في شهر ربيع الأول من العام الهجري في كل
عام يحتفل
المسلمون في ذكرى ولادة الرسول
محمد (ص) وفي بعض الرويات أن ولادته كانت
في الثاني عشر من ربيع الأول، في حين أن روايات أخرى أشارت إلى أن ولادته في
السابع عشر من ربيع الأول، ومن أجل تجاوز هذا الخلاف التاريخي انطلقت الدعوات قبل أربعين
سنة تقريبا من الجمهورية الإسلامية الإيرانية لاعتبار المدة ما بين الثاني عشر
والسابع عشر من ربيع الأول أسبوعا للوحدة الإسلامية، حيث تقام المؤتمرات
والاحتفالات والندوات والأنشطة المشتركة في كل الدول العربية والإسلامية .
لكن أين أصبحت التجارب الوحدوية الإسلامية
اليوم؟ وهل حققت هذه التجارب أهدافها بعد حوالي المائة عام من انطلاقتها في بدايات
القرن العشرين؟ وأين المشاريع الإسلامية الوحدوية قي مواجهة التحديات الكبرى التي
يواجهها المسلمون اليوم ولا سيما في فلسطين المحتلة وعودة الكيان الصهيوني لتبني
مشروع إسرائيل الكبرى والتي تضم العديد من الدول العربية وقد تصل إلى بعض الدول الإسلامية
أيضا؟.
من أجل معرفة دور المشاريغ الوحدوية الإسلامية اليوم في مواجه المشروع الإسرائيلي ـ الأمريكي والغربي، لا بد من قراءة نقدية سربعة للتجارب الوحدوية التي عاشها العرب والمسلمون منذ بداية القرن العشرين إلى اليوم، ولا سيما بعد سقوط وانهيار الخلافة الإسلامية ونهاية الحكم العثماني.
من أجل معرفة دور المشاريغ الوحدوية الإسلامية
اليوم في مواجه المشروع الإسرائيلي ـ الأمريكي والغربي، لا بد من قراءة نقدية
سربعة للتجارب الوحدوية التي عاشها العرب والمسلمون منذ بداية القرن العشرين إلى
اليوم، ولا سيما بعد سقوط وانهيار الخلافة الإسلامية ونهاية الحكم العثماني .
فمع بروز بعض المؤشرات على الخلل الكبير
الذي أصاب السطنة العثمانية مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بدأت
تبرز دعوات جديدة لإصلاح واقع العالم الإسلامي ومن أجل
الوحدة في مواجهة الاستعمار
الغربي والمشروع الصهيوني ومنها دعوات شكيب أرسلان وجمال الدين الأفغاني والشيخ
محمد عبدة وعبد الرحمن الكواكبي والشيخ أمين الحسيني وعز الدين القسام وغيرهم من
العلماء والمفكرين والمصلحين والمجاهدين، لكن كل هذه الدعوات فشلت وسقطت الخلافة
العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى وسيطر الانتداب الفرنسي والإنجليزي على
المنطقة وتم الإعلان عن وعد بلفور لقيام الكيان الصهيوني، ولاحقا بدأت تنشأ
الحركات الإسلامية لمواجهة كل هذه التطورات وكان أبرزها حركة الإخوان المسلمين،
ومن ثم بدأت الدعوات للوحدة الإسلامية وإقامة المؤتمرات الإسلامية الوحدوية وأهمها
المؤتمر الإسلامي قي مكة في العام 1925 ومن ثم المؤتمر الإسلامي قي القدس قي العام
1931، كما عقدت مؤتمرات إسلامية في دول عربية وإسلامية ، وكانت القضية الفلسطينية
هي الشغل الشاغل للمسلمين إضافة لتوحيد الجهود الإسلامية ومواجهة الخلافات
المذهبية ومواجهة الاستعمار .
وخلال حوالي المائة عام تقريبا برزت عشرات
المحاولات الفكرية والسياسية لتوحيد كلمة المسلمين ومعالجة الخلافات المذهبية
وتوحيد الكلمة في مواجهة الاحتلال الصهيوني لفلسطين والهيمنة الغربية على بلادنا،
وهناك جهود بذلها علماء مسلمون ومرجعيات دينية ومؤسسات إسلامية عبر الحوارات
والكتب والدراسات، وهناك جهود مشتركة ومنها إنشاء مؤسسة التقريب بين المذاهب الإسلامية
في مصر في العام 1947 والتي أصدرت مجلة رسالة الإسلام والتي ضمت أبحاثا وحدوية
مهمة وقد عمد الأزهر الشريف في مصر لإعادة طباعة أعداد المجلة مؤخرا، واستمرت هذه
المؤسسة حتى العام 1979 عند انتصار الثورة الإسلامية في إيران
.
كما نشأت منظمة المؤتمر الإسلامي والتي أصبح
اسمها منظمة التعاون الإسلامي وأنشات إطارا إسلاميا وحدويا وإن كانت ركزت على
الجانب السياسي مع بعض الاهتمام الثقافي والفقهي، وأنشات إيران مجمع التقريب بين
المذاهب الإسلامية وبرز في لبنان تجمع العلماء المسلمين في العام 1982 وأنشا
العلامة الشيخ يوسف القرضاوي في العام 2004 الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين،
وبرز أيضا مجلس حكماء المسلمين في الإمارات العربية المتحدة ومنتدى الوحدة الإسلامية
في لندن وهو يضم شخصيات فكرية وحركية إسلامية، كما نشأت منتديات ومؤسسات تدعو
للتكامل الإقليمي والحوار العربي ـ التركي ـ الإيراني ـ الكردي.
وعقدت خلال الخمسين سنة الماضية عشرات مئات
المؤتمرات الوحدوية والفكرية الإسلامية في العديد من الدول العربية والإسلامية
وكذلك في أوروبا وأمريكا وهي تحتاج لدراسات مفصلة وتوثيقية، وكما صدرت آلاف الكتب
التي تدعو للوحدة وتعالج القضايا الخلافية في مواجهة الكتب والمحاولات الهادفة لإثارة
الفتنة والخلافات المذهبية.
الوحدة أو التعاون أو التكامل والاعتراف بالتنوع بين المسلمين وبين العرب وبين كل مكونات الأمة هي أبسط قواعد النصر والنجاح وأن كل الطرق تصل إلى الله وأن عدد الطرق إلى الله كعدد أنفاس البشر وفقا لبعض المقولات الفكرية والفلسفية، وعلى ضوء ذلك نستطيع تجاوز الخلافات المذهبية ونبني دولنا وأمتنا على أسس سليمة، ويصبح الخلاف الفقهي أو الفكري مصدرا للغنى والقوة بدلا من أن يكون سببا للفرقة والصراع .
لكن رغم كل تلك الجهود الفكرية والسياسية
الوحدوية فإن الخلافات بين المسلمين لا تزال قائمة ومستمرة، إما لأسباب سياسية أو
لأسباب فقهية وعقائدية وتاريخية ومصلحية وكلما برز خلاف سياسي في إحدى الدول أو بين
دولتين يتم استعادة الخلافات المذهبية والقومية.
والتجربة الإسلامية الوحدوية الأهم تمثلت في
مقاومة الاستعمار الغربي والمشروع الصهيوني ولا سيما بين قوى المقاومة في لبنان
وفلسطين وفي بعض دول المنطقة، فكلما توحدت الجهود لمواجهة المشروع الصهيوني أو
مواجهة الهيمنة الغربية كلما توحدت الأمة وابتعدت عن الخلاف المذهبي أو العقائدي أو
السياسي، والعكس صحيح كلما ابتعدت الأمة عن مواجهة مشروع الهيمنة أو المشروع
الصهيوني وانشغلت بالخلافات والصراعات السياسية أو الصراع على السلطة كلما عاد
الخلاف المذهبي والعقائدي .
نحن اليوم بحاجة إلى قراءة نقدية شاملة لكل
التجارب الوحدوية وصولا لقيام دولة المواطنة القائمة على الاعتراف بالتعددية
الفكرية والعقائدية والمذهبية، وأن لا يكون الخلاف المذهبي أو الديني أو القومي
سببا للصراعات والحروب، وهذا يتطلب مقاربة جديدة لواقعنا العربي والإسلامي وإعادة
تحديد الأولويات وكيفية تجاوز الخلافات التاريخية.
الوحدة أو التعاون أو التكامل والاعتراف
بالتنوع بين المسلمين وبين العرب وبين كل مكونات الأمة هي أبسط قواعد النصر
والنجاح وأن كل الطرق تصل إلى الله وأن عدد الطرق إلى الله كعدد أنفاس البشر وفقا
لبعض المقولات الفكرية والفلسفية، وعلى ضوء ذلك نستطيع تجاوز الخلافات المذهبية
ونبني دولنا وأمتنا على أسس سليمة، ويصبح الخلاف الفقهي أو الفكري مصدرا للغنى
والقوة بدلا من أن يكون سببا للفرقة والصراع .
فهل نتعلم من تجاربنا ونوحد صفوفنا في
مواجهة مشروع إسرائيل الكبرى أو نغرق مجددا في الصرعات المذهبية والتاريخية
والسياسية؟
@kassemkassir