قضايا وآراء

تحولات المشهد الجيوسياسي بعد العدوان على قطاع غزة (1)

"كشف هذا العدوان بشكل سافر عن خيانة أنظمة وحكام"- جيتي
مهما كانت نتائج الخطة الأمريكية لإنهاء العدوان على قطاع غزة، فلن تتم تصفية القضية الفلسطينية، ولن تهدأ الأمور في غزة؛ فالكيان المحتل لن يلتزم بشيء كعادته، وما يسمى بالضمانات الأمريكية جربناه، وندرك جيدا أن الولايات المتحدة تكذب أكثر من نتنياهو، وأنها وهو في المراوغة واللعب على الحبال كالقرود سواء؛ وهو ما سيعطي الذريعة لحركات المقاومة للخروج من تحت الأرض في الوقت المناسب؛ لتضرب ضربتها الأخيرة الموجعة، لا سيما إذا تحررت بعض الدول العربية وتخلصت من جلاديها، لتكون داعما حقيقيا للمقاومة.

وما خوف نتنياهو من دولة فلسطينية بجواره إلا لأنه يعرف جيدا أن الفلسطيني في النهاية لن يرضى بأقل من فلسطين التاريخية، لا سيما بعد محرقة غزة الإجرامية، والشعب الفلسطيني لن ينسى ولن يتسامح، وقد قالها رئيس الشاباك الأسبق عامي أيالون: "إذا اعتقد شخص أن الفلسطينيين سيستسلمون؛ فهو لا يعرفهم".. نعم الفلسطينيون لن يستسلموا، وسيأتي يوم ليس ببعيد يهبّ فيه الفلسطينيون هبّة واحدة لإنهاء هذا الكيان المسخ المجرم الملطخة يداه بدم الأطفال والنساء، والمطلوبة قياداته للاعتقال بجريمة الإبادة الجماعية، وعلى رأسهم المغرور الجبان نتنياهو..

ترامب لا يختلف عن نتنياهو في شيء، ولولا الضغوط الشعبية والرسمية من قبل عدد من دول العالم، واعتراف معظمها بالدولة الفلسطينية، ولولا ما تعرضت له الولايات المتحدة من إهانات من شعبها ومن شعوب العالم، ومن منظمات وهيئات وحكومات؛ لما كان لترامب أن يتقدم بخطته لإنهاء العدوان

وجدير بالذكر، أنه لولا وجود بعض الدول العربية والإسلامية التي لم يزل حكامها يتمتعون بشيء من الخجل؛ لما كان من الممكن إيقاف العدوان قبل أن يتم قتل آخر فلسطيني في غزة، فترامب لا يختلف عن نتنياهو في شيء، ولولا الضغوط الشعبية والرسمية من قبل عدد من دول العالم، واعتراف معظمها بالدولة الفلسطينية، ولولا ما تعرضت له الولايات المتحدة من إهانات من شعبها ومن شعوب العالم، ومن منظمات وهيئات وحكومات؛ لما كان لترامب أن يتقدم بخطته لإنهاء العدوان.

وفي حال وافقت حركة حماس على الخطة الأمريكية؛ فإنها تعلم بأن الكيان المحتل لن يلتزم بها، كما فعل في أوسلو وما بعدها وما قبلها، فقد ضرب الكيان المحتل بعشرات الاتفاقات وقرارات الأمم المتحدة عرض الحائط، منذ 1948 حتى اليوم، وذيل الكلب أعوج، وليس بمقدور أحد أن يجعله مستقيما..

خطة ترامب لا تلبي مطالب الفلسطينيين، وفيها تغول وتنمر على المقاومة بوصفها منذ البند الأول في الخطة بالتطرف والإرهاب، بيد أن هذه الخطة تضع حماس أمام مسؤوليات جسام، فالموافقة عليها تشكل أزمة كبيرة للمقاومة بما يشبه الاستسلام، وإذا رفضتها؛ فهذا يعني أن غزة ستحترق تماما على طريقة النازية، فقد أوقعت هذه الخطة حماس في خيارين أحلاهما مر، وفي الحالتين، لا يمكن لأحد من أنصارها أن يلومها على خياراتها، فمن يده في النار، ليس كمن يده في الماء.

إن طرح فكرة هيئة انتقالية يرأسها توني بلير ووجود قوة حفظ سلام أممية يعني نزع السيادة عن القطاع، وتسليمه لبريمر جديد، حتى وإن غلب على قوة حفظ السلام الطابع العربي؛ فقد جرب أهل غزة قبل 1967 حكم الإدارة المصرية التي كانت تعامل الغزيين بوحشية وغلظة، مما يجعلنا نسأل: هل ستلاحق قوة حفظ السلام الشباب الملتزم بحجة انتمائه للمقاومة؟ هل ستكون هذه القوة مصدر قلق لأهل غزة؟ وهل ستقوم بتفتيش البيوت وترويع الآمنين بحثا عن السلاح؟!

لا أظن في المحصلة أن مثل هذه الخطة ستنجح في تهدئة الأمور، وأظنها ستشكل كابوسا جديدا على أهل القطاع، وستلعب أمريكا فيها دورا مشبوها نيابة عن الكيان الغاصب، وستتعامل قوة حفظ السلام مع الغزيين بفوقية واستعلاء، وعلى هذه القوة أن تطيع بريمر غزة، وتعمل تحت إمرته، وإلا سيتم استبدالها بقوة أمريكية أوروبية؛ فقد جاء في الخطة أنه سيكون هناك ما يسمى "مجلس السلام"، برئاسة دونالد ترامب، مع شخصيات وقادة دول آخرين، بينهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير. وتتولى هذه الهيئة وضع الأطر وتأمين التمويل لإعمار غزة حتى تستكمل السلطة الفلسطينية برنامج الإصلاح الخاص بها، وهو ما يعني التدخل المباشر والوقح للرئيس الأمريكي والاستعلاء والتنمر من قبل بلير الذي يقيم علاقات قوية مع كل من الإمارات والسعودية، اللتين سيكون لهما الدور الأكبر بين الدول العربية في التدخل لمصلحة الكيان المحتل.

في حال وافقت المقاومة على هذه الخطة، وأظنها ستوافق مع طلب بعض التعديلات، إذ ربما توافق على معظم البنود، إلا أنها ستبدي رأيا مختلفا في مسألة نزع السلاح، وربما تطلب استبدال بند نزع السلاح، بحفظ السلاح وعدم استخدامه، وستعمل على بقاء عناصرها وقياداتها في القطاع في حالة هدنة. وستتعهد بعدم استعمال السلاح، إلا إذا تعرضت لهجوم من قبل الكيان المحتل. لكن هذا المقترح، لو تم، سيواجه بالرفض من قبل ترامب ونتنياهو

في حال وافقت المقاومة على هذه الخطة، وأظنها ستوافق مع طلب بعض التعديلات، إذ ربما توافق على معظم البنود، إلا أنها ستبدي رأيا مختلفا في مسألة نزع السلاح، وربما تطلب استبدال بند نزع السلاح، بحفظ السلاح وعدم استخدامه، وستعمل على بقاء عناصرها وقياداتها في القطاع في حالة هدنة. وستتعهد بعدم استعمال السلاح، إلا إذا تعرضت لهجوم من قبل الكيان المحتل. لكن هذا المقترح، لو تم، سيواجه بالرفض من قبل ترامب ونتنياهو، وسيستخدم ترامب أسلوب التهديد المعتاد عليه، وفي هذه الحال، ستكون المقاومة في موقف صعب. وأظن أن قيادة حماس حاليا في أزمة وجودية، وتتملكها الحيرة والتردد، فالموافقة على الخطة يعني أن نتنياهو انتصر في النهاية، بعد أن دمر القطاع، وقتل عشرات الآلاف. لكن في المقابل، لا بد من إيضاح ما يلي:

أولا: إن العدوان الإجرامي على قطاع غزة، أجج روح الثورة، وضاعف من استهانة الفلسطيني بالموت، وارتفعت لديه وتيرة الحقد على الكيان المحتل، وصار استسلامه وركونه إلى الحياة شبه مستحيل، مهما حاولت أمريكا تسكين الحالة القائمة، فالنار مشتعلة في الصدور، ويستحيل إطفاؤها، لا سيما بعد أن أثبتت الأحداث أن نتنياهو ومن ورائه اليمين المتطرف، يتعاملون مع الفلسطيني انطلاقا من تعاليم التوراة المحرفة، فقد بات الفلسطيني واعيا لكون المعركة معركة عقيدة..

ثانيا: لقد هيّج العدوان الفاشي على غزة وعي الجماهير العربية بشكل لافت، وبات ملايين الشباب من الشعوب العربية والإسلامية على أهبة الاستعداد للمشاركة في حرب التحرير القادمة، وفي المقابل كشف هذا العدوان بشكل سافر عن خيانة أنظمة وحكام، وباتوا في مهب الريح، في انتظار هبة الجماهير التي أظنها قادمة لا محالة..

ثالثا: لقد تغيرت نظرة العالم نحو حق للشعب الفلسطيني، ومن عدالة قضيته، وفي الوقت نفسه انكشفت أكاذيب الكيان المحتل، وظهر على حقيقته الدموية وإجرامه وعنجهيته واغتراره بالقوة المادية، وهو ما كان له كبير الأثر على القرار السياسي المغاير لما كان من قبل حكومات كانت تؤيده، وتمد له يد المساعدة.

رابعا، وليس أخيرا: الداخل الصهيوني

تعصف أزمات كبرى بالاقتصاد الإسرائيلي.. هبوط حاد في قيمة الأسهم، والمستثمرون فقدوا الثقة بالاستثمار في الكيان، وانسحبت شركات كبرى، وتضاعف الدين الخارجي جراء شراء الأسلحة والكلفة الضخمة للعدوان، هذا ناهيك عن التضخم الكبير، حيث تضاعفت أسعار بعض السلع، وبات السكان غير قادرين على شراء كثير من ضروريات الحياة. بعد ارتفاع القيمة الشرائية..

يتبع..