صحافة دولية

ذي نيويوركر: هكذا تجبر إدارة ترامب الدول لقبول المهاجرين المرحلين من أمريكا

أسوشيتد براس تقول إن إدارة ترامب تخطط لإجراء مراجعة شاملة للاجئين الذين جرى قبولهم في أمريكا خلال فترة الرئيس بايدن - حساب المتحدثة باسم البيت الأبيض
نشرت مجلة "ذي نيويوركر" تحقيقا أعدته سارة ستيلمان حول عمليات التهجير القسري التي تقوم بها إدارة دونالد ترامب للمهاجرين في أمريكا إلى غانا وجنوب السودان ودولة إيسواتيني (سوازيلاند سابقا) حيث يتم اعتقال المهجرين لأجل غير مسمى أو يجبرون على العودة إلى الأماكن التي فروا منها.

وذكرت في البداية أنها تلقت فيديو عبر وأتساب في أيلول/سبتمبر من مجموعة سجناء في غابة في غانا، حيث قال أحدهم أن هناك "عقارب وسعالي"، وقال آخر إن معدته تؤلمه، وتحدث ثالث عن مخاوف من التعذيب على يد الحرس للمعسكر الذي احتجزوا به، وقالت إن جيم (ليس اسمه الحقيقي) وهو تاجر سيارات من ألاباما قدم لها جولة في المعسكر واسمه "بوندازي للتدريب" ويبعد 40 ميلا عن العاصمة أكرا.

وقال جيم "لدي خمسة أطفال أمريكيين ولا يعرفون مكان والدهم"، وقبل أشهر كان معظمهم لديه عمل في الولايات المتحدة، أحدهم كان يعمل في "يو بي أس" بشيكاغو وآخر مع والدته وتجارتها في توصيل الطلبيات، ومعظهم جاؤوا إلى أمريكا وهم صغار في العمر، فجيم جاء من ليبيريا وعمره 23 عاما بعد مقتل والديه على يد قبيلة أخرى. وهناك امرأة هربت من دولة توغو خشية تعرضها للـ"ختان الفرعوني".

وتم ترحيل الجميع ضد رغبتهم وكلهم كانوا يتمتعون بنوع من الحماية التي تمنع إعادتهم لبلدانهم الأصلية، وفي قلب الحماية الأساسية مفهومان مقدسان في القانون الأمريكي والدولي، مفاده "عدم الإعادة القسرية"، ويعني هذا المبدأ أنه لا يجوز لأي دولة ترحيل أو طرد أشخاص عمدا إلى مكان يحتمل أن يواجهوا فيه التعذيب أو الاضطهاد أو الموت أو غير ذلك من التعرض للمخاطر الجسمية.

وقد تواصل المحتجزون مع الصحافية من خلال محاميتهم واسمها ميرديث يون، وهي محامية هجرة من أتلانتا وتعمل مديرة دعاوى في منظمة غير ربحية تدعى "الأمريكيون الآسيويون يعززون العدالة"، وقالت للصحافية: "عادة ما نركز كثيرا على احتجاز المهاجرين، ونشارك في الدعم بشأن القضايا التي تؤثر على مجتمعات الأمريكيين الآسيويين وسكان جزر المحيط الهادئ".

لكنها اضطرت في الأشهر الأخيرة، إلى إعادة النظر في عملها وسارعت بمساعدة أفراد المجتمع الذين اعتقل أحباؤهم في مداهمات واسعة النطاق لدائرة الهجرة والجمارك الأمريكية، والعمل على حماية المهاجرين الشرعيين من الترحيل غير القانوني، وفي ربيع هذا العام، وافقت على تمثيل جيم بعد أن علمت أنه احتجز في مركز للهجرة تابع لدائرة الهجرة والجمارك الأمريكية في فولكستون، جورجيا، لأكثر من عامين، وحصل جيم على حق اللجوء وأصبح مقيمًا دائما قانونيا في الولايات المتحدة في التسعينيات. ولكن في عام 2011، أُدين بتهمة الاحتيال المصرفي، وبعد أكثر من عقد من الزمان، بدأت دائرة الهجرة والجمارك الأمريكية إجراءات ترحيل ضده واحتجزته.

وفي أواخر الصيف، علمت يون أن إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية نقلت جيم إلى مركز احتجاز الإسكندرية التابع لها، في وسط لويزيانا، والذي يرحل منه المحتجزون عادة، واتصلت يون بإدارة الهجرة والجمارك الأمريكية لمعرفة المكان الذي تخطط الإدارة لإرساله إليه، ولم تتلق إجابة منها، عند هذه النقطة، قالت يون: "بدأ ناقوس الخطر يدق من جديد"، ثم، في صباح الثامن من أيلول/سبتمبر، اتصل جيم بيون مذعورا وصرخ قائلا: "أنا في غانا!". سارعت يون لجمع معلومات عن جيم والمحتجزين الآخرين معه، وبعد أربعة أيام، رفعت هي وزملاؤها دعوى قضائية عاجلة، تحدثوا فيها عن مخاوف خمسة منهم لمخاطر تعرض حياتهم للتهديد أو الموت، وفي صباح اليوم التالي، تلقت صحافية "ذي نيوروكر" اتصالا من جميع الأفراد الأحد عشر المحتجزين في معسكر بونداسي للتدريب، وطلبوا منها وصف محنتهم.

قال جيم في ذلك الصباح: "لم يخبرونا إلى أين نحن ذاهبون، لقد اختطفونا بين عشية وضحاها واختطفونا"، ومنذ ذلك الوقت ركزت على جمع المعلومات عن المحتجزين في معسكرات لترحيلهم إلى مراكز اعتقال في دول ثالثة، ولم تكن العملية سهلة، لكنها ركزت على من رحلوا إلى دولة جنوب السودان وإيسواتيني، وضمت المجموعة الأولى أشخاصا من ميانمار والمكسيك ولاووس، وتم ترحيلهم في تموز/يوليو، وبعد أيام تم ترحيل خمسة من كوبا وجامايكا ولاووس وفيتنام واليمن إلى إيسواتيني، وكلهم كانوا يعيشون في أمريكا منذ عدة سنوات. وتم اعتقالهم في مراكز اعتقال أمنية وبدون أي مبرر.

ويبدو أن إدارة ترامب اختارت هؤلاء المرحلين بعناية لاختبار نهج جديد للترحيل الجماعي، ووفقا لوزارة الأمن الداخلي، فقد أدينوا جميعا بجرائم خطيرة، بما في ذلك القتل، وأعلنت تريشيا ماكلولين، المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي، عن الرحلة إلى إيسواتيني، ووصفت المرحلين الخمسة بأنهم "همجيون بشكل فريد لدرجة أن بلدانهم الأصلية رفضت إعادتهم"، وهو ادعاء أنكرته دولة واحدة على الأقل.

ويمكن القول إن الجزء الأكثر إثارة للدهشة في عمليات الترحيل المبكرة هذه كان أيضا الأقل فهما، فلم يكن الأمر يقتصر على إرسال هؤلاء الرجال إلى دول لا تربطهم بها صلات، وإلى أماكن غير آمنة، بل هو أن عدة رجال أكملوا عقوبتهم في الولايات المتحدة منذ سنوات يتعرضون الآن للاحتجاز لأجل غير مسمى في الخارج، ورأت الكاتبة أن عمليات الترحيل إلى بلد ثالث تتجذر في الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب بعد توليه المنصب في كانون الثاني/يناير "تأمين حدودنا"، والذي تحدث عن توسيع الترحيل لدولة ثالثة، من بين عدة أمور.

وفي الفترة ما بين 12 و 15 شباط/فبراير أرسلت الولايات المتحدة 299 شخصا، من دول مثل أفغانستان والكاميرون والصومال وإيران إلى بنما. وفي 20 و25 شباط/فبراير، أرسلت الولايات المتحدة 200 شخصا إضافيا، بينهم 81 طفلا، إلى كوستاريكا، وبعد ذلك بوقت قصير، انطلقت رحلات ترحيل إلى دول ثالثة إلى أوزبكستان والسلفادور، حيث احتجز أكثر من 250 مهاجرا غير سلفادوري في مركز احتجاز الإرهابيين الوحشي، المعروف أيضا باسمه الإسباني المختصر سيكوت.

وفي حزيران/يونيو أصدر قاضي المحكمة الجزئية الأمريكية جيمس بواسبيرغ قرار قال فيه إن الحكومة انتهكت حقوق هؤلاء الرجال بعدم منحهم الفرصة للطعن في قرار ترحيلهم، وفي نيسان/أبريل أصدر القاضي الفدرالي في ماساتشوستس، برايان إي. مورفي، أمرا قضائيا أوليا يقضي بمنح الحكومة مهلة 15 يوما على الأقل للطعن في قرارات الترحيل إلى دول ثالثة. لكن بعد شهرين، منحت المحكمة العليا وقفا مؤقتا، ناقضة أمر مورفي.

وقالت المجلة إن نظام الترحيل القسري تعسفي، فمن بين الذين أرسلوا إلى ايسواتيني أورفيل إيتوريا، وهو مواطن أمريكي عاش في أمريكا حوالي 50 عاما. والتقت الكاتبة بعمة إيتوريا وهي برفسورة في كلية هانتر بمجال التعليم. وقالت إنها حصلت على الجنسية الأمريكية منذ ثلاثين عاما، ولم ترتكب حتى مخالفة سيارة، "لكنك لا تدري ما قد يفعله بك أحد. بدأت أخشى أن تأتي دائرة الهجرة والجمارك الأمريكية وتكسر باب منزلي"، وقالت إن ابن أخيها جاء إلى أمريكا وعمره 12 عاما في عام 1976، ورغم انه ارتكب جنحا كثيرة إلا أنه ليس وحشا كما تصوره وكالات الحكومة.

ونقلت الكاتبة عن يون قولها إن قصة إيتوريا وغير تعطي صورة عن البعد غير القانوني والتعسفي في ممارسات إدارة ترامب، وقالت إن المجموعة المعتقلة في غانا تضم أحد دعاة حقوق الإنسان من نيجيريا ولم يتهم أبدا بارتكاب جريمة أو تجاوز، وقال الرجل الذي رمزت إليه بدي إي: "بذلت قصارى جهدي لأكون على حق"، مؤكدا التزامه بقانون اللجوء الأمريكي، وهو متزوج من مواطنة أمريكية من تكساس. وقال: "اليوم، أحضروا ضابطا نيجيريا من القنصلية لرؤيتي!" و "أريد أن يعلم شعب الولايات المتحدة أن حياتي في خطر، ليس فقط في نيجيريا، بل في غانا أيضا".

ورفضت وزارة الخارجية التعليق على تفاصيل اتصالاتها الدبلوماسية مع حكومات أخرى، لكن أفادت التقارير أن الولايات المتحدة سعت إلى إبرام اتفاقيات ترحيل مع دول ثالثة مع دول مثل أوكرانيا وليبيا والسعودية ويوغندا وكوسوفو، مهددة الدول أحيانا بعواقب اقتصادية أو دبلوماسية إن لم تلتزم، وفي المحاكم، استندت دائرة الهجرة والجمارك إلى اتفاقيات لم تظهر أي سجلات بشأنها.

وحصلت الكاتبة على إقرار مشفوع بقسم من أحد مسؤولي دائرة الهجرة والجمارك، ينص على أن "وزارة الخارجية الأمريكية لديها حاليا اتفاقية سارية مع بوليفيا لقبول عمليات الترحيل من دول ثالثة"، وشهد الضابط بأن دائرة الهجرة والجمارك قد سلمت شابة كولومبية "إشعارا بالترحيل إلى بوليفيا"، وأن وزارة الأمن الداخلي قد حددت موعد رحلتها، لكن محامية المرأة أخبرت الكاتبة أنها لم تجد أي تقارير عامة أو أدلة على وجود مثل هذه الصفقة، وقد نجحت المحامية في إطلاق سراح موكلتها بعد أن أقر مسؤول في دائرة الهجرة والجمارك في المحكمة بأنه لا يمكن، في الواقع، إرسال المرأة إلى بوليفيا.

وبنفس السياق تم إخفاء الحوافز المالية وراء هذه الاتفاقيات عن الرأي العام، ففي آذار/مارس الماضي، دفعت إدارة ترامب للسلفادور أكثر من أربعة ملايين دولار لسجن المرحلين غير السلفادوريين، ولكن في معظم الأماكن لا تزال الأرقام غير معلنة، وحصلت الكاتبة على نسخة من "مذكرة التفاهم" التي وقعتها حكومة الولايات المتحدة مع إيسواتيني، والتي كشفت أن الولايات المتحدة قد وافقت على دفع أكثر من خمسة ملايين دولار للبلاد مقابل قبول ما يصل إلى 160 شخصا أجنبيً، كما راجعت الكاتبة نسخة من الصفقة المبرمة مع رواندا: في تلك الحالة، تعهدت الولايات المتحدة بمبلغ 7.5 مليون دولار مقابل قبول ما يصل إلى 250 مرحلا. وقد التزمت كل من إيسواتيني ورواندا "بمنع الإعادة القسرية".