قضايا وآراء

قمة شرم الشيخ: حظوظ صنع السلام وتحدياته

"تحديات أخرى لا تقل أهمية، تتعلق بالتمويل والإعمار وإعادة الحياة إلى طبيعتها في قطاع غزة، الذي دُمر بالكامل"- جيتي
تنعقد قمة شرم الشيخ في أعقاب اتفاق مبدئي على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، بوساطة كل من مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية، وبمباركة وحضور أكثر من عشرين دولة، ومنظمات دولية في مقدمتها الأمم المتحدة. وإن التئام القمة يوم الاثنين (13 تشرين الأول/ أكتوبر 2025)، يأتي تتويجا لحرب إبادة حقيقية ارتكبتها إسرائيل في حق غزة، ضدا عن القانون الدولي، ومبادئه وقواعده، وأمام العالم برمته، ودون اكتراث بردود فعل المجتمعات العالمية، بمختلف فئاتها، ولغاتها، وأديانها.

يُستنتج من الوثائق والتصريحات المعلنة حول قمة شرم الشيخ والأهداف التي تروم تحقيقها، أن غايتها بناء سلام شامل ومستدام للنزاع الإسرائيلي والفلسطيني، ولمنطقة الشرق الأوسط برمتها، وهو السلام الذي وصفه صانع الخطة، الرئيس ترامب، بأن سيفتح صفحة جديدة في العالم وفي الشرق الأوسط على وجه التحديد، بل إنه أطلق العنان لخياله ليتصور تحول منطقة أنهكتها النزاعات منذ عقود، ودمرتها حروب إسرائيل المتتالية، إلى فضاء للعيش المشترك والأمن والاستقرار الدائمين.

المشهد لا يمتلك مقومات القوة والاستمرار في الزمن، إذ تُحيط به العديد التهديدات والمخاطر، ومنها عدم الالتزام بروح الاتفاق وبنوده كاملة، والمساومة والمراوغة من أجل تعطيله وخرق تطبيقه في الممارسة

سيكون من السابق لأوانه تقييم مخرجات القمة، لأن ذلك لن يتأتى إلا بعد أن تنهي أشغالها، وتعلن عن نتائج مداولات أطرافها الأساسية، بيد أن في الإمكان، وفي ضوء السياقات التي تحكم التئام القمة، تحليل ما يمكن للقمة تحقيقه، وما يُحتمل عدم تحقيقه، على الأقل في الزمن المنظور.

ففي باب الممكن تحقيقه، يمكن التمييز بين ثلاثة مشاهد لما ستسفر عنه قمة شرم الشيخ في سيرورة صنع السلام:

يمكن وسم المشهد الأول بسيناريو النجاح الجزئي في صنع السلام، بعيدا عن أن يكون مستداما. لذلك، يُتوقع أن يسمح هذا المشهد الوسط بمصفوفة من الإنجازات على أرض الواقع، من قبيل توقيع اتفاق إطلاق النار، مع آليات محدودة للمتابعة، كما قد يتيح إمكانية ادخال الإغاثة وإعادة ترميم البنى التحتية المدمرة، وتيسير عودة المهجرين من القطاع إلى مساكنهم. والحال أن هذا المشهد لا يمتلك مقومات القوة والاستمرار في الزمن، إذ تُحيط به العديد التهديدات والمخاطر، ومنها عدم الالتزام بروح الاتفاق وبنوده كاملة، والمساومة والمراوغة من أجل تعطيله وخرق تطبيقه في الممارسة.

يتعلق المشهد الثاني بسيناريو تحقيق سلام أوسع أو اتفاق طويل الأمد، وهو من الخيارات المأمولة والمطلوبة، غير أنه مشروط باحترام الأطراف لالتزاماتها، وضغط الدول الكبرى الحاضرة على استمرار احترام نتائج القمة وبنود اتفاقاتها. ثم إن سيناريو صنع سلام دائم يتطلب تمويلا بالغ الكلفة، تتكفل به الدول المشاركة والمنظمات الدولية والإقليمية ذات العلاقة المباشرة، كما يتوجب على الدول العربية ذات الرخاء المالي تحمل كلفة إنجاح خطة صنع السلام الدائم. لذلك، إن تحقق هذا السيناريو، وإن كانت توقعاته منخفضة، سيعم الأمن والسلام والاستقرار في فلسطين ومنطقة الشرق الأوط.

يخص المشهد الثالث سيناريو الفشل أو التراجع بعد التوقيع على الاتفاق، وهو أسوأ مشهد يمكن أن تؤول إليه قمة شرم الشيخ. فجوهر هذا السيناريو يكمن في أن أطراف المفوضات قد لا توقع على الاتفاق، أو قد توقع عليه ولكن سرعان ما تنكث بالتزاماتها، وفي مقدمتها وقف إطلاق النار، فتعود إلى الحرب من جديد. وهو ما يُحتمل أن تفعله إسرائيل، وقد فعلته أكثر من مرة تحت ذرائع مختلفة.

إلى جانب ذلك، وبغض النظر عن المشهد الذي سيتحقق على أرض الواقع، ثمة مصفوفة من التحديات والمعوقات تلفّ مسار الاتفاق ومآله. فمنها، تحدي الرقابة على وقف إطلاق النار، ومن يقوم بالإشراف عليه، وما هي القدرات العملية التي بحوزته كي يضمن تنفيذه في الممارسة؟ وهل الأطراف بكاملها تلتزم بتنفيذ إيقاف إطلاق النار؟ والواقع أن اتفاقا بلا تنفيذ مجرد كلام على ورق ليس إلا.

تحتاج قمة الشيخ إلى إرادة دولية صادقة ومصرة على النجاح، كما تحتاج إلى اقتناع أطراف الصراع بأن الأفق السالك لقضية فلسطين وحروب الإبادة التي تعرضت لها تاريخيا، يكمن في صنع سلام دائم وعادل، يرجع الحقوق لأصحابها

تلعب مشاركة جميع الأطراف في القمة وفي الإلزام بنتائجها دورا محوريا في صنع السلام الدائم، وتخلف أي طرف، لا سيما منها الأساسية في الصراع، يعرض صنع السلام لعائق كبير، ويحول بينه وبين التحقق في أرض الواقع. لذلك، وعلى الرغم من معرفة ما إذا كانت كل من إسرائيل وحماس ستشاركان في القمة، فإن حضورهما واتفاقهما على النتائج، سيمهد الطريق أمام بناء سلام دائم.

إلى جانب هذا، ثمة تحديات أخرى لا تقل أهمية، تتعلق بالتمويل والإعمار وإعادة الحياة إلى طبيعتها في قطاع غزة، الذي دُمر بالكامل، ويحتاج بناؤه من جديد إلى مبالغ مالية هائلة، قدّرتها الدراسات الأولية بعشرات المليارات من الدولارات. ثم إن وُجد ممولون من المنطقة العربية ومن خارجها، من يضمن حُسن صرف هذه التمويلات في مكانها الصحيح، وما هي الجهة أو الجهات القادرة على ذلك؟ يُضاف إلى هذا أن نجاح خطة القمة في صنع السلام، يحتاج إلى قدر معقول من التوازن الإقليمي والدولي، لتمكين الاتفاق من السير بنجاح نحو التطبيق والاستقرار في التطبيق. فرعاية الوليات المتحدة وأوروبا وبعض الدول العربية الوازنة إقليميا ضرورة لجعل الاتفاق ممكنا وميسرا في التنفيذ، وكل تراجع من هذه القوى سيعرض الاتفاق إلى الانكفاء على نفسه، ويفتح الباب لأطراف لنكث التزاماتها.

تحتاج قمة الشيخ إلى إرادة دولية صادقة ومصرة على النجاح، كما تحتاج إلى اقتناع أطراف الصراع بأن الأفق السالك لقضية فلسطين وحروب الإبادة التي تعرضت لها تاريخيا، يكمن في صنع سلام دائم وعادل، يرجع الحقوق لأصحابها، أي يمكّن الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وبلداتهم للعيش بكرامة فوق أرضهم التاريخية.