كتاب عربي 21

في ظل استمرار حرب الإبادة على غزة: أي عالم يتشكل اليوم؟

"لم تنجح المؤسسات الدولية في وقف حرب الإبادة والتجويع أو تقديم الدعم الحقيقي للشعب الفلسطيني"- جيتي
لا تزل حرب الإبادة والتجويع مستمرة على قطاع غزة، بعد فشل العدو الإسرائيلي في تحقيق أهدافه المباشرة وغير المباشرة ومنها استعادة الأسرى الصهاينة والقضاء على المقاومة وتهجير الشعب الفلسطيني، رغم كل الدمار الذي حصل في القطاع ورغم العدد الكبير من الشهداء والجرحى وتدمير كل البنى التحتية في القطاع من مدارس ومستشفيات ومساجد وكنائس وعمليات التجويع والإبادة المنظمة.

وها نحن نشهد موجة جديدة من حرب الإبادة والتدمير والإعلان عن الذهاب إلى احتلال عسكري كامل للقطاع بدعم أمريكي صريح، مما يعني المزيد من الشهداء والجرحى والتدمير.

وفي مواجهة ذلك تستمر المقاومة في عملياتها رغم الظروف الصعبة التي تواجهها والضغوط التي تتعرض لها، وقد مر على الحرب أكثر من سنة وعشرة أشهر وسندخل بعد أسابيع قليلة الذكرى السنوية الثانية لمعركة طوفان الأقصى والحرب على القطاع.

ليس من المبالغة اليوم الحديث عن عالم جديد يتشكل بسبب معركة طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة، ففي كل يوم نشهد تطورات جديدة على صعيد القضية الفلسطينية وصورة الكيان الصهيوني في العالم والتطورات الإقليمية والدولية

فأي عالم جديد يتشكل اليوم من جراء هذه المعركة الكبرى التي يخوضها الشعب الفلسطيني ومن يدعمه من شعوب العالم؟ وإلى أين نحن متجهون في المرحلة المقبلة؟

ليس من المبالغة اليوم الحديث عن عالم جديد يتشكل بسبب معركة طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة، ففي كل يوم نشهد تطورات جديدة على صعيد القضية الفلسطينية وصورة الكيان الصهيوني في العالم والتطورات الإقليمية والدولية، ورغم وجود صراعات أخرى تشغل العالم اليوم ومنها الحرب في أوكرانيا وما يقوم به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من إجراءات اقتصادية والأحداث في سوريا، تبقى القضية الفلسطينية والحرب على قطاع غزة هي الحدث الأبرز الذي يشغل العالم اليوم.

ومن أبرز تداعيات هذه الحرب حول مستقبل القضية الفلسطينية وعلى صعيد الكيان الصهيوني ومستقبل العالم يمكن تسجيل بعض المؤشرات الجديدة:

أولا: ازدياد الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية سواء على مستوى الدول والحكومات أو على صعيد الشعوب، ونحن نشهد موجة جديدة من الدعوات الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية وحل الدولتين بغض النظر عن مدى القدرة على تطبيق هذا الحل عمليا، وبموازاة ذلك يستمر الحراك الشعبي العالمي بأشكال مختلفة دعما للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، رغم كل الضغوط والتهديدات والمضايقات التي يواجهها المتضامنون مع الشعب الفلسطيني في العالم.

ثانيا: تراجع صورة الكيان الصهيوني في العالم إلى أسوأ صورها، وهذا ما تؤكده وسائل الإعلام الإسرائيلية والعديد من الشخصيات الإسرائيلية الاعلامية والدبلوماسية. وقد نقلت صحيفة "يـديـعـوت أحرونوت" عن مسؤولين في الخارجية الإسرائيلية: "وضعنا في الساحة الإعلامية العالمية لم يكن بهذا السوء من قبل- نحن غائبون سياسيا عن الإعلام- لا يوجد صوت إعلامي إسرائيلي والجميع ضدنا- هناك شعور بأن سفاراتنا في العالم استسلمت للوضع السيئ الذي نشهده".

وفي تقرير لصحيفة معاريف عن فشل الحكومة الإسرائيلية على الصعيد الدبلوماسي والإعلامي، أشارت إلى أن سياسة القوة المتّبعة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 تجاه غزة تجاهلت تحذيرات دولية ورأي شعوب أخرى، مما أغرق إسرائيل في أزمة دبلوماسية حقيقية لا يمكن للهسبرا (أي الدبلوماسية العامة) وحدها علاجها.  فالجوع المتزايد في غزة يعكس ما أسماه "ضميرنا الذي جفّ". والسؤال الأهم: هل يمكن تدارك ما حدث؟ ليس عبر خطاب أو تعيين متحدث جديد، بل عبر سياسة تأخذ بالحسبان وجود بشر -نساء، أطفال، وشيوخ- يتضررون من السياسة المتّبعة، وليسوا جزءا من حماس.

هذه نماذج مما ينشر في الصحف الإسرائيلية، وهناك نماذج كثيرة من مقالات وكتب ودراسات ومواقف عالمية تؤكد أن الكيان الصهيوني يعيش أسوأ أيامه على الصعيد الدولي.

ثالثا: دور المنظمات الدولية وواقع النظام الدولي اليوم: لقد كشفت الحرب على قطاع غزة الأزمة الكبيرة التي تواجهها المؤسسات والمنظمات الدولية، والتي نشأت منذ الحرب العالمية الثانية إلى اليوم بهدف حماية السلم العالمي ومواجهة الجوع وتأمين التنمية والعدالة، ولم تنجح هذه المؤسسات في وقف حرب الإبادة والتجويع أو تقديم الدعم الحقيقي للشعب الفلسطيني، مما يضعها أمام مأزق كبير، كما أن النظام الدولي القائم اليوم يواجه تحديات كبيرة في ظل الهيمنة الأمريكية وعدم قيام عدالة دولية حقيقية أو توازن دولي عالمي، مما سيفرض تحديات جديدة أمام دول العالم للذهاب إلى نظام جديد عاجلا أو أجلا.

كل هذه التطورات تؤكد أن الحرب على غزة ستصنع عالما عربيا وإسلاميا جديدا لا يمكن تحديد أُفقه اليوم، وهو مفتوح على كل الاحتمالات والتوقعات

رابعا سقوط الحضارة الغربية بأبعادها الفكرية والثقافية والإنسانية والمفاهيمية، فرغم استمرار التقدم التكنولوجي والعسكري والاقتصادي الغربي، فكل ما قدمته هذه الحضارة من مفاهيم حول حقوق الإنسان والحريات وحماية الشعوب والعدالة والإنسانية والديمقراطية قد سقط أمام آلام وجوع أبناء قطاع غزة والشعب الفلسطيني في ظل دعم غربي لهذه الحرب والفشل في إيقافها، وعلى ضوء ذلك ستكون هناك أسئلة كثيرة حول هذه الحضارة ومستقبلها وأي مشروع بديل عنها.

خامسا: التغيرات في العالم العربي والإسلامي وما شهدناه من تطورات خلال السنتين الماضيتين من تطورات سياسية وعسكرية وحرب إسناد، والعدوان على لبنان، والحرب الإسرائيلية الأمريكية على إيران، والتطورات في سوريا، ودور اليمن، وما تواجهه الأنظمة العربية والإسلامية من تحديات وأسئلة حول دورها ومستقبلها في ظل الادعاء الصهيوني الأمريكي بإقامة نظام شرق أوسط جديد، والمخاوف من الذهاب إلى تقسيم الدول العربية والإسلامية إلى دويلات طائفية، ومذهبية وتزايد الهيمنة الصهيونية.. كل هذه التطورات تؤكد أن الحرب على غزة ستصنع عالما عربيا وإسلاميا جديدا لا يمكن تحديد أُفقه اليوم، وهو مفتوح على كل الاحتمالات والتوقعات.

وفي خلاصة هذا التقييم المكثف لتداعيات معركة طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة، يمكن أن نؤكد أننا أمام عالم جديد يتشكل لا نستطيع اليوم تحديد معالمه وأفقه ومستقبله، لكن من الواضح أن القضية الفلسطينية هي محور الصراع في المنطقة والعالم اليوم، ومستقبل هذه الحرب سيؤدي لتشكل عالم جديد لا يمكن تحديد طبيعته اليوم.

x.com/kassirkassem