كتاب عربي 21

لجنة تطوير الإعلام.. أم فرح العمدة؟!

يقول الكاتب: "إنني لست من الذين يُسلّمون بنهاية الصحف الورقية، أو القول إنها صارت تنتمي للماضي، لأن هذا القول يمثل غطاء للفشل، والأزمة سببها سوء الاختيار"
لو كانت المبادرة الرئاسية لتطوير الإعلام المصري جادة، وتقرر تفريغها من مضمونها لتلحق بفقيد العائلة "الحوار الوطني"، لما فعل المتآمرون عليها أكثر مما فعله رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، بقراره تشكيل ما سُمِّي "اللجنة الرئيسية لتطوير الإعلام"!

وفي اعتقادي أن قرار رئيس الحكومة كاشف عن إرادة دوائر وأجهزة هي صاحبة الاختصاص الأصيل في الملف، وليس وليد إرادته الحرة، حتى إن قيل إن الهدف من هذا "التشكيل" هو الاستجابة لمبادرة الرئيس. ويكفي الوقوف على أن "التشكيل" لم يتضمن اسم وزير الإعلام السابق أسامة هيكل، لتقف على الإرادة المنفردة لهذه الدوائر، وهيكل ليس محسوبا على المعارضة، لكنه محسوب على الرئيس، وهذه مشكلته التي كانت سببا في الإطاحة به، بعد أن استخدموه في الإطاحة بمكرم محمد أحمد من رئاسة "الأعلى للإعلام"!

لن نتحدث بطبيعة الحال عن غياب رموز صحافية عن التشكيل، مثل الكاتب الكبير فهمي هويدي، لأنه محسوب على حرية الصحافة والإعلام، وأي كلام يقوله في هذا الصدد سينتقل بالموضوع إلى النقاش الجدي، والمطلوب نصب "فرح العمدة" وزفّة الليلة وكل ليلة، ثم ينتهي الأمر إلى بقاء الحال على ما هو عليه!

إذا سلَّمنا بأن هذه هي النهاية الطبيعية للصحف الورقية -ولا أقر بذلك- فإن السؤال: أين الحضور الرقمي لهذه الصحف؟ جميعها تملك بوابات إلكترونية، فإذا انصرف الناس عن الورقي لكان من الطبيعي أن نشهد رواجا لهذه البوابات، وهي تخاطب سوقا هائلة بالنظر إلى عدد السكان

الحضور الطاغي للشركة المتحدة

ما فهمناه من المبادرة في البداية هو تطوير الإعلام الرسمي -الصحافة القومية وماسبيرو- فلم يكن رئيس الشركة المتحدة حاضرا في اللقاء الذي عقده الرئيس مع رؤساء الهيئات الإعلامية الثلاث، بيد أن "تشكيل فرح العمدة" تضمّن نحو ثمانية أشخاص من هذه الشركة المستحوذة على الصحافة والإعلام والدراما دون أن تُظهر كرامة! من رئيس الشركة طارق نور، إلى مدير قسم الإعلانات فيها زكي عبد الحميد، وبينهما رؤساء القطاعات فيها، وهو تمثيل أكثر من تمثيل الصحف القومية واتحاد الإذاعة والتلفزيون سابقا! ومع هذا الطغيان في التمثيل، فإن مؤسسات صحفية كبرى مثل دار التحرير لم تُمثّل، ناهيك عن الصحف الحزبية!

فهل إعلام الشركة المتحدة مستهدف بالتطوير، أم أن ممثليها جاءوا ليضعوا "روشتة" علاج للإعلام المصري؟ مع أن الفشل حليف الشركة، ولأنها مُكّنت في السابق من مبنى ماسبيرو بهدف تطوير إذاعاته وقنواته التلفزيونية، دون خبرة لها في المجال، ودون الإعلان عن الجهد الذي بذلته، وقد انتهت المهمة وغادرت المبنى والحال على ما هو عليه!

وبنظرة على الأسماء التي اختارها رئيس الحكومة مصطفى مدبولي في لجنته، فإن تطوير الإعلام لا يخرج إلا من الطلب منهم إعداد ورقة عمل تحت عنوان: "كيف فشلنا؟"، ومعظمهم يتولّون مسؤوليات في إعلام الدولة، وهم رؤساء تحرير ورؤساء قنوات، فكيف يُطلب من فاشلين وضع خطط لتطوير الإعلام، وهم يعلمون أن مواقعهم مكافآت على أعمال خارج النجاح المهني؟ فمهندس المطابع بمؤسسة روزاليوسف تمت ترقيته رئيسا لمجلس إدارة المؤسسة، فلما لم ينجح كانت المكافأة أن يكون ممثل المالك للصحافة المصرية جميعها في موقع رئيس الهيئة الوطنية للصحافة!

نهاية الورقي.. وموت الإلكتروني

والغريب أن تكون هذه الترقية لمهندس طباعة في وقت يتحدثون فيه عن نهاية الورقي وبداية عهد الرقمي، وسوف تكون هذه هي الشمّاعة التي يُعلَّق عليها الفشل خلال النقاش، فنحن في زمن النشر الإلكتروني، ومن الطبيعي أن يهبط توزيع الصحف الورقية، وهو حق يراد به باطل!

وإذا سلَّمنا بأن هذه هي النهاية الطبيعية للصحف الورقية -ولا أقر بذلك- فإن السؤال: أين الحضور الرقمي لهذه الصحف؟ جميعها تملك بوابات إلكترونية، فإذا انصرف الناس عن الورقي لكان من الطبيعي أن نشهد رواجا لهذه البوابات، وهي تخاطب سوقا هائلة بالنظر إلى عدد السكان.

ودائما كانت الصحافة المصرية لديها استغناء بهذا السوق الكبير، وكان التوزيع الخارجي لإثبات الحضور ليس إلا، تماما كما أن القارئ المصري مستغنٍ بصحافته. وقد هرب الآن إلى الخارج، فكان القرار هو وضع المواقع الخارجية المؤثرة تحت الحجب، فلا يطالعها القارئ المصري في الداخل إلا بالتحايل عبر تطبيقات معينة!

أليس من غير الجائز أن يتم الحديث عن مرحلة جديدة خاصة بالإعلام في وقت يكون البديل للمنافسة الجادة هو حجب هذه المواقع؟!

ومع الحظر، فإن موقع "عربي21" مثلا هو الأكثر حضورا في المشهد المصري عن بوابات لمؤسسة مصرية كبيرة، وينبغي أن نعلم أن موقع "الجزيرة نت" يصل مشاهدوه يوميا إلى ثلاثة ملايين، وقد يصلون في الأحداث الكبرى إلى خمسة ملايين، ومواقع الصحف القومية ميتة، فعن أي رقمي يتحدث القوم؟!

والمثير أن موقع "المصريون" كان ناجحا عندما كان مملوكا للأخوين سلطان (جمال ومحمود)، فعوقب على نجاحه وصودر، وتم تسليمه لمؤسسة "أخبار اليوم" لإدارته، ليتحوّل إلى صفر بجانب الأصفار!

وإذا كان من غير الجائز الحديث عن مرحلة جديدة مع استمرار حجب بعض المواقع ذات التأثير العالي، فإنه من غير الجائز كذلك أن تنعقد أولى جلسات اللجنة المشكلة، بينما هناك من جُرّدوا من صحفهم وقنواتهم، فلا يكون الإقرار بعودتها لأصحابها. و"المصريون" ليس أكثر من نموذج، فهناك صحف وقنوات تلفزيونية ومواقع إلكترونية أُمّمت لصالح الشركة المتحدة.

وإذا كان لا بد للمتحدة من الاستمرار، فعليها إدارة ما أسسته بالفعل، وليس ما استولت عليه على مدى السنوات العشر الماضية.

غطاء الفشل.. وسوء اختيار القيادات
أمام حالة تضارب مصالح، فالحل هو تسريح كل هؤلاء بإحسان من الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، ومعهم الذين يديرونه من وراء حجاب. وهذا "التشكيل" هو حفاظ على هذه المصالح، ومن أجل بقاء الحال على ما هو عليه، حتى ينسى الرئيس مبادرته أو يملّ من الفشل في إصلاح الإعلام!

إنني لست من الذين يُسلّمون بنهاية الصحف الورقية، أو القول إنها صارت تنتمي للماضي، لأن هذا القول يمثل غطاء للفشل، والأزمة سببها سوء الاختيار.

ولا أستغل الأزمة للانطلاق من منصات المعارضة، فالأزمة في جوانبها المهمة مرتبطة بسوء الاختيار، وغلبت فكرة نهاية الخدمة على من يتولّون المواقع في هذه الصحف، دون أن يُثبتوا كفاءة!

لم تكن "أخبار اليوم" تبشّر بالثورة عندما كانت توزّع مليون نسخة! ولم يكن مقال إبراهيم سعدة تعبيرا عن المعارضة عندما كان حديث الناس! ولم تكن صحيفة "الأهرام" تعبّر عن حزب الأحرار الدستوريين، وهي صحيفة تمثل رقما صحيحا في صحافة المنطقة!

ولم يكن ماسبيرو يُدار من حزب البعث العربي الاشتراكي عندما كان يمثل الريادة! وقبل احتكار الدراما كانت مصر تتربّع على عرشها، وكان المسلسل يُذاع في القاهرة، ليكون حديث الناس في العالم العربي كله!

أرني مقالا واحدا شد انتباه الناس لرئيس تحرير في السنوات العشر الماضية! وأرني مسلسلا تهافتت قنوات المنطقة على شراء حق عرضه! وأروني نجما صنعوه في هذه المرحلة التي أجلسوا فيها الفنانين الكبار في بيوتهم، ونفخوا في الكومبارس لعلهم يصنعون من الفسيخ شربات، في تجربة تحتار البشرية في فهم بواعثها!

كل الأنظمة المتعاقبة تعاملت مع الموجود، وأعطت الخبز لخبازه، ولا أرى تفسيرا منطقيا لهذه السيطرة الغاشمة على الدراما -كتابة، وإخراجا، ونجوما- وهي تصرفات تحتار البشرية في فهمها، وكانت النتيجة موت الدراما المصرية!

الكلام الصريح هو إزالة آثار العدوان على الصحافة والدراما والإعلام، والمعنى الأكثر صراحة أنه لا حل مع هذا "التشكيل" الذي أقره رئيس الحكومة المصرية. نحن أمام حالة تضارب مصالح، فالحل هو تسريح كل هؤلاء بإحسان من الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، ومعهم الذين يديرونه من وراء حجاب. وهذا "التشكيل" هو حفاظ على هذه المصالح، ومن أجل بقاء الحال على ما هو عليه، حتى ينسى الرئيس مبادرته أو يملّ من الفشل في إصلاح الإعلام!

لا أراكم الله مكروها في مبادرة لديكم!

x.com/selimazouz1