تجدّدت، صباح السبت، المعارك العنيفة في
السودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، بعدما شنّت الأخيرة هجمات
متزامنة على مدينة
الفاشر بولاية شمال دارفور ومدينة بارا في ولاية شمال كردفان،
في أحدث تصعيد ميداني يشهده غرب البلاد منذ أسابيع.
ووفقاً لمصادر ميدانية وشهود عيان نقلت عنهم
وكالة الأناضول، فقد هاجمت قوات الدعم السريع مواقع للجيش السوداني في الفاشر
باستخدام طائرات مسيّرة ومدفعية ثقيلة ومركبات قتالية، في محاولة لاختراق خطوط
الدفاع داخل المدينة التي تخضع لحصار خانق منذ عدة أشهر.
وبثّ جنود من القوات المسلحة السودانية
مقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي أكدوا فيها تصديهم للهجوم وإجبار
المهاجمين على التراجع، دون الكشف عن تفاصيل بشأن حجم الخسائر البشرية أو المادية.
كما شنت "الدعم السريع" هجوماً
آخر على مدينة بارا بولاية شمال كردفان، مستخدمة أسلحة ثقيلة ومدافع ميدانية، وفق
شهود عيان، وسط انقطاع الاتصالات وصعوبة الحصول على معلومات دقيقة من الميدان.
وحتى الساعة التاسعة صباحاً (ت.غ)، لم يصدر أي تعليق رسمي من الطرفين بشأن
التطورات الجديدة.
ويأتي الهجوم بعد يومين فقط من إعلان الجيش
السوداني إفشال محاولة اقتحام واسعة للفاشر عبر خمسة محاور، قال إنها نُفذت
بمشاركة "مرتزقة أجانب" قدموا من عدة دول مجاورة، في حين تتهم قوات
"الدعم السريع" الجيش باستخدام الطيران الحربي لاستهداف مناطق مدنية
داخل دارفور.
وتُعدّ الفاشر آخر المدن الكبرى في إقليم
دارفور التي لا تزال تحت سيطرة الجيش السوداني، وتتمتع بأهمية استراتيجية كونها
مركزاً رئيسياً لعمليات الإغاثة والبعثات الإنسانية في الإقليم. ومنذ العاشر من
مايو/أيار الماضي، تفرض قوات "الدعم السريع" حصاراً مشدداً على المدينة،
ما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية ونقص حاد في الغذاء والدواء والوقود.
وتحذر الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة دولية من
أن الوضع في الفاشر بات "كارثياً"، مع تصاعد الهجمات وعرقلة وصول
المساعدات الإنسانية، في ظل استمرار النزوح الجماعي من القرى المحيطة بالمدينة.
وفي سياق متصل، تتواصل التحركات الدبلوماسية
السودانية في الخارج لبحث سبل إنهاء الحرب، حيث تجري في العاصمة الأمريكية واشنطن
جولة جديدة من المشاورات السياسية بين حكومة السودان والإدارة الأمريكية، يقودها
وزير الخارجية محي الدين سالم.
وفي هذا السياق، كتب الكاتب والإعلامي
السوداني الهندي عزالدين على منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، قائلاً: "مفاوضات
حكومة السودان الجارية حالياً في واشنطن بقيادة وزير الخارجية محي الدين سالم مع
كفيلة الكفلاء (الإدارة الأمريكية) هي المسار السياسي الصحيح لإنهاء الحرب في
السودان. المسار الثنائي (السودان ـ الولايات المتحدة) يلغي الرباعية، ويختصر
الوسطاء ويصل للنهايات الحاسمة سريعاً".
وأضاف عزالدين أن المسار الموازي للحوار مع
الإمارات، بوصفها "كفيل التمرد" حسب تعبيره، يمثل "جزءاً مكملاً"
للمسار الأمريكي، مؤكداً أن الوزير سالم "أفضل من يحاور الإمارات، فقد خدم
السودان سفيراً لديهم لسنوات".
وختم بالقول إن "ما يجري في واشنطن
إيجابي واستراتيجي، أما العودة إلى جدة فتعني الانتكاسة وعودة شرعية التمرد".
ويأتي هذا الحراك السياسي بالتوازي مع
استمرار المعارك الميدانية، في وقت يرى فيه مراقبون أن التحول نحو مفاوضات مباشرة
بين الخرطوم وواشنطن قد يشير إلى محاولة لتجاوز المبادرات الإقليمية السابقة، وعلى
رأسها مسار جدة الذي رعته السعودية والولايات المتحدة، لكنه تعثّر في تحقيق أي
اختراق ملموس منذ منتصف العام الماضي.
ومنذ اندلاع الحرب في 15 أبريل/نيسان 2023
بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو
(حميدتي)، يعيش السودان واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث، إذ
قُتل نحو 20 ألف شخص وتشرد أكثر من 15 مليوناً بين نازح ولاجئ، بحسب تقديرات
أممية، بينما تشير دراسات مستقلة إلى أن العدد الحقيقي للضحايا قد يتجاوز 130
ألفاً.