مع اقتراب حفل توزيع
جوائز نوبل في المجالات المتعددة، يستذكر الكثيرون كيف نشأت الجائزة، والظروف
التاريخية التي مر بها صاحبها، خاصة أن الأمر ارتبط بمأساة شخصية قادت لتكون مدار
تنافس للعلماء على مدار العقود الماضية.
وتعود
جائزة نوبل إلى
المخترع السويدي ألفريد نوبل، المولود عام 1833، والذي اشتهر بتصنيع المتفجرات،
بناء على إرث عائلي حيث كان عائلته تعمل في هذ القطاع.
وكان والد إيمانويل
يمتلك مصنعا للأسلحة والذخائر، وعمل ألفريد في تصنيع ألغام أرضية لقيصر روسيا، حين
كان يقيم مع عائلته في سان بطرس بيرغ، وكان المصنع يحقق أرباحا كبيرة، ورغم عده
ارتياده للمدرسة، إلا أنه كان بارعا في الكيمياء، ويتحدث بأربع لغات.
ظهور الديناميت لأول
مرة
ومع نهاية حرب القرم
عام 1856، وإفلاس مصنع العائلة، عاد أفرادها إلى السويد، لكن الأبناء الأكبر ومن
بينهم ألفريد بقي في سان بطرس بيرغ، وبدأ بإجراء تجارب على مادة النيتروجلسرين،
وهو سائل شديد الانفجار اخترعه الإيطالي اسكانيو سوبريرو، ورأى فيه فرصة لتحقيق
أرباح طائلة وتعويض خسائر المصنع بعد انتهاء الحرب.
وبعد عدة تجارب، تمكن
من التوصل إلى مركب يجمع النيتروجلسرين، والبارود الأسود، وتحولت المادة إلى مزيد
أكثر أمانا عند التعامل معه للتفجير، وبناء عليه نال براءة الاختراع عن هذا
المنتج الجديد، والذي أطلق عليه الديناميت.
وتسبب اختراع
الديناميت في جني نوبل أرباحا طائلة، رغم تعثر بعض أعماله، لكن الحادثة الأكثر
مأساوية والتي أثرت عليه بشكل كبير، كان انفجار مصنع نوبل للمتفجرات في ستوكهولم
عام 1864 والذي قتل فيه شقيقه الأصغر إميل.
ولعبت الكاتبة
النسماوية وناشطة السلاح بيرتا فون سوتنر، دورا كبيرا في التأثير على نوبل، لدعم
جهود نزع السلاح بعد تحول الديناميت لأداة فتاكة بيد العسكريين، من خلال العديد
من المراسلات بينها وبينه.
وبحسب موقع الجائزة،
يسود الاعتقاد أن فكرة إنشائها، كان مستوحى من تلك الرسائل والأفكار التي وردت
فيها، مع الصحفية النمساوية، لكن أحدا لم يعلم بالأمر، إلا بعد موته، إذا إن
محتوى فكرة الجائزة لم يعرف سوى بعد فتح وصيته بعد وفاته في 10 تشرين أول/أكتوبر
عام 1896.
وبناء على الوصية،
يخصص الجزء الأكبر من جائزة نوبل، من الثروة الطائلة بسبب الديناميت والمتفجرات،
لتمويل جوائز في مجالات الطب والفيزياء والكيمياء، وعلم وظائف الأعضاء والأدب
والسلام، ولاحقا أضيف الاقتصاد بعد سنوات.
كيف يختار الفائزون؟
يجري اختيار الفائزين
بجوائز نوبل من خلال لجان متخصصة وهيئات علمية وأكاديمية مختلفة، تحددها وصية
نوبل، ولكل جائزة جهة مانحة مستقلة.
ففي مجالات الفيزياء والكيمياء
والعلوم الاقتصادية تختارها الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم ، أما في مجال الطب أو علم وظائف الأعضاء..
يختارها معهد كارولينسكا في ستوكهولم عبر "جمعية نوبل".
وفي مجال الأدب، تختار
الأكاديمية السويدية الفائزين، وفي مجال السلام اللجنة النرويجية لنوبل، والمكونة
من 5 أعضاء منتخبين من البرلمان النرويجي، تختار الفائزين بهذه الجائزة.
وترسل آلاف الاستمارات
السرية للترشيح إلى أساتذة جماعات وباحثين ومؤسسات بحثية وشخصيات سياسية، وفائزين
سابقين، لترشيح أسماء لكن لا يحق لشخص أن يرشح نفسه.
وفي نهاية يناير من كل
عام، تبدأ لجان متخصصة بالتدقيق، في الترشيحات، ويجري استبعاد كل شخص لم يستوف
الشروط للترشيح للجائزة.
وتخضع أسماء المرشحين
والنقاشات حولهم والتقارير لبند السرية، لمدة 50 عاما، بعد مرور هذه الفترة يمكن
أن يفتح الأرشيف للباحثين للاطلاع عليه.
ما قيمة الجائزة؟
يحصل الفائزون على
ميدالية من الذهب الخالص من عيار 18 قيراطا، وعليها نقش اسمه الشخصي والسنة التي
فاز فيها،
كما يحوز على
مكافأة
مالية تصل إلى نحو مليون دولار أمريكي، ويمكن تقاسم الجائزة في الحد الأقصى مع 3
أشخاص عند وجود أكثر من فائزة في نفس المجال.
إضافة إلى ذلك، يحصل
الفائز على شهادة رسمية، تحمل اسمه والمجال الذي فاز فيه.
طرائف الجائزة
في عام 2018 تقرر حجب
جائزة نوبل للآداب بعد فضيحة جنسية هزت الأكاديمية السويدية، حيث تقدمت 18 سيدة
بادعاءات تحرش جنسي ضد المصور الفرنسي جان كلود أرنو المتزوج من عضوة سابقة في
الأكاديمية.
وفي عام 1953 أعلن عن
منح رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل جائزة نوبل للآداب بعد كتابته مذكراته
عن الحرب العالمية الثانية في 12 مجلدا، لكن القرار تسبب بصدمة للكثير من الأدباء
والنقاد الذين رأوا أن كتاباته لا تحمل قيمة أدبية ترقى للمنافسة، واعتبر البعض أن
هذه الجائزة جاءت تعويضا لتشرشل الذي كان مرشحا قويا لجائزة نوبل للسلام قبل ذلك
بثماني سنوات ولم يفز بها.
ومنحت جائزة نوبل للاقتصاد
في عام 1997 للاقتصاديين الأمريكيين روبرت ميرتون ومبيرون سكولس تقديرا لفتحهما
آفاقا جديدة في مجال التقييمات الاقتصادية، بحسب بيان الأكاديمية، لكن الصناديق
والشركات المالية التي طبقت نظريتهما خسرت مليارات الدولارات.
وفي عام 1988 باع
العالم الفيزيائي ليون ليدرمان جائزته لشخص مجهول عبر دار المزادات لتغطية نفقات
علاجه من الخرف، وتلقى مقابلها 765 ألف دولار، وهو نبأ أصاب المجتمع العلمي
بالصدمة والحزن.