كثير هم
هؤلاء المفكرون الجهابذة والمحللون السياسيون العباقرة الذين خرجوا مهللين لما سمى
"
خطة ترامب" ويقولون إن ترامب مارس ضغطا هائلا على
نتنياهو!! وأنا
أوافقهم بأنه مارس عليه ضغطا، ولكن لماذا؟ ليوافيه بخطته وأهدافه كاملة؛ ليعيد هو
صياغتها ويزيد عليها ويخرجها في ثوب جديد من ممثل أكثر قبولا وتأثيرا؛ يدعم ويشارك
في حرب الإبادة وفي ذات الوقت يريد أن يحصل بها على جائزة نوبل للسلام. وقد تدرك
الفرق بين قولك "خطة ترامب" وقولك "خطة نتنياهو".
وهكذا بدأ
ترامب يضغط على نتنياهو ويوجه له الأسئلة ويجيب هو؛ لا ينتظر الإجابة.. كم تريد يا
نتنياهو من الوقت لتحقق أهدافك؟
تركتك
عامين كاملين، أمددتك بالسلاح والمال والإعلام وأخرست الأصوات في الجامعات
الأمريكية، وما زلت أكذب وأتحرى الكذب من أجلك، ولم تزل مندوبتنا في الأمم المتحدة
رافعة يدها بالفيتو من أجلك حتى اشتكت من آلام بعضلات الكتف، ومع ذلك لم تحقق شيئا
من أهداف الحرب التي أعلنتها؛ فلم تقض على حماس ولم تحرر الأسرى، كل ما فعلته هو
التدمير والقتل والتجويع لأهل
غزة، وهذا أمر أحبه كثيرا ولكنه طال أكثر من اللازم
حتى تململ الناس في الغرب وبدأت صورتكم وإيانا تتآكل حتى أضحت أسوأ ما تكون. فاسمح
لي بالضغط عليك والتدخل بنفسي لأحقق لك أكثر مما تحلم وبأيدي حكام العرب والمسلمين
وجيوشهم وأموالهم، فقد وُضع لي القبول في قلوبهم مهما فعلت بهم أو أخذت من أموالهم؛
فهم يسبحون بحمدي ويلتمسون المجد بالقرب مني.
ماذا تريد
يا نتنياهو؟
أَوَ لست
تريد القضاء على حماس بعد تشويه سمعتها وهو ما لم تستطعه، بل أصبحت سمعتك وإسرائيل
كالقطران وتخرج المظاهرات في العالم كله -عدا الدول العربية- تهتف بالحرية لفلسطين
وبتجريم أفعالك؟ ولماذا تستأجر شركات وتنفق ملايين الدولارات لتشويه المقاومة
وتبييض سمعتكم؟ سأفعل أنا كل ذلك وزيادة بأيدي حكام العرب والمسلمين، وسأجعلهم في
مواجهتها يضغطون عليها ويحاصرونها أكثر وأكثر، وربما يطردون قياداتها من بلدانهم
إن لم يقبلوا بما أريد، فماذا تريد؟
ماذا تريد
يا نتنياهو؟ اغتيالات في
الداخل والخارج؟ قد فعلت ونجحت وفشلت!!
ألم أسمح
لك بالاعتداء على قطر وهي من أقرب المقربين إليّ، وعطلتُ من أجلك وسائل التصدي
لهجومك في قاعدتنا "العديد" هناك، وهيأت لك الظروف ولكنك لم تحقق هدفك،
ثم أنهيت لك الموضوع بمكالمة ثلاثية رقيقة في أربعة دقائق وحاشاي أن أعرضك لاعتذار
مواجهة، فالتلفون كاف، كما لم أسمح بمقاضاتك ولا حتى دفع دية القتلى، فنحن وأنت من
نأخذ لا من نعطي، فماذا تريد؟
ماذا تريد
يا نتنياهو؟
أَوَ لستَ
ترفض قيام دولة فلسطينية ضمن ما يسمى حل الدولتين؟
نحن يا
نتنياهو عملنا وما زلنا نعمل للحيلولة دون قيام دولة للفلسطينيين فلا يعقل أن
نأخذها لك منهم ثم نعيدها أو بعضها لهم، ولكن لنا طريقتنا؛ فهل تذكر اتفاقية أوسلو
في 13 أيلول/ سبتمبر 1993 التي وعَدَت بإقامة حكومة انتقالية فلسطينية في الضفة
الغربية وقطاع غزة في مدة لا تتجاوز خمس سنوات "تُفضي" إلى تسوية دائمة
تقوم على قراري مجلس الأمن 242 و338، يعني كان يفترض وجود هذه الدولة سنة 1999،
فهل قامت هذه الدولة؟ ثم أكد بعدها كولن باول وزير خارجيتنا آنئذ لأحمد قريع التزام
واشنطن بإقامة دولة فلسطينية مستقلة في عام 2005 بشرط إصلاح السلطة الفلسطينية
ومحاربة الإرهاب وعدم معاداة السامية وتغيير المناهج الدراسية. فهل قامت الدولة
الفلسطينية عام 2005 أو بعدها؟
هل تتذكر يا
نتنياهو أننا شكلنا سنة 2002 ما يسمى الرباعية الدولية من الولايات المتحدة والأمم
المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، وأنه بعد فوز حماس في انتخابات 2006 فرضنا
عقوبات على السلطة؛ تم تخفيفها على الضفة وما زالت حتى يومنا هذا مفروضة على غزة؟ هل
تعلم من كان مبعوث الرباعية الدولية إلى الشرق الأوسط؟ إنه توني بلير الذي تم
تعيينه عام 2007 ليباشر هذه العقوبات ولأجعله الآن الحاكم بأمري في غزة.
دعني
أذكرك أو أذكرهم بالبند 19 في وثيقتي الجديدة وتأمّل ألفاظها بدقة؛ "مع تقدم
إعادة إعمار غزة ومع تطبيق برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية بأمانة، "قد"
تتهيأ الظروف أخيرا "لمسار" موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني بإقامة
دولة".. هل يوجد مع هذا النص أي أمل في إقامة دولة فلسطينية؟
وأراك
تفتعل حالة غضب من الدول الأوروبية لإعلانها الاعتراف بالدولة الفلسطينية فقد اضطر
رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر أن يفصح عن الحقيقة بقوله: "إن الاعتراف
بالدولة الفلسطينية لن يشكل خطرا على إسرائيل بل هو في مصلحتها العليا؛ لأنها في
كل الأحوال ستكون دولة شكلية وافتراضية وثمنها جلب كل العرب للتطبيع مع إسرائيل".
ومع ذلك أنا قلت إن هذا الاعتراف لا يشجع على السلام!!
لا عزاء للأذلة الخانعين المنبطحين والمغيبين من المحللين الذين يحاولون إقناعك أن ترامب قام بالضغط على نتنياهو، وأن "خطة ترامب" ستوقف الحرب وتجلب السلام
ماذا تريد
يا نتنياهو؟ ألست تريد القدس كاملة شرقية وغربية عاصمة أبدية لإسرائيل؟ أنا أسبق
منك فقد نقلت سفارتي إليها في ولايتي الأولى وهو ما لم يفعله غيري. وما يشغلك؟ إذ
لا دولة للفلسطينيين؛ فلا قدس لهم لا غربية ولا شرقية.
ماذا تريد
يا نتنياهو أكثر من ذلك؟
ما زال
الغرب يتغنون بالبريطاني توماس إدوارد لورانس وأسموه لورانس العرب، وكل ما فعله هو
تأليب القبائل العربية وحشد ما سمي الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين بن
على ضد الدولة العثمانية، فأنا دونالد ترامب العرب جعلت حجهم إلى البيت الأبيض
وسعيهم إليّ وطوافهم حولي.
بخطتي أنا
ترامب العظيم أريد أن أنهي المقاومة وأضع غزة تحت الانتداب (الاحتلال) الأجنبي،
وتحتلون محور فيلادلفيا وأنهي إلى الأبد مشروع الدولة الفلسطينية وأعدم ما يسمى حل
الدولتين، وأجعل القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل، وسأجلب المزيد من التطبيع من
الدول العربية والإسلامية وسينضمون إلى اتفاقات إبراهام وأتمم صفقة القرن، فأنا
رجل الصفقات الكبرى.
ماذا تريد
يا نتنياهو؟ أَوَلستَ تريد إسرائيل الكبرى التي رفعتَ خارطتها أمام العالم
باعتبارها مشروعك الروحي اللاهوتي التوراتي؟
أنا ترامب
العظيم الصهيوني العتيد أقوم بتركيع الشرق الأوسط كله، وسترى أنك كلما قضمت قطعة
من أرضهم أو هاجمتهم في عقر دارهم سيخرج إعلامهم يبرر؛ لا يولول، وإن بدا الغضب
على بعض حكامهم فسأنهي الأمر بمكالمة كما قد رأيت، فخذ من أراضيهم ما شئت ودع ما
شئت، واجلب عليهم بخيلك ورَجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعِدهم، أو دعني أعدهم
بالسلام الدافئ والحب الدافق وما أعدهم إلا غرورا.
أظنك يا نتنياهو
أدركت الآن أن الصهيونية المسيحية أسبق زمنا وأقوى تأثيرا من الصهيونية اليهودية..
هنالك قال
نتنياهو لترامب: نحن أَخوَان في الرضاعة من مرضعة إبليس، ولكنك أكبر مني سنا. قال:
له لا أنت رضعت منها خمس رضعات مشبعات فقط، أما أنا فقد رضعت حولين كاملين وما زلت
أرضع رضاع الكبير.
فلما انتهى
حواره معه وضغطه عليه كما رأيت، قلتُ لا عزاء للأذلة الخانعين المنبطحين والمغيبين
من المحللين الذين يحاولون إقناعك أن ترامب قام بالضغط على نتنياهو، وأن "خطة
ترامب" ستوقف الحرب وتجلب السلام، وأن المشكلة في حماس!