صحافة دولية

كيف يستغل ترامب "كأس العالم" لفرض نفوذه وحماية "إسرائيل"؟

ترامب اعتبر حصول الولايات المتحدة على حق تنظيم كأس العالم 2026 إنجازا شخصيا - جيتي
تحولت بطولة كأس العالم المقبلة إلى ورقة ضغط سياسية في يد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يسعى لاستغلال الحدث الرياضي الأكبر في العالم لحماية إسرائيل من عقوبات رياضية محتملة، وفتح الباب أمام روسيا للعودة للملاعب، مع التلويح بإجراءات ضد إيران والبرازيل ودول أخرى.

ونشرت مجلة بوليتيكو تقريرًا موسعًا للصحفيين صوفيا كاي وإريك بازيل-إيميل، كشفت فيه عن الكيفية التي يحاول بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استغلال مباريات كأس العالم المقبلة كأداة دبلوماسية غير تقليدية، لتأمين مصالح بلاده، وحماية إسرائيل من أي عقوبات رياضية، وفي الوقت ذاته استخدام البطولة لممارسة الضغط على خصومه الدوليين، من روسيا وإيران وصولًا إلى البرازيل.

وأوضحت المجلة أن ترامب تابع خلال الأسبوع الماضي قادة غربيين شاركوا في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، حيث أبدوا دعمًا واضحًا لفلسطين وتحدثوا عن ضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما لم يتمكن الرئيس الأمريكي من وقفه أو التصدي له، مكتفيًا بمتابعة المشهد باستياء، غير أن الموقف تغير سريعًا بعدما انتقلت قضية إسرائيل إلى ساحة رياضية مختلفة تمامًا، وهي الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، الذي يستعد لبحث تعليق مشاركة إسرائيل في بطولاته.

بحسب التقرير، فإن اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي لكرة القدم قد تصوت خلال الأسبوع المقبل على قرار تاريخي بتجميد عضوية إسرائيل، في خطوة قد تقود إلى عزلها فعليًا عن كرة القدم الدولية، على غرار ما حدث مع روسيا عقب غزوها لأوكرانيا عام 2022، وأكدت بوليتيكو أن عشرات الاتحادات الأعضاء في "يويفا" شجعت على إعادة النظر في وضع إسرائيل.

ترامب – الذي سبق أن لمح إلى إمكانية رفع الحظر عن روسيا مقابل إنهاء حربها في أوكرانيا – يعتبر اليوم الزعيم الدولي الوحيد القادر على التدخل لمنع فرض مثل هذه العقوبات على إسرائيل. وهو يتمتع بنفوذ خاص بفضل استضافة الولايات المتحدة لكأس العالم الصيف المقبل، ما يمنحه سلطة عملية ورمزية غير متوقعة في ولايته الثانية.

ونقلت المجلة عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية قوله: "سنعمل بشكل كامل على وقف أي جهد يرمي إلى منع المنتخب الوطني الإسرائيلي لكرة القدم من المشاركة في كأس العالم".

ورقة مساومة مع روسيا وإيران والبرازيل
أشارت المجلة إلى أن ترامب لوح باستخدام كأس العالم كورقة ضغط في أكثر من ملف، فروسيا مثلًا قد تمنح "جائزة العودة للملاعب" إذا وافقت على وقف حربها في أوكرانيا، أما إيران فمن المتوقع أن تواجه تضييقًا أكبر، حيث قد يمنع ترامب جماهيرها من دخول الأراضي الأمريكية لتشجيع منتخبهم، في إطار نهجه التصعيدي ضد طهران.

وبالنسبة للبرازيل، أبدى مسؤولون بارزون خشيتهم من أن تفرض إدارة ترامب قيودًا على تأشيرات مشجعيهم أو مسؤوليهم الحكوميين خلال المونديال، لاستخدامها كورقة ضغط في مفاوضات تجارية. وعلّق أندرو جولياني، رئيس فريق عمل البيت الأبيض لكأس العالم، بقوله لـ بوليتيكو: "ندرك أن كرة القدم مهمة للغاية للعديد من الدول حول العالم، والرئيس يفهم ذلك جيدًا، وهو مستعد لبذل كل ما في وسعه لتحقيق السلام".

إنجاز شخصي يتحول إلى أداة سياسية
ذكّرت المجلة بأن ترامب اعتبر حصول الولايات المتحدة وكندا والمكسيك على حق تنظيم كأس العالم 2026 إنجازًا شخصيًا كبيرًا له. ففي حزيران / يونيو 2018، قال: "لقد ناضلت وبذلت جهدًا كبيرًا للحصول على استضافة البطولة… ويشرفنا أن يتم اختيارنا".

لكن ما لم يكن ترامب يتوقعه هو أن يجد نفسه في موقع الرئاسة أثناء إقامة البطولة. ومع اقتراب صيف 2026، اكتشف أن استضافة الحدث الرياضي الأكبر في العالم تمنحه فرصة ذهبية لتعزيز مصالح بلاده والتأثير على الساحة الدولية.

فقد اعتاد ترامب على استخدام أدوات غير تقليدية للضغط في المفاوضات، سواء عبر تهديد فرنسا بفرض رسوم جمركية على النبيذ إذا لم تخفّض ضرائبها الرقمية، أو بفرض قيود على المكسيك إذا لم تضبط الهجرة، وحتى التدخل في قضية هواوي مقابل صفقات مع الصين.

خلط السياسة بالرياضة

منذ أيار / مايو الماضي، بدا أن ترامب أكثر استعدادًا لدمج الرياضة بالدبلوماسية، فخلال اجتماع فريق عمل كأس العالم بالبيت الأبيض، تطرق إلى قضية روسيا، قائلاً إن السماح لها بالعودة للمشاركة في البطولات الدولية "قد يكون حافزًا جيدًا" لإنهاء الحرب. وفي أكثر من لقاء مع رئيس الفيفا جياني إنفانتينو، لوّح ترامب بعلاقته مع بوتين، مستعرضًا صورًا تجمعهما لدفعه نحو التفاوض على هدنة محتملة.

وأكد ترامب حينها: "نريد أن نوقف هذه الحرب. خمسة آلاف شاب يُقتلون أسبوعيًا، وهذا أمر لا يصدق".

إسرائيل تحت الضغط الأوروبي
أفردت بوليتيكو مساحة واسعة لتسليط الضوء على وضع إسرائيل داخل المنظومة الكروية. فمنذ تأسيسها عام 1948، واجهت إسرائيل صعوبات في إيجاد موقع دائم، نظرًا لمقاطعة الدول العربية لها. وبعد أن لعبت لفترة في اتحاد أوقيانوسيا، انضمت إلى "يويفا" عام 1991.

لكن حرب غزة الأخيرة زادت الأمور تعقيدًا. فقد نقل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم جميع مباريات إسرائيل الدولية إلى ملاعب محايدة في المجر، وسط رفض متزايد من الأندية الأوروبية لاستقبال فرقها. بل إن بعض الحكومات فرضت قيودًا على سفر اللاعبين الإسرائيليين أو حضور جماهيرهم.

وحتى المباريات المقبلة للمنتخب الإسرائيلي، الذي لا يزال ينافس على التأهل للمونديال، مهددة، إذ ستُقام في دول انتقدت قادتها بشدة العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. فقد أعلن الاتحاد الإيطالي تعاطفه مع الضحايا، بينما تعهّد الاتحاد النرويجي بالتبرع بعائدات إحدى المباريات لصالح منظمات إغاثة في غزة.

مواقف أوروبية متشددة
كشفت المجلة أن أكثر من نصف الاتحادات الأعضاء في "يويفا" دعت لاتخاذ إجراءات ضد إسرائيل. وخلال مباراة لمكابي تل أبيب في اليونان، رفع متظاهرون لافتة كُتب عليها "إبادة جماعية". وبرّر مسؤولو الاتحاد الأوروبي هذه النقاشات بمخاوف أمنية بالدرجة الأولى، قائلين: "نحن مسؤولون عن سلامة المشجعين واللاعبين".

وإذا ما صوّت "يويفا" لتعليق مشاركة الأندية الإسرائيلية، فقد يجد الفيفا نفسه تحت ضغط لاتخاذ خطوة مماثلة ضد المنتخب الوطني في تصفيات كأس العالم.

ترى المجلة أن استضافة أمريكا للبطولة تضعها في موقع فريد، إذ تمنحها نفوذًا يوازي ما تملكه في مجلس الأمن عبر الفيتو، وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية أنها ستعمل على منع أي محاولة لإقصاء المنتخب الإسرائيلي من المونديال.

ويذكر أن علاقة ترامب الوثيقة برئيس الفيفا إنفانتينو – الذي زار البيت الأبيض مرارًا – باتت ورقة مهمة بيد الإدارة الأمريكية.

لم يتوقف استخدام كأس العالم كأداة سياسية عند إسرائيل وروسيا فقط، بل شمل قرارات أخرى. فقد ألغت الخارجية الأمريكية تأشيرة الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو بعد مشاركته في تظاهرة مؤيدة لفلسطين، كما جرى منع دبلوماسيين إيرانيين من التحرك بحرية في نيويورك، فيما يواجه المشجعون الإيرانيون حظرًا كليًا على دخول الأراضي الأمريكية.

وبالنسبة للبرازيل، تصاعدت الأزمة بعد تقارير عن نية ترامب منع تأشيرات مشجعيها. وقد سبق أن فرضت واشنطن رسومًا جمركية بنسبة 50% ردًا على ما وصفه ترامب بـ"حملة ضد بولسونارو".

تقول بوليتيكو إن هذه التطورات قد تخلق بؤر توتر جديدة، خصوصًا مع اقتراب إعلان القائمة النهائية للدول الـ48 المشاركة في البطولة. وبينما تواصل الولايات المتحدة مفاوضات تجارية مع كوريا الجنوبية، تتطلع أيضًا لدعم الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي قبيل انتخابات بلاده.

وختم التقرير بنقل تصريح أندرو جولياني: "غالبًا ما تمنح دبلوماسية الرياضة قادة العالم فرصًا للجلوس معًا رغم خلافاتهم… ونأمل بحلول انطلاق كأس العالم أن نكون قد حققنا تقدمًا نحو إنهاء بعض الحروب".