مقالات مختارة

في كل الحالات المقاومة انتصرت…

الأناضول
في كل الحالات، ينبغي توجيه تحية إكبار وتقدير إلى الشعب الفلسطيني، على صموده التاريخي على أرضه، رغم كل أساليب الإبادة التي مورست ضده بلا شفقة ولا رحمة، ورغم تحالف قوى الشر الصهيونية العالمية واستخدامها كل ما تملك من أساليب ظالمة لقهره واحتلاله.

وفي كل الحالات، سواء قبلت المقاومة الباسلة مشروع “ترامب” لوقف الحرب أم رفضته أم طالبت بإدخال تعديلات عليه، فإنها تبقى منتصرة، وقد واجهت أعتى الجيوش العالمية المُدجَّجة بأفتك الأسلحة بما في ذلك سلاح تجويع الأطفال والنساء والشيوخ الذي لم تستخدمه سوى النازية والفاشية عبر التاريخ…

وإلى جانب هذا، وفي كل الحالات أيضا، ينبغي توجيه تحية احترام وتقدير لكافة شعوب العالم التي وقفت ضد الظلم وساندت الشعب الفلسطيني في صده للعدوان، وهتفت عاليا بالحرية لفلسطين، وعلى رأس هذه الشعوب تلك التي تعيش في الغرب وجعلت من رابطة الاشتراك في الإنسانية تقودها للوقوف إلى جانب الحق مهما كان، رافضة كل تمييز عنصري أو ديني أو سياسي!

وفي المقابل، وفي كل الحالات، ينبغي إدانة وكشف مناورات الصهاينة وداعميهم التي تسعى لمحاولة قلب الحقائق لصالح حلول مزعومة ظالمة تهدف إلى تكريس الاحتلال ومنع الشعوب من تقرير مصيرها، وبخاصة تلك المناورات التي تتم تحت غطاء مشاريع وهمية للسلام والتطبيع والاتفاقيات الإبراهيمية…

هذه هي الخلاصات التي ينبغي الخروج بها بعد نحو عامين من بدء معركة طوفان الأقصى المظفَّرة، التي وضعت حدا لمحاولات الصهاينة وأد القضية الفلسطينية والقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة من جذورها.. يكفي أن خطة ترامب الحالية التي وافق عليها الكيان الصهيوني مذموما مدحورا، باتت تعترف بأن غزة ليست أرضا صهيونية، وهي غير قابلة للضم والاحتلال وعلى قوات الاحتلال الانسحاب منها، ويكفي أنها اضطرت للعدول عن فكرة تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه (الغاية الأولى للحرب)، ويكفي أنها قبلت على مضض الحديث عن مسار لتحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة بعد أن كان ذلك من المُحرَّمات.

لقد كان الأمريكي قبل عام يتحدث عن تهجير الشعب الفلسطيني من غزة إلى دول أخرى ليعود الكيان الصهيوني ويحتلها بمستوطناته، وكان قادة الاحتلال يعملون فرحين لأجل تحقيق ذلك بكل الوسائل ويُمَنُّون النفس بالضم النهائي لها وللضفة الغربية، فإذا بهم اليوم يعترفون، بعد عامين من التضحيات الفلسطينية الجسيمة، والصبر غير المحدود لهذا الشعب العظيم، بأَنه لا ضم ولا احتلال، بل اعتراف بمسار تحقيق الدولة المستقلة طال الزمن أم قصر…

كانوا يتحدثون عن “النصر المطلق”، ورفع المقاومة الراية البيضاء والاستسلام، ودخول غزة منتصرين والإثخان فيها ذبحا وقتلا كما فعلوا في صبرا وشاتيلا ودير ياسين، وفي كل مرة يتم فيها وقف إطلاق للنار، وكان زعماؤهم المجرمون بن كفير وسموم تريتش ونتن ياهو يتحدثون عن التطهير العرقي وتحرير الأرض المقدسة كما يزعمون، وفوق ذلك كانوا يتصورون الوصول إلى مواقع أسْر جنودهم وتحريرهم بالقوة بطرق استعراضية هوليودية لعلها تُرمِّم هيبتهم المنهارة بعد السابع من أكتوبر… فإذا بهم يعجزون عن تحقيق كل هذا، ولا يجدون بديلا عن الاحتماء بِسيِّدتهم أمريكا ورئيسها دونالد ترامب للظهور بمظهر القوة، ولِتمثيل دور المنتصر تحت ظلال القوة الأمريكية…

وهو ما حدث بالأمس تماما، عندما كان “النتن ياهو” يبدو مُتجهِّم الوجه يصطنع ابتسامة صفراء، لا يجد سوى عبارات التأييد والخنوع المطلق يقولها مُتذلِّلا للرئيس الأمريكي: لا حديث له عن نصر مطلق ولا حديث له عن استسلام للمقاومة، ولا حديث له عن ضمٍّ للضفة الغربية وقطاع غزة، بل انتظار وتَوسُّل لكلمة ستقولها المقاومة لعله يُنقذ ما بقي له من أيام…

ومهما كانت هذه الكلمة التي ستقولها المقاومة، ولا يوجد من يستطيع إعطاءها درسا في ذلك، فهي أعلم بواقع الشعب الفلسطيني ومعاناته، وهي أعلم بقدراتها وإمكانية المناورة لديها في المستقبل، وهي الأقدر على اتخاذ القرار المناسب… علينا تأكيد أمر واحد، أن قرارها مهما كان، سيكون أشرف قرار تتخذه قوة محاربة للاستعمار وسيكون جميع أحرار العالم له من المؤيدين: إن هي قبلت بخطة ترامب سيكون النصر حليفها، وإن هي رفضتها سيكون أيضا النصر حليفها، وإن اشترطت شروطا، فمن حقها أن تفعل. لقد أثبتت أنها جديرة ليس فقط بثقة الشعب الفلسطيني بل جديرة بثقة العالم أجمع…

الشروق الجزائرية