كتاب عربي 21

بعد اتفاق غزة وقمة شرم الشيخ: القضية الفلسطينية والموجة الترامبية الجديدة إلى أين؟

"الحطورة الكبيرة في المشروع الترامبي الجديد أنه يعطي الكيان الصهيوني الحق في السيطرة على مناطق جديدة"- البيت الأبيض
بعد عامين على معركة طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تم التوصل إلى اتفاق لوقف العدوان الإسرائيلي برعاية أمريكية- مصرية- قطرية- تركية، ومن خلال الدور المباشر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي حرص على رعاية الاتفاق من خلال زيارته للكيان الصهيوني وإلقاء كلمة في الكنيست الإسرائيلي، ومن ثم المشاركة في قمة شرم الشيخ بحضور رؤساء وممثلين لعشرين دول عربية وإسلامية.

كل هذه التطورات تؤكد أن القضية الفلسطينية دخلت مرحلة جديدة في المرحلة المقبلة في ظل استعادة مشروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل عقد اتفاقيات أبراهام، أو ما يسميها التسوية الشاملة في المنطقة ووقف الحروب والصراع، وفي ظل الادعاءات التي أطلقها خلال كلمته في الكنيست الإسرائيلي بأنه تم تدمير المشروع الإيراني النووي والقضاء على قوى المقاومة في المنطقة.

هل ستنجح الموجة الترامبية الجديدة بفرض تسوية شاملة في المنطقة ووقف الحروب وإنهاء القضية الفلسطينية؟ وما هي خيارات قوى المقاومة في المرحلة المقبلة؟

فكيف يمكن أن نقرأ التطورات التي حصلت خلال عامين من معركة طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وكل الحروب والصراعات التي شهدتها المنطقة وشهدها العالم خلال هذين العامين؟ وهل ستنجح الموجة الترامبية الجديدة بفرض تسوية شاملة في المنطقة ووقف الحروب وإنهاء القضية الفلسطينية؟ وما هي خيارات قوى المقاومة في المرحلة المقبلة؟

كل هذه الأحداث كانت محور نقاشات وحوارات في العديد من المؤتمرات والندوات التي عقدت مؤخرا في أكثر من عاصمة عربية وغربية، ومنها على سبيل المثال المؤتمر المهم الذي عقدته مؤسسة الدراسات الفلسطينية بالتعاون مع جامعة القديس يوسف ومؤسسات أخرى، والذي استمر لعدة أيام وعقدت جلساته في بيروت ورام الله ومدن أخرى، وشارك فيه عدد كبير من المفكرين والكتاب والأكاديميين اللبنانيين والعرب والفلسطينيين، وقُدّمت فيه قراءات معمقة لمعركة طوفان الأقصى ونتائجها.

كما أقام معهد الدراسات الدولية في بيروت بالتعاون مع منتدى مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني لقاء حواريا حول اتفاق غزة ومستقبل الصراع مع العدو الصهيوني، وبدأت العديد من مراكز الدراسات والأبحاث التحضير لعقد ورش حوارية لتقييم ما جرى ووضع الخطط للمرحلة المقبلة.

وفي خلاصة الحوارات والنقاشات التي جرت والتي تشكل بداية لحوارات معمقة في المرحلة المقبلة، فإننا اليوم أمام مرحلة جديدة في الصراع العربي- الإسرائيلي، وأن معركة طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة وتداعياتها في كل المنطقة تركت وستترك انعكاسات مهمة، سواء داخل الكيان الصهيوني أو على صعيد قوى المقاومة أو مستقبل الصراع مع العدو الصهيوني.

وتعتبر بعض الأوساط المتابعة للصراع العربي- الإسرائيلي أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يحاول اليوم فرض سردية جديدة للصراع، بعد أن أدت معركة طوفان الأقصى لإنهاء السردية الإسرائيلية القديمة ودفعت الأوساط الدولية لتبني السردية الفلسطينية وبروز عزلة كبيرة للكيان الصهيوني في العالم، وهذا ما برز خلال إلقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كلمته في الأمم المتحدة وخروج معظم ممثلي الدول من قاعة الأمم المتحدة، وفي المقابل الدعم الكبير لقيام الدولة الفلسطينية والحراك الدولي الداعم للشعب الفلسطيني.

وفي مقابل هذه التغيرات الدولية يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، انطلاقا من اتفاق غزة ووقف الحرب وقمة شرم الشيخ وفي كلمته أمام الكنيست الإسرائيلي، الادعاء بأن قوى المقاومة فشلت وخسرت الحرب وأنه تم توجيه ضربة قاسية لمحور المقاومة وعلى رأسه إيران، وأنه حان الوقت للذهاب إلى تسوية شاملة في المنطقة من خلال مشروع اقتصادي كبير، لكن الخطورة الكبيرة في المشروع الترامبي الجديد أنه يعطي الكيان الصهيوني الحق في السيطرة على مناطق جديدة في كل المنطقة وعدم الاكتفاء بالحدود الحالية، وهذا يعني تكريس الاحتلال للضفة الغربية والجولان ومناطق في لبنان وسوريا، مع مكانية التوسع إلى دول أخرى لأنه اعتبر أن مساحة إسرائيل اليوم غير كافية.

والمشروع الترامبي الجديد يحمل في داخله تناقضات كبيرة، فمن جهة يعلن أنه يريد السلام ووقف الحروب في المنطقة، ومن جهة أخرى يقدم كل أشكال الدعم للكيان الصهيوني في الحروب التي خاضها ويخوضها، وفي ظل إعلان نتنياهو عن العمل لقيام مشروع إسرائيل الكبرى، وهذا يتناقض مع الدعوة لقيام دولة فلسطينية أو اقامة تسوية كبرى في المنطقة، وهو يعتبر أنه تم سحق قوى المقاومة وأنه تم توجيه ضربة قاسية لإيران وأنه ليس أمام إيران خيار سوى العودة إلى المفاوضات والانخراط في مشروع التسوية.

الصراع سيستمر بأشكال جديدة وسنكون في المرحلة المقبلة أمام متغيرات كبرى تفرض على الجميع إعادة النظر بما جرى ووضع رؤية جديدة للمواجهة، والأهم اليوم عدم السقوط أمام الموجة الترامبية الجديدة، والبحث في كيفية قيام مشروع عربي إسلامي إنساني وعالمي لمواجهة هذه الحرب القاسية

كل هذه التطورات ستضع قوى المقاومة في المنطقة أمام تحديات كبيرة في كيفية مواجهة الموجة الترامبية الجديدة وكيفية استنهاض قواها بعد هذه الحرب القاسية التي خاضتها على عدة جبهات، مع الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي نشهد فيها موجة أمريكية لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي وتصفية القضية الفلسطينية والدعوة لمشاريع السلام المختلفة.

فخلال السنوات الأربعين الماضية شهدنا العديد من المؤتمرات والمبادرات العربية والدولية والاتفاقيات مع الكيان الصهيوني، ومنها اتفاقية كامب ديفيد ومؤتمر مدريد واتفاقية وادي عربة واتفاقية أوسلو وصفقة القرن واتفاقية 17 أيار ومبادرة السلام العربية، وغيرها من الاتفاقيات وموجات التفاوض، وبدلا من أن تؤدي كل هذه المبادرات والاتفاقيات إلى إنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي وتصفية القضية الفلسطينية؛ ها نحن نشهد اليوم أن هذا الصراع مستمر على كل الجبهات، وأن القضية الفلسطينية تزداد حضورا، وأنه رغم التفوق العسكري والتقني للكيان الصهيوني والدعم الأمريكي المطلق له فهو يواجه أزمات عديدة داخليا وخارجيا.

كل هذه المعطيات تفرض على قوى المقاومة إعادة تقييم المتغيرات والتطورات التي حصلت، وعدم الاستسلام للموجة الترامبية الجديدة والبحث عن كيفية مواصلة المقاومة حتى تحقيق الأهداف المطلوبة بقيام دولة فلسطين الحقيقية وإنهاء هذا الكيان الصهيوني، لأن الصراع سيستمر بأشكال جديدة وسنكون في المرحلة المقبلة أمام متغيرات كبرى تفرض على الجميع إعادة النظر بما جرى ووضع رؤية جديدة للمواجهة، والأهم اليوم عدم السقوط أمام الموجة الترامبية الجديدة، والبحث في كيفية قيام مشروع عربي إسلامي إنساني وعالمي لمواجهة هذه الحرب القاسية التي شُنت وتشن على الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة.

x.com/kassirkassem