على هامش
الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، عقد
ترامب اجتماعا وصفه بـ"العظيم
والمثمر" مع عدد من القادة والزعماء
العرب والمسلمين، لعرض ومناقشة خطته في قطاع
غزة والضفة الغربية، في خطوة وُصفت بأنها غير مسبوقة منذ اندلاع حرب الإبادة على غزة
قبل نحو عامين، لتضم قيادات دول من تركيا وقطر والسعودية والإمارات والأردن ومصر وباكستان
وإندونيسيا وماليزيا. وقد أثار الاجتماع جدلا واسعا بين المهتمين والمراقبين حول مدى
جدية الطرح الأمريكي في وقف نزيف الدم الفلسطيني، وما إذا كان يمثل تحولا في الموقف
الأمريكي التقليدي أم مجرد محاولة لتمرير أفكار وأهداف
إسرائيلية بغطاء دبلوماسي.
شهد الاجتماع
حضور شخصيات بارزة، يتقدمهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر تميم بن حمد
آل ثاني، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، بالإضافة إلى وزيري خارجية السعودية
والإمارات. وقد أضفى هذا الحضور ثقلا سياسيا على الاجتماع، وحمل رسائل متعددة الأبعاد.
فالجلوس
الملحوظ لأردوغان بجوار ترامب قد يفسر على أنه مؤشر على رغبة أنقرة في استكشاف مدى
استعداد واشنطن للانخراط في ملف غزة. من جهة أخرى، أكد أمير قطر في كلمته أن الوضع
في غزة "سيئ، ونحن هنا لفعل كل ما في وسعنا لإنهاء الحرب وإعادة الرهائن"،
مما يشير إلى معاناة الفلسطينيين والضغوط التي تمارسها القوى الغربية والاحتلال الإسرائيلي.
أما مشاركة وزيري خارجية السعودية والإمارات، فقد عكست التزام البلدين بدورهما في المعادلة
الإقليمية، لا سيما في ظل جهود الإدارة الامريكية للاستفادة من نفوذهما في إعادة تشكيل
مستقبل غزة. ومع ذلك، يبقى السؤال المحوري: هل تمثل هذه المشاركة غطاء لمحاولة أمريكية
لفرض خطة تخدم مصالح الاحتلال؟
وفقا لما
تم تسريبه من الاجتماع، طرح ترامب "خطة أمريكية لإنهاء الحرب في غزة ومستقبل القطاع"،
دون أن يكشف عن تفاصيل علنية. هذا الطرح الغامض زاد من شكوك المراقبين في أن الهدف
هو تهيئة مناخ سياسي يسمح بتمرير أفكار وأجندة إسرائيلية تتمحور حول "استعادة
الأسرى"، أكثر من اهتمامها بوقف العدوان أو رفع الحصار. بدا تصريح ترامب عقب الاجتماع
("اجتماعي مع قادة عرب ومسلمين حول غزة كان رائعا")، أشبه بخطاب دعائي منه
بإعلان عن اتفاق ملموس، والأخطر من ذلك أن ترامب، وقبيل هذا اللقاء، كان قد اجتمع مع
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأكد "أنه يقف إلى جانب إسرائيل، لكنه يرغب أيضا
في وقف الحرب"، وهي صياغة تعكس تناقضا واضحا بين الانحياز السياسي والرغبة في
الظهور كوسيط. هذا التناقض يستدعي إلى الأذهان تجارب سابقة استُخدمت فيها واشنطن لغة
"السلام" لتمرير مشاريع مثل "صفقة القرن" التي أخفقت، لكنها تركت
علامات وندوبا سياسية عميقة في المنطقة.
وصف الرئيس
التركي رجب طيب أردوغان الاجتماع بأنه "مُثمر"، وهي عبارة دبلوماسية تحتمل
تفسيرات عدة. فأنقرة، التي لطالما دافعت عن القضية الفلسطينية، تواجه اليوم تحديا صعبا
يتمثل في كيفية الموازنة بين خطابها الداعم لغزة ومصالحها الاستراتيجية مع واشنطن في
قضايا أخرى، كالملف السوري، والاقتصاد، والطاقة.
من جانبه،
ركز أمير قطر على الجانب الإنساني للأزمة، بما يتماشى مع الدور الذي لعبته الدوحة منذ
سنوات كوسيط في قضايا الأسرى وتقديم المساعدات الإنسانية. أما الموقف الأردني، فلم
تُعلن تفاصيله بشكل مفصل، إلا أن مجرد الحضور يعكس قلق عمان من تداعيات الحرب على الضفة
الغربية والقدس، وهي قضايا تمس استقرار المملكة بشكل مباشر. بالنسبة للسعودية والإمارات،
تبدو مشاركتهما جزءا من استراتيجية توازن دقيقة، فمن ناحية، تظهران التزامهما بالقضية
الفلسطينية أمام الرأي العام العربي، ومن ناحية أخرى، تحافظان على علاقاتهما المتنامية
مع واشنطن والاحتلال في مجالات اقتصادية وأمنية.
قد يظل الاجتماع، الذي كان يهدف لأن يكون "مثمرا"، مجرد محطة دعائية في سجل المفاوضات العَقيمة، ما لم يقترن بخطوات ملموسة لوقف العدوان ورفع الحصار ومحاسبة الاحتلال على جرائمه، ويظل يفتقر للجوهر ما لم يُترجم إلى إجراءات عملية توقف الاحتلال وحرب الإبادة
يرى مراقبون
ومحللون أن الاجتماع ليس بمعزل عن حسابات ترامب الداخلية، فهو يسعى لاستعادة صورته
كقائد قادر على "صناعة الصفقات الكبرى"، فبعد أن فقدت الولايات المتحدة الكثير
من نفوذها كوسيط "نزيه" في الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، يحاول ترامب استغلال
منصة الأمم المتحدة لإعادة تقديم نفسه كصانع سلام.
لكن الموقف
الأمريكي الثابت في دعم إسرائيل عسكريا وسياسيا يظل عقبة كبرى، وهو ما يجعل أي خطة
أمريكية عرضة للرفض الشعبي الفلسطيني والعربي قبل أن ترى النور، كما أن توقيت الاجتماع،
في ظل تصاعد مجازر الاحتلال واستمرار الحصار الخانق على غزة، يجعل من الصعب إقناع الشارع
العربي والإسلامي بأن البيت الأبيض جاد في تغيير سياساته. وتحمل تصريحات ترامب بأن
"هذا الاجتماع هو الأهم من بين 32 اجتماعا عقدها في اليوم نفسه"؛ في طياتها
محاولة للترويج لإنجاز سياسي، أكثر مما تعكس نية حقيقية لتغيير ميزان القوى على الأرض.
يمكن تحليل
اجتماع ترامب مع القادة العرب والمسلمين على أنه مؤشر على إدراك أمريكي بأن استمرار
الحرب في غزة يهدد الاستقرار الإقليمي ويقوض قدرة واشنطن على إدارة ملفات أخرى، مثل
التوتر مع إيران أو استقرار أسواق الطاقة، ومع ذلك، يكشف الاجتماع في الوقت ذاته عن
حدود المقاربة الأمريكية التي تركز على أمن الاحتلال وتتجاهل حقوق الفلسطينيين، وعليه
فإن مستقبل أي خطة أمريكية سيعتمد على مدى استعداد واشنطن لتجاوز انحيازها التقليدي،
وهو أمر مستبعد في ظل تصريحات ترامب الأخيرة.
الخلاصة،
قد يظل الاجتماع، الذي كان يهدف لأن يكون "مثمرا"، مجرد محطة دعائية في سجل
المفاوضات العَقيمة، ما لم يقترن بخطوات ملموسة لوقف العدوان ورفع الحصار ومحاسبة الاحتلال
على جرائمه، ويظل يفتقر للجوهر ما لم يُترجم إلى إجراءات عملية توقف الاحتلال وحرب
الإبادة الجماعية في غزة، وحتى ذلك الحين، ستستمر غزة في نزيفها اليومي، بينما تُستخدم
قضيتها كورقة في لعبة سياسية.