صادف 23 من أيلول/سبتمبر الجاري٬ عيد ميلاد
الأكاديمي والكاتب
الفلسطيني الراحل رفعت
العرعير، الذي اغتالته طائرات
الاحتلال الإسرائيلي في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2023، في قصف استهدفه مع أفراد من عائلته، بينهم شقيقه وشقيقته وأربعة من أبناء شقيقه.
وفي مقال مؤثر نشره في موقع “
موندويس”، كتب الصحفي الفلسطيني عاصم النبيه عن صديقه وملهمه الذي فقده فجأة، مستعيداً اللحظات الأخيرة التي جمعتهما قبل استشهاده.
يقول النبيه: "كنت برفقته في ذلك اليوم، نسير على الطريق العام، حين قال لي إنه سئم هذه الحرب. بعد ساعات قليلة فقط، سقط صاروخ إسرائيلي عليه وعلى عائلته، ليغيب جسده، وتبقى كلماته شاهدة على ثقل المعاناة."
صاروخ في مواجهة الكلمات
كان العرعير مؤمناً بعمق بمقولة "القلم أقوى من السيف"، لكن الاحتلال ـ كما يروي النبيه ـ تعامل مع تغريداته التي لاقت صدى واسعاً كتهديد يستحق الرد العسكري. "لم يكن أحد يتوقع أن إسرائيل ستختار صاروخاً لمواجهة تغريداته،" يقول الكاتب.
لكن المأساة لم تتوقف عند ذلك، ففي 26 نيسان/ أبريل الماضي، استُهدفت عائلة العرعير مجدداً، حيث استشهدت ابنته وزوجها وطفلهما الرضيع في غارة مماثلة.
يصف النبيه كيف كان يتخيل يوم ميلاد صديقه لو أنه بقي على قيد الحياة، قائلاً: "كنت سأجتمع معه في مطعم (القلق) الشعبي على شاطئ
غزة، حيث يُقدم وجبة واحدة فقط هي السلطعون. هذه الكلمة التي تعني القلق تحمل في غزة دلالات أعمق، تعبّر عن روح المكان والناس."
ويضيف: "أو ربما كنا سنجلس في مقهى (ريستريتو) قرب الجامعة، بينما هو مشغول بكتابة تغريدة، أو قراءة مقال، أو متابعة أحد طلبته. كان بإمكاننا أن نحتفل بعيد ميلاده ببساطة، كما يفعل أي أصدقاء."
اليوم، كما يصف الكاتب، توقفت الحياة الجامعية، غابت أصوات الطلبة، وتحوّلت القاعات إلى أنقاض، بينما بقيت ذاكرة العرعير حاضرة كأستاذ للأدب الإنجليزي ألهم أجيالاً من الطلبة لكتابة قصصهم وحكايات أجدادهم الذين هُجّروا قسراً عام 1948.
بين الحبر والمقاومة
يؤكد النبيه أن صديقه لم يكن مجرد كاتب أو أستاذ جامعي، بل كان "دليلنا وملهمنا، وربما هذا ما أخافهم، أن يكون للجيل الشاب من يعلّمه كيف يستخدم قلمه في مواجهة الاحتلال وكشف جرائمه."
ويتابع: "كانت كتاباته ممزوجة بالسخرية والذكاء والتعليقات اللاذعة، لا تترك مجالاً للتجاهل. حاولت منصات التواصل مراراً تقييد حساباته، لكنه كان يقاوم تلك القيود بصلابة أكبر وإصرار أعظم."
يستعيد الكاتب موقفاً إنسانياً قبل أيام من استشهاد العرعير، حين فقد النبيه جدته، ويقول: "رغم أنه كان مشرّداً بين المدارس والملاجئ، جاء سيراً على الأقدام إلى بيتي في حي الشجاعية ليواسيني، وقال لي: أنا هنا من أجلك، أنا إلى جانبك."
ويختم النبيه مقاله برسالة مؤثرة: "بدلاً من أن أحدثكم عن فراغ غيابه، سأحاول أن أكون مثله؛ أزور الآخرين، أرفع من معنوياتهم، وأحثّهم على الصمود كما كان يفعل. كنت سأشتري قماشة وخيطاً وأعطيها لطفل يتيم كي يصنع منها طائرة ورقية، ليجد في السماء لحظة أمل. لكنني كثيراً ما كنت أنا ذلك الطفل، أنظر للسماء وسط الدخان والطائرات وأبحث عن بصيص رجاء."
ويضيف: "رفعت.. أفتقدك كثيراً يا أخي."