مقابلات

الأسير المحرر أيهم كممجي لـ"عربي21": الأسرى يتعرضون لأقسى أنواع التنكيل

أيهم كمكجي أحد أعضاء عملية "نفق الحرية"- عربي21
قال الأسير الفلسطيني المحرر، أيهم كممجي في حوار خاص مع "عربي21"، إن أوضاع الأسرى في سجون الاحتلال كارثية، فهم يعانون أقسى الظروف، ويتعرضون لأشد أنواع التنكيل.

وأكد كممجي أن الأسرى محرومون من كافة حقوقهم داخل السجن، سواء من رعاية طبية أو طعام جيد، كما يتعرضون لاعتداءات متكررة، ومحرومون من زيارة أسرهم.

ولفت كممجي إلى أنه رغم هذه الظروف فإن معنويات الأسرى وخاصة أصحاب الأحكام العالية مرتفعة.

 
وتاليا نص الحوار كاملاً:
صف لنا مشاعرك حينما علمت أنك ضمن الأسرى المُفرج عنهم في صفقة التبادل؟
في الحقيقة أنا علمت بالأمر قبل تنفيذ الصفقة بيومين حينما تم استدعائي لمقابلة جهاز الشاباك الإسرائيلي، وتم إبلاغي بأنني مُبعد إلى قطاع غزة، بالطبع كانت فرحتي عارمة ولا تُصدق.

ولكن سرعان ما تبددت هذه الفرحة وانقلبت إلى حزن شديد وألم عظيم انتاب قلوبنا ومشاعرنا، وأنا هنا لا أتكلم باسمي فقط، بل أتكلم باسم جُل الأسرى الفلسطينيين من الذين وعوا حجم الكارثة التي وقعت على شعبنا، أطلقت عليها اسم الإبادة.

فشعبنا مر بالنكبة ثم النكسة وما مر به مؤخرا هو الإبادة الإسرائيلية للشعب الفلسطيني، حيث أن عدائهم ولؤمهم وحقدهم على هذا الشعب نزل على رؤوس الغزيين بمئات آلاف الأطنان، لدرجة أن الاحتلال تباهى بذلك الأمر، حيث وضع جدارية عملاقة في السجن أمام الأسرى، تُظهر الدمار الذي حدث وحل بغزة.

ما هي العملية التي أسرت بسببها، ومتى نفذتها؟
كنت أحد أعضاء الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي (سرايا القدس)، وبالتالي هي لم تكن عملية واحدة وإنما كان نشاط عسكري توالت فيه المهمات، حيث قمت بتنفيذ عدة عمليات عسكرية ضد الاحتلال الصهيوني.

وتنوعت هذه العمليات ما بين إطلاق نار وسيارات مُفخخة .. الخ، وأخر ما قمنا به هو عملية جهادية في عام 2006 خطفنا فيها طيار إسرائيلي لتنفيذ عملية تبادل أسرى مع الاحتلال.

لكن العملية لم تؤتي أكلها وثمارها كما خُطط لها، ما أدى لقتل هذا الطيار واسترجاع جثته من قبل الصهاينة ومن ثم تم اعتقالنا فيما بعد.


كيف هي أوضاع الأسرى في سجون الاحتلال؟
أوضاع الأسرى مريرة جدا، فهم حاليا يتعرضون لأقسى أنواع التنكيل وأعلى درجات الحرمان، الأسرى كان الله في عونهم وضعهم الصحي الآن سيء، فالأمراض تنهشهم خاصة الأمراض الجلدية، والتي أصابتهم لقلة النظافة، حيث يتعمد الاحتلال تقليل أدوات التنظيف.

كما يتعمد الاحتلال عدم منح الأسرى ما يلزمهم للنوم من فراش وأغطية، كما يقطع المياه الساخنة عنهم، لدرجة أنه كان فقط يسمح لنا بالتزود بالماء لمدة ساعة فقط في اليوم.

وفيها يجب أن يُنسق الأسير أمره بحيث يستخدم هذا الماء للشرب والاستحمام والوضوء ولقضاء الحاجات الأخرى، ما عاشه الأسرى وما زالوا يعيشونه شيء مؤلم وسيء وكارثي للغاية.

الوضع كان كارثي على كل الأصعدة، سواء من ناحية الطعام حيث يموت الأسرى جوعا، كذلك التعذيب الجسدي والروحي والنفسي والآلام التي يعانيها الأسرى ليلا ونهارا نتيجة الضرب المُبرح، أيضا الوضع كارثي من ناحية الإهمال الطبي.

أيضا يُعاني الأسرى من أعلى درجات الحرمان، فهم محرومين من كافة حقوقهم الخارجية، وأعني بالخارجية هنا زيارة الأهل أو زيارات الصليب الأحمر والمحامي.

وإن وُجد في بعض الأحيان زيارة للمحامي يقوم الاحتلال بتهديده - بأنه في حال أوصلت أي حديث بلغك به الأسير للعلن سواء للإعلام أو الأهل فإننا سنجردك من بطاقتك ونحرمك من تصاريح الزيارة ونُعمم أسمك على جميع السجون -.

الإرهاب الذي يُمارسه الصهاينة على الأسرى هو إرهاب مُنظم ومدروس ولا يأتي صدفة أو وفق اجتهادات مدير كل سجن على حدة، بل تشعر بأن كل السجون تعمل وفق الآلية نفسها.



كم قضيا في الأسر، وهل خضت خلالها إضراب عن الطعام؟
قضيت ما يُقارب العشرين عاماً إلا بضعة شهور، بالطبع الإضرابات فيها كانت كثيرة وأهمها إضراب (الكرامة) عام 2012 حيث أضربنا عن الطعام لمدة شهر تقريبا.

وهدفنا كان إعادة التعليم للأسرى، خاصة أن الصهاينة وإدارة السجن منعتهم من إكمال تعليمهم، أيضا كنا نهدف لإخراج أخوتنا من العزل، والذي أمضى فيه بعض الأسرى 11- 13 عاماً، منهم الأخوة محمود عيسى وحسن سلامة وغيرهم.

كما استهدفنا من إضرابنا كسر القرار الصهيوني الذي كان يمنع زيارة أهالي قطاع غزة لأبنائهم الأسرى، واستطعنا بحمد الله وبعونه تحقيق هذه الأهداف.


هل التقيت خلال وجودك في الأسرى قادة طوفان الأقصى مثل الشهيدين يحيى السنوار وصالح العاروري؟
نعم التقيت بهم حيث جمعنا سجن واحد، ولكن كانوا في قسم أخر غير الذي كنت فيه، لكن لم التق بهم وجها لوجه، لكنني التقيت بعض الأسماء التي كانت موجودة في غزة أثناء الطوفان.

كما التقيت وعشت مع بعض الأخوة الشهداء الذين قضوا نحبهم وسبقونا بإذن الله إلى جنات عرضها السماوات والأرض، أمثال أخي العزيز أحمد أبو جزر وآخرين من أبناء حركتي الجهاد الإسلامي وحماس الذين تم استهدافهم في بداية الحرب.

هناك من يتهم المقاومة بأنها جرت الخراب على قطاع غزة نتيجة لتنفيذها عملية طوفان الأقصى، ما رأيك بذلك؟
انا سأرد على هؤلاء بطرح سؤال واحد فقط عليهم، أريد منهم فقط ذكر ثورة واحدة القى خلالها أي احتلال الورود رداً على العمل المقاوم الذي يُنفذه الشعب الذي يرزح تحت الاحتلال، إن وجد مثال على ذلك سوف أبصم لهم بالعشرة بأن كلامهم صحيح.

خلال الفترة الماضية عرض إعلام الاحتلال فيديو يظهر فيه الوزير المتطرف بن غفير وهو يهدد ويتوعد الأسير مروان البرغوثي، أنت شخصيا هل التقيت خلال الأسر أحد قادة الاحتلال، وما الحديث الذي دار بينكم؟
بالتأكيد التقيت، أنا أول أسير أمني يقوم بزيارته مسؤول الشاباص أي إدارة السجون بجلها ويُسمى باللغة العبرية النتسيف أي (القائد الأعلى لمنظومة الشاباص) كوبي يعقوبي، حيث جاء بعد تسلمه لمنصبه بعدة أشهر لمقابلتي في سجن ريمون واقتحم مع الجنود زنزانتي، وكما تعلمون نحن في عزل انفرادي بعد عملية النفق.

حيث فوجئت في شهر رمضان بأنه يقتحم علي الزنزانة هو وثلة من ضباطه ومرافقيه، وكانوا يحملون بنادق M16، وقام الضباط بإشهار أسلحتهم علي، لدرجة أنني شعرت بأنهم سيقومون بقتلي في حال تحركت أي حركة.

وبدأوا يدفعوني إلى الجدار، عندها تلاسنت وإياهم، وقلت لهم إنكم تضربوني وتدفعوني بدون سبب ولم أفعل شيء، وجاء يعقوبي بنفسه هو ومدير سجن ريمون، أمنون يهابي وأبعدوا الضباط عني.

وقال يعقوبي لي، أنت أيهم كممجي الهارب، قلت له نعم، قال لي لماذا هربت، أجبته بأنني أسير فلسطيني ومن حقي أن أهرب من سجنك، فقال لي إن ما تمرون به الآن هو ما تستحقونه، فرددت عليه وقلت له بأنك جئت لتُسمعني الكلام الذي لا أريد أن أسمعه.

فقال لي المخطوفين في غزة أوضاعهم صعبة جدا جدا وانتم بسبب ذلك موجودين الآن هنا، قلت له أريد أن اسألك سؤال وأجبني عليه بصراحة، من هي الجهة الإسرائيلية المختصة بشؤون المخطوفين والبحث عنهم واسترجاعهم، فأجاب، طبعا الشاباك.

عندها قلت له هل صدر منه قرار أو بيان أو تقرير يوضح وضع المخطوفين، قال نعم، فسألته من أين عرفوا، هل وصلوا لأحدهم، أجاب بالنفي، فقلت له إذن هذا الكلام كذب.

وحاول بعدها التلاعب بي، وقال لي سوف أعمل على أن تكملوا بقية حياتكم بهذا الشكل، وهذا فقط ما تستحقونه، لكنني عندها تكلمت معه حول أوضاع الأسرى المرضى، وفي وقتها كنت أمر بوعكة صحية حادة جدا لدرجة خسارتي 17 كيلو من وزني خلال شهر واحد.

فقال لي هو ويهابي بأن خطأهم الوحيد بأنني منذ بداية الحرب ما زلت حياً، وأنهم كانوا يجب أن يستغلوا الفرصة التي سنحت لهم لاغتيالي فيها، فقلت له لو أنني أعلم أن الأمر بيدك لكنت عبدتك من دون الله، ولكن الأمر بيد الله، بالمحصلة هذا هو لسانهم وتهديدهم وديدنهم وحالهم، الإرهاب الجسدي والنفسي.


فيما يخص ما حدث مع الأخ مروان البرغوثي فهو كان في الزنزانة التي بجانب زنزانتي بالضبط، ولذلك أخبرني بما جرى بمقابلته مع بن غفير وتفاصيل الاعتداء عليه ومحاولة اغتياله.

تعرض للاعتداء بعد المقابلة بعدة أيام من قبل أفراد وحدة "نحشون" الإسرائيلية، حيث باغته ثمانية منهم وقاموا بمحاكمته ميدانيا، ثم قاموا بالدعس عليه بأحذيتهم العسكرية، ودخل نتيجة هذا الاعتداء في غيبوبة لمدة ثلاث ساعات، وتم إسعافه وتزويده بالمحاليل الطبية، طبعا نتج عن هذا الاعتداء أيضا كسر خمسة أضلاع في صدره ناهيك عن الكدمات والجروح.

طبعا دخول بن غفير عليه كان للاستعراض لأن هذا الرجل مريض إعلام يحب الشهرة، وقال للبرغوثي أنت تستحق أن يتم إعدامه بالكرسي الكهربائي، ليرد عليه الأخ مروان أن هذا الأمر ليس بيدك فعله، عندها توعده بن غفير في حال لم يتم إبعاده لغزة بأن يتم إعدامه كهربائيا.



على ذكر مروان البرغوثي وبقية قادة الحركة الأسيرة الموجودين بالعزل، كيف هي معنوياتهم، هل يبدو عليهم الانكسار أو القبول بالأمر الواقع؟

 لا المعنويات عالية، مثلا كنت بنفس الزنزانة مع الأسير عباس السيد، هو يبلغ من العمر 60 عاما، لكن حينما أشاهده كنت أرى جبلاً أشم شامخ، لدرجة في بعض الأحيان كنت أقول فيها هل يُعقل أنه يتصنع ذلك، وهل يُعقل أن هذا الرجل المريض وقلبه لا يكاد يحتمل القهر الذي نعيشه أنه بهذه الدرجة من القوة المعنوية.

الفلسطيني داخل الأسر مُجبر أن يبقى ذا روح عالية وسامية لا تعرف الأرض، لأنها إن عرفت الأرض وسكنتها فإنها ستخلد إليها وسينهار هذا الجسد، بالطبع لا يمكن إخفاء تعب أجساد الأسرى شبه المنهارة لدرجة أن معظم الأسرى يصلون جلوساً.

أيضا كمية الطعام المُقدم للأسير لا تنفع جسده ولا تكفي لتزويد جسمه بربع الطاقة التي يحتاجها، على سبيل المثال كان من المفترض أن يُقدم لنا وفق القوائم التي كتبها الشاباص مثلا 100 غرام من الحمص و100 طحينية، لكن فعليا كنا نؤخذ فقط 10- 15 غرام.

حيث كان السجان يضع الحمص مثلا بنصف معلقة فقط لدرجة أنه يضربها بالصحن حتى ينزل الحمص منها، رغم ذلك كانت الروح هي التي ترفع الجسد وتسمو به، وكان الذي يحيينا الأمل بأنه رغم مرور الأيام بإذن الله الصفقة قادمة.

سألت مرة عباس السيد وقلت له، تخيل لو لم نخرج بصفقة التبادل كيف سيكون شعورك، قال لي والله لن يزيد في شعوري بالأمل شيء ولن ينقصه شيء، فقلت له لكن عند حدوث الصفقة لن يبقى أسرى إسرائيليين لمبادلتنا بهم.

فرد علي بسؤالي، من يُخرجنا من السجن حماس والجهاد الإسلامي أم خالقهم، فقلت له خالقهم، فقال لي هل هناك فصيل فلسطيني قادر أن يخرجنا بدون إرادة الله، فقلت له بالتأكيد لا، فرد علي بالقول، إذن نحن أمرنا عند رب العالمين.

فرددت عليه وقلت له، هل تستطيع أن تمضي 20 عاما أخرى في السجن، فرد علي وقال، لو مُت بالسجن فذلك فخري وشرفي بأني قضيت في سبيل القضية الفلسطينية التي أُؤمن بها.

ماذا تقول للشعب الفلسطينية والعالم عن قضية الأسرى، وما المطلوب منهم؟
سوف استعين بقوله تعالى "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ۝ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا"، وأنا أقول كل نفس تحيا في هذا الزمان ورأت ما حدث في غزة تعرف تقواها وتعرف ما يجب أن تقوم به وتعرف حق الشعب الفلسطيني عليها، وبالتأكيد الجميع مُطالب بأن يدعم الشعب الفلسطيني بكل وسيلة قادر أن يوفرها.

ختاماً، ماذا تقول لأهالي قطاع غزة؟

قلتها سابقا وسأقولها مرة أخرى، أن من يجزيهم حقهم فقط هو رب العالمين، لا يمكن لأي مُبدع (شاعر، كاتب، روائي) أن يأتي بجملة أو عبارة تُعطي أهل غزة حقهم أو تعرفك بحقهم، فالصمت في حضور العظماء أبلغ.

أقول لأهل غزة في حضرة العظماء قل كلامي فهل سيجزي فعلكم أقلامي، لا والله.