صحافة دولية

إيكونوميست: هل يستطيع توني بلير إدارة غزة.. وما مدى مصداقيته بالمنطقة؟

سجل توني بلير لا يجعله محبوبا لدى سكان المنطقة – أ ف ب

نشرت مجلة "إيكونوميست"  تقريرا قالت فيه إن هناك الكثير من الأطراف تتنافس على غزة المدمرة، وتساءلت إن كان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير يستطيع إدارة غزة؟، وأجابت أنه من حيث المبدأ لا أحد يرغب في حكم غزة، فهي جحيم، حرثت دبابات إسرائيل مدنها وحولتها إلى غبار ودمرت بنيتها التحتية.

حتى في الأسبوع الماضي، طرد جنودها نصف مليون شخص من مدينة غزة. ومع ذلك، بينما تخوض إسرائيل ما تقول إنه حملتها الأخيرة في غزة، تشتعل معركة حول من سيدير الأرض القاحلة، وفيما تصطف القوى الغربية للاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، فإنها تتصارع خلف الكواليس حول من ينبغي أن يتولى إدارة غزة.

منذ بدء الحرب في  تشرين الأول/أكتوبر 2023، قدمت أكثر من اثنتي عشرة حكومة ومؤسسة فكرية ترعاها الحكومات خططا لـ"اليوم التالي" لغزة، تتراوح هذه الخطط من إعلان نيويورك المكون من سبع صفحات والذي كشف عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية السعودي فيصل آل سعود في الأمم المتحدة في تموز/يوليو، إلى "الورقة الخضراء" المكونة من 200 صفحة والتي نشرتها حماس، الحركة الإسلامية المسلحة التي تحتفظ ببعض السيطرة على القطاع، في  كانون الثاني/يناير.

وقد صاغت حكومات بريطانيا والدنمارك ومصر وإسرائيل وفلسطين وأميركا الوثائق، كما فعل ذلك مركز أبحاث مدعوم من الحكومة في الإمارات العربية المتحدة ورجال أعمال في العواصم الإقليمية والغربية، وقالت المجلة إن توني بلير، كان الأكثر حرصا، حيث زار إسرائيل بعد أسابيع من اندلاع الحرب في غزة وعملت منظمته في لندن على تقديم مسودات لخطط ما بعد الحرب.

وبحسب مصادر عدة مشتركة في الخطط، فقد يقود بلير، هيئة بمسمى  سلطة غزة الإنتقالية الدولية أو حسب مختصرها الإنكليزي (غيتا)، وستسعى هذه الهيئة للحصول على تفويض من الأمم المتحدة لتكون "السلطة السياسية والقانونية العليا" في غزة لمدة خمس سنوات، وفي حال الموافقة عليها، سيشكل بلير أمانة عامة تضم ما يصل إلى 25 شخصا، وسيرأس مجلسا من سبعة أعضاء للإشراف على هيئة تنفيذية تدير شؤون القطاع. وستدفع دول الخليج المال.

ويقول مصدر مطلع على تفكير بلير: "إنه مستعد للتضحية بوقته، إنه يريد حقا إنهاء الحرب"، وقالت المجلة إن خطة بلير تحظى  بدعم قوي، من قادة الخليج وجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي. ولعل الأهم من ذلك، على عكس الخطط الأخرى، أنها تبدو تحظى بمباركة دونالد ترامب.

وقد ناقش بلير وكوشنر وستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس إلى الشرق الأوسط، هذه القضية في اجتماع مع الرئيس في 27 آب/أغسطس، وانضم إليهم رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية والمقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي، عبر الهاتف، وفي 23 أيلول/سبتمبر، قيل إن ترامب طرح الفكرة على قادة تركيا وباكستان وإندونيسيا وخمس دول عربية. وقال لهم: "ربما نستطيع إنهاء هذه الحرب (حرب غزة) الآن".

وتقول المجلة إن الخطة تعتبر للفلسطينيين تطورا عن خطة ترامب في شباط/فبراير التي دعا فيها لطردهم من غزة وتحويل القطاع إلى منتجع سياحي مدار بقوة الذكاء الإصطناعي، ووفقا لاستطلاعات رأي نشرها فريق بلير في أيار/مايو، فضل أكثر من ربع سكان غزة شكلا من أشكال الحكم الدولي، فيما فضل ثلث المشاركين إدارة تابعة للسلطة الفلسطينية، برئاسة محمود عباس في الضفة الغربية. ولم يرد أحد تقريبا بقاء حماس في السلطة، وهي التي تدير غزة منذ عام 2007.

وترى مصادر مطلعة أن هيئة (غيتا) بنيت على أساس إدارات دولية أشرفت على العملية الإنتقالية في كوسوفو وتيمور الشرقية. وستتخذ في البداية من مدينة العريش المصرية القريبة من غزة مركزا لها. ثم تدخل القطاع بعد استقراره ولكن بمعية قوة دولية، وبناء على الخطة، فلن يشجع الفلسطينيون على ترك غزة التي سيتم توحيدها مع الضفة الغربية وستسلم بشكل تدريجي إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، حسبما تؤكد المصادر.

وتعلق المجلة أن الإنتداب، أو التفويض عادة ما يمتد لسنوات. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 1917 أصدرت بريطانيا وعد بلفور وعدت فيه اليهود بوطن قومي على أرض فلسطين، وقد صدر الوعد في اليوم الذي غزت فيه القوات البريطانية غزة. واستخدمت القطاع كقاعدة جوية ومحطة توقف للطيران الإمبريالي ( التي سبقت الخطوط الجوية البريطانية)، وظلت هناك لمدة 30 عاما. ويخشى بعض الفلسطينيين الآن أن تكرر بريطانيا نفس الشيء.

وتشير المجلة إلى أن سجل بلير في المنطقة لا يجعله محبوبا لدى سكانها، وبصفته رئيسا لوزراء بريطانيا، انضم إلى أمريكا في غزو العراق عام 2003 وخلال سنواته الثماني كمبعوث للجنة الرباعية، وهي مجموعة تضم أمريكا والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، ومكلفة بتنفيذ خارطة طريق تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، سحقت إسرائيل غزة أربع مرات وأحكمت قبضتها على الأراضي الفلسطينية.

وسيكون إقناع عباس صعبا، فهو يحظى بدعم الدول العربية لإدارة غزة بعد الحرب، ويبدو مستعدا للتغلب على أي منافسين، وعندما تردد اسم رجل الأعمال الفلسطيني، سمير حليلة، بأن يكون حاكما لغزة، أمر عباس بسجنه، وحذر مستشار لعباس من خطة السيد بلير: "احتلال جديد يلوح في الأفق".

ويقول الوسطاء المصريون إنه في حال وجود رؤية سياسية، ستسلم حماس سلاحها وتسمح لحكومة فلسطينية تكنوقراطية تدير القطاع. ولكن إذا منع أعضاؤها من العمل في قطاعي التعليم والصحة، كما تشير مصادر المجلة، فقد تتراجع الحركة.

وتذكر أيضا بموقف إسرائيل، بعد أن سيطرت على غزة بتكلفة باهظة، يريد وزراؤها أصحاب الرؤية المسيانية، التمسك بها. ويتحدث وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إلى "طفرة عقارية"، ويجادل بأن العالم، عاجلا أم آجلا، سيشفق على سكان غزة ويعرض عليهم المأوى في مكان آخر. كثيراً ما يتصل بلير ببنيامين نتنياهو، رئيس وزراء حكومة الاحتلال، على أمل إقناعه برؤيته. ولكن كما هو الحال مع حل الدولتين، قد يجد أن المحادثات حول المستقبل مجرد فرصة لإسرائيل لخلق حقائق بديلة على الأرض.