قال
الفلاسفة الإغريق: إن أول الرقص حنجلة!
فقد
طالعت مقال د. حسام بدراوي الأخير ضد هيئة كبار العلماء، واعتبرته محاولة فاشلة
منه لتأكيد جدارته بالمجاملة الإعلامية، الخاصة بوصفه بـ"المفكر". وإنني
قرأت مقالا لرجل الأعمال صلاح دياب، وفيه فقرة عن نفس الموضوع، حتى اعتقدت للوهلة
الأولى أنها فقرة قفزت من هناك إلى هنا نتيجة خطأ تقني، فاكتشفت أن مقاله عبارة عن
فقرات، وهذه واحدة من فقراته، الأمر الذي يشير إلى أنه ليس توارد خواطر بين اثنين
من المفكرين الكبار، فهل حان موعد تعديل
الدستور حسب التوقيت المحلي لمدينة
القاهرة، وعلى المقيمين خارجها مراعاة فروق التوقيت؟!
فلا
يعتقد معتقد أن الجنرال يمكن أن يغادر في 2030، وعليه سيتم تعديل الدستور، لكن
الأمر يحتاج لتمهيد، ولم يعد جائزا هذه المرة ما قيل بعد الدورة الأولى، بأن أمعاء
البلد لا تزال خارجه، وأنه لا بد من دورة ثانية ليتمكن الرئيس من الانتهاء من
مشروعاته، ولم يكن جائزا، والحال لا يخفى على أحد، أن تكون الدعاية كما كانت
لتعديل الدستور في 2019، بأن من حق الرئيس البقاء ليهنأ بنجاح تجربته في البناء
والتعمير. فكان لا بد من مدخل آخر يقوم به اثنان من المفكرين، ولا نعرف مبررا
لإطلاق الإعلاميين وصف "المفكر" على د. بدراوي إلا من قبيل ما عُرف من
بعض الإعلاميين بالمبالغات!
سيتم تعديل الدستور، لكن الأمر يحتاج لتمهيد، ولم يعد جائزا هذه المرة ما قيل بعد الدورة الأولى، بأن أمعاء البلد لا تزال خارجه، وأنه لا بد من دورة ثانية ليتمكن الرئيس من الانتهاء من مشروعاته، ولم يكن جائزا، والحال لا يخفى على أحد، أن تكون الدعاية كما كانت لتعديل الدستور في 2019، بأن من حق الرئيس البقاء ليهنأ بنجاح تجربته في البناء والتعمير. فكان لا بد من مدخل آخر يقوم به اثنان من المفكرين
وعلى
أيامنا شاع لقب "الكاتب الصحفي"، حتى صار أي صحفي مبتدئ يجد غرامه في أن
يطلقه على ذاته، ولا يكتفي بمجرد مهنة "صحفي"، حتى أصبح رؤساء التحرير
يميزون أنفسهم بلقب "الكاتب الصحفي الكبير"!
ولا
بأس، إن أصبح حسام بدراوي مفكرا، رأسه برأس فؤاد زكريا، وزكي نجيب محمود، وعبد
الرحمن بدوي، فأنا أفكر.. إذن أنا مفكر. والرجل له طموح سياسي هو حق أصيل لأي
إنسان، لكن الأزمة أنه يقدم نفسه للدوائر الخارجية باعتباره صاحب رأي في الأمور
المرتبطة بالأزهر، والدولة المدنية، التي لا تعني لدى المفكرين الجدد إلا أنها في
مواجهة "الرأي
الديني" سواء تمثله المؤسسة الرسمية، أو الجماعات
والجمعية الأخرى!
التناقض
في مواجهة الإخوان
وبدراوي
ولأنه من دعاة الدولة المدنية، فقد نشر مقالا في "الأهرام" يكشف فيه
التناقض السياسي في مواجهة الإخوان، بين تجريم التواجد والسماح بالأفكار. ويشرح
ذلك بأن المؤسسة الدينية أصبحت حارسا على الرأي بالقانون، ولم يعد من حق أي مفكر
أو مجتهد أن يبدي رأيا في الدين إلا عبر بوابة هيئة كبار العلماء، وهي مؤسسة
أنشأها الإخوان في دستور 2012، واستمرت رغم أنها كيان غامض لا يعرف الناس أسماء
أعضائه، ولا كيف يُختارون. والمفارقة هنا -بحسب كلامه- أن هذه الهيئة صارت بمثابة
رقيب على الفكر في بلد كان منارة الاجتهاد منذ قرون!
وقد
وقع هنا في شر أعماله؛ فالإخوان لم يعيدوا هيئة كبار العلماء، ولكن من أعادها هو
المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته جهة حكم، وعادت ضمن قانون إعادة تنظيم
الأزهر
الذي أصدره المشير محمد حسين طنطاوي؛ وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري الذي كان
يحكم البلاد بعد ثورة يناير. وكل ما فعله ما يسمى بدستور الإخوان سنة 2012 أنه
اعترف بوجودها، ونص على أن يؤخذ رأيها في الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، وأن
شيخ الأزهر يتم اختياره من قبلها، وذلك في المادة الخاصة بالأزهر التي استحدثها
هذا الدستور. كما استحدث النص الذي يقضي بأن مبادئ شرائع
المصريين المسيحيين
واليهود هي المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشؤون الدين
واختيار قياداتهم الروحية!
الكيان
الغامض جدا
والكيان
الذي يصفه بدراوي بأنه "غامض" تأسس في سنة 1911، وتم حله في 1961، لأن
الحكم المستبد لم يكن يرضيه إلا أن ينتزع اختصاص تعيين شيخ الأزهر، وكانت عودة
الهيئة مطلبا ممن يعنيهم الأمر. وأذكر في هذا الصدد أن برنامج حزب الأحرار، الذي
تأسس في سنة 1977 مع بداية تجربة التعددية الوليدة، طالب بعودة هيئة كبار العلماء،
وأن تختص باختيار شيخ الأزهر، ولا يترك الأمر بيد رئيس الدولة!
وكون
المفكر حسام بدراوي لا يعرفهم، فهذا لا يقلل من قدرهم، فهناك فرق بين النجومية
والقيمة. وليس عالما هذا من يجد مجاله الوظيفي أن ينام أمام الأستوديوهات، لتصبح
المداخلات التلفزيونية هي المصدر الوحيد للحصول على لقب "مفكر"، والصفة
تفرض عليه أن يبحث عن أسماء هؤلاء وأن يبحث في إنتاجهم الفكري ليتأكد إن كانوا
بالفعل جديرين بعضوية الهيئة أم لا. لكنه يعالج التقصير في البحث والتقصي بأن يطلق
أحكامه بالقول إنه كيان غامض، لا يعرف كيف يتم اختيار أعضائه. مع أنه لا يستطيع أن
يبدي الرأي في اختيار رؤساء الجامعات وعمداء الكليات بقرار من رأس السلطة
التنفيذية، لكنه يرى أن يكون صاحب رأي في اختيار هيئة كبار العلماء، وكأنها
انتخابات النادي الأهلي!
إن
المفكر بدراوي، الذي يفكر قبل الأكل وبعده، لا يرضيه أن هذا "الكيان الغامض"،
ورغم كونه غامضا، صار رقيبا أعلى على الفكر في بلد كان منارة الاجتهاد منذ قرون! وهو
كلام "فض مجالس"، فالدستور الحالي لم يرتب للهيئة دورا سوى اختيار شيخ
الأزهر، الذي هو غير قابل للعزل، وهذا هو بيت القصيد!
الرأي
الديني
ألا فليعلم حسام بدراوي أن الدولة المدنية ليست قائمة في مصر الآن، ليس لوجود هيئة كبار العلماء، ولكن لأنها جرت عسكرتها بالكامل، فلم تعد هناك مؤسسة حكومية لا تدار بواسطة ضابط، وعلى نحو لا يقارن بما حدث في الدولة العسكرية الأولى (1952-1967). والحال كذلك، فعندما يتحدث عن الدولة المدنية الآن فإنه يدفن رأسه في الرمال، فهل يخبرنا عن ملمح من ملامح الحكم المدني؟!
تبدو
أزمة حسام بدراوي أنه يريد أن يكون له رأي في الأحكام الدينية، وذلك بقوله: "لم
يعد من حق أي مفكر أو مجتهد أن يبدي رأيا في الدين إلا عبر بوابة هيئة كبار
العلماء وهي مؤسسة أنشأها الإخوان".
ولا
نعرف أين هذه الرقابة، والقنوات التلفزيونية أصبحت مفتوحة على البحري لزعيط ومعيط
ونطاط الحيط، ومن لا يجيد القراءة والكتابة مثل أحدهم الذي قال ذات مشاركة
تلفزيونية إن البخاري ليس اسمه هكذا ولكن اسمه "جمعة"، لأنه لم يحسن
قراءة كلمة "جمعه"، ومع ذلك لا يزال مرحبا به في القنوات التلفزيونية.
ولم تتدخل هيئة كبار العلماء في شأن استضافة هذه الكائنات البهلوانية، لأن
الاختيار يقع تحت حماية السلطة التي تحتكر الإعلام احتكارها للدراما.
ثم
يجد المفكر الكبير نفسه متحدثا عن الدولة المدنية، وكأنها قائمة لا يسيء إليها إلا
هذا "الكيان الغامض" المسمى هيئة كبار العلماء! ألا فليعلم حسام بدراوي
أن الدولة المدنية ليست قائمة في مصر الآن، ليس لوجود هيئة كبار العلماء، ولكن
لأنها جرت عسكرتها بالكامل، فلم تعد هناك مؤسسة حكومية لا تدار بواسطة ضابط، وعلى
نحو لا يقارن بما حدث في الدولة العسكرية الأولى (1952-1967). والحال كذلك، فعندما
يتحدث عن الدولة المدنية الآن فإنه يدفن رأسه في الرمال، فهل يخبرنا عن ملمح من
ملامح الحكم المدني؟!
النصوص
الدستورية
لقد
تم إدخال نص في تعديلات 2019 على الدستور، أنهى فكرة الدولة المدنية تماما، وهو
الخاص بأن القوات المسلحة مهمتها حماية الدستور (!) والديمقراطية (!) والحفاظ على
المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها (!) وحماية حقوق الشعب وحريات الأفراد (!). فهل
يمكن أن يتعرف هنا على ملامح الحكم المدني الذي فرغه من مضمونه وجود هيئة كبار
العلماء التي استحدثها الإخوان؟!
إنها
معركة مفتعلة يقودها حسام بدراوي ومن بعده صلاح دياب ضد هيئة ليس لها اختصاص
دستوري سوى اختيار شيخ الأزهر. وهذا هو رأس الأمر وعموده.
x.com/selimazouz1