيين على الأرض.

وعلى الدول الأعضاء أن تستخدم ما لديها من نفوذ وضغط مباشر على الأطراف المتحاربة لوقف ما تقوم به من انتهاكات. وإلى جانب ذلك، يجب محاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبوها، لضمان ألا تمرّ هذه الانتهاكات دون عقاب.

كيف يمكن سماع أصوات الضحايا والناجين بشكل فعّال داخل مجلس الأمن؟
لقد تم بالفعل سماع أصوات الضحايا والناجين إلى حدّ ما؛ فقد تحدّث عدد منهم أمام مجلس الأمن، لكن المجلس لم يقدّم الكثير على الإطلاق. نعم، عُقدت بيانات واجتماعات، لكن على مستوى الإجراءات الجوهرية والحقيقية، لم نشهد الكثير حتى الآن. كما أن معارضة الأمين العام لنشر بعثة مخصّصة لحماية المدنيين تُعدّ أمرا يصعب فهمه أيضا، وتُثير أسئلة حول جدّية المنظومة الدولية في التعامل مع حجم الكارثة الإنسانية.