أفكَار

طوفان الأقصى ومنعطف المشروع الصهيوني.. بين حسم تاريخي وانهيار أخلاقي

تل أبيب تجد نفسها اليوم مخيّرة بين تنفيذ سياسة التهجير بلا التفات إلى العالم، أو القبول بصفقة لا تحقق أهدافها.. الأناضول
رغم الاختلاف الحاصل في قراءة مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي، بين من يعتبر أن طوفان الأقصى كان خطأ استراتيجيا فادحا فتح الأبواب والذرائع لإسرائيل لتفعل ما لم تكن يوما تتصور أنه بإمكانها فعله، وبين من يعتبر أن طوفان الأٌقصى يعتبر الإعلان عن نهاية المشروع الصهيوني وانكشاف إفلاسه الأخلاقي والإنساني، فإن الجميع يقر بأن هذا الحدث ليس عاديا في تاريخ الصراع مع دولة الاحتلال، وأنه يصلح لأن يكون منطلق تأريخ جديد للقضية الفلسطينية، وأن ما بعده لا يعبر فقط عن موجة إبادة غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية، وإنما يعبر عن دخول المشروع الصهيوني في منعطف حاسم، تختلف التقديرات بشأن تقييمه بين  المتشائم الذي يرى بأنه يحقق تطلعات استراتيجية لم يكن يحلم بها، والمتفائل الذي يبشر بقرب نهاية وزوال هذا المشروع.

ومهما يكن الاختلاف بين التقديرات في أذهان المثقفين العرب، أو حتى بين السياسيين منهم، فإن الفاعلين الأساسيين في الصراع، أي قادة المشروع الصهيوني، وقادة المقاومة، لا يترددان في تبني أطروحتين متناقضتين تماما، لا تحظى أي واحدة منها بإجماع في الداخل. أطروحة الحسم التاريخي، التي حملها رئيس الوزراء الإسرائيلي، والتي ترى أن إسرائيل توفرت لها اليوم فرصة تاريخية حاسمة وغير مسبوقة لكي تحقق أهدافها التاريخية، بل وأهدافها الدينية والإيديولوجية، وأطروحة زوال إسرائيل التي تقوم على فكرة خلق تناقض مفصلي بين دكلة الاحتلال وبين العالم، وعزلها تماما وتعرية رأسمالها الأخلاقي والإنساني، ومحاصرتها دوليا من خلال الاستثمار الإعلامي والحقوقي والسياسي في جرائمها الإبادية.

"أطروحة الحسم التاريخي في تل أبيب تقابلها أطروحة زوال إسرائيل عبر تفجير تناقضها مع العالم."
الداخل الإسرائيلي، لا يتعاطف كثيرا مع أطروحة الحسم التاريخي، ويحذر بعضه من عزلة تل أبيب في محيطها الإقليمي والدولي، كما أن الداخل الفلسطيني والعربي نفسه، لا يتقاسم أطروحة يحيى السنوار، ويرى أن الشعب الفلسطيني وحده من يتحمل كلفة تفجير التناقض وبلوغه مستواه المأزقي وعزل تل أبيب ومحاصرتها دوليا.

لكن هذا الاختلاف الداخلي لا يؤثر في القرار، ولا يؤثر في مسار الصراع بين الأطروحتين، كما أن المواكبة الخارجية (الوساطة التفاوضية)، والتي تصل إلى مستويات متقدمة، تقف في نهاية المطاف عند عتبة الخلاف المفصلي بين الأطروحتين، فحماس لن تقبل أبدا بنزع السلاح، ولن تقبل ببقاء الاحتلال على غزة، وتل أبيب، لن تقبل ـ أو هكذا يبدو ـ أن توقف الحرب دون القضاء على حماس والانتهاء من كابوسها العسكري والسياسي في غزة.

يتناول هذا المقال بالتحليل مستقبل صراع هذين الأطروحتين، وما الأفق الذي يسمح به، وما الخيارات المفتوحة لتدبيره، وهل يؤشر على صراع وجودي لا أمل لإنهائه إلا بإنهاء وجود على حساب آخر، أم أن الديناميات العسكرية والسياسية والدبلوماسية ستصيب إحدى الأطروحات بالتعب، فترتد إلى خيار الضرورة وما لا بد منه؟

في أطروحة تفجير التناقض بين دولة الاحتلال والعالم

يعتبر خطاب يحيى السنوار قبل السابع من أكتوبر الأساس المتين لأطروحة تفجير التناقض بين تل أبيب والعالم، وقد عبر عن مضمونها بشكل واضح حين قال:" سنجعل إسرائيل أمام خيارين: إما أن نرغمها على تطبيق القانون الدولي واحترام القرارات الدولية وتحقيق إقامة دولة فلسطينية، أو أن نجعل هذا الاحتلال في حالة تناقض وتصادم مع الإرادة الدولية".

ولئن كان هذا الهدف يكشف أفق الأطروحة وسقفها السياسي والاستراتيجي، فإن نقطة الالتباس برزت بشكل واضح حول التكتيك الموصل لهذا الهدف، وكيف يمكن جر دولة الاحتلال إلى هذا المنعطف الحاسم، وهل يتم ذلك عبر آلية المقاومة الهجومية كما حصل في حدث طوفان الأقصى؟ أم يتم عبر استثمار استراتيجية توسعية إسرائيلية وجرها إلى هذا النفق؟

"المقاومة تراهن على حرب استنزاف طويلة الأمد، تكشف إسرائيل أخلاقيا وسياسيا وتضعها في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي."
في خطاب زعيم حركة حماس الذي توعد فيه بعملية عسكرية كبيرة ضد الاحتلال، يبدو طوفان الأقصى أشبه ما يكون بالمصيدة لدولة الاحتلال حتى تدخل هذا النفق، لكن، في رواية عدد من قادة حماس بعد طوفان الأقصى، يبدو هذا الحدث كما ولو كان استراتيجية استباقية لتجنب السيناريو الأسوأ، وأن إسرائيل حسب معلومات استخباراتية حصلت عليها أجهزة الأمن التابعة لحماس، كانت بصدد هجوم واسع على قطاع غزة بنية تقويض قدرات حماس العسكرية وإنهاء سيطرتها السياسية والأمنية على غزة.

لن ندخل كثيرا في حيثيات التكتيك السياسي والعسكري الذي قررت حماس أن تخوضه لإدخال تل أبيب للنفق حسب أهداف أطروحة تفجير تناقضها مع العالم، لكن، الربط بين طوفان الأقصى كتكتيك للوصول إلى هذا الهدف أثار نقاشا كثيفا حول مدى تقدير حماس للكلفة التي سيدفعها القطاع وساكنيه من الفلسطينيين لبلوغ هذا الأفق الاستراتيجي.

نتجاوز مرة ثانية هذا السؤال، لأن واقع الأمر يبين أن هذه الكلفة قد حصلت، وأن السلوك التفاوضي لحركة حماس قرابة سنتين من طوفان الأقصى لم تجعل من هذه الكلفة ثابتا حاسما في تغيير شروطها التفاوضية لإبرام صفقة مع دولة الاحتلال، فلم يؤثر مطلب رفع المعاناة الإنسانية إلا بشكل ضئيل في تكييف شروطها المتعلقة بالمرحلة الانتقالية (الصفقة الجزئية)، فرفضت حماس خارطة انتشار الجيش الإسرائيلي أكثر من مرة، ولم تغير أبدا مطلبها بانسحاب الجيش الإسرائيلي.

صلب الأطروحة كما عبر عنها منظرها يحيى السنوار يقوم على جر تل أبيب إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، تضطرها إلى فضح أفقها التوسعي والتهجيري والتدميري، وتضعها أمام حرج تعارضها وتناقضها مع المواثيق الدولية، وصدامها مع مؤسسات المجتمع الدولي، القانونية والجنائية والحقوقية والسياسية، وتضطر الدول الحليفة لها إلى الاختيار بين الوقوف مع القانون الدولي أو مساندة إسرائيل في حرب إبادية لا أخلاقية تنهي الوجود الفلسطيني في غزة من أجل تحقيق منافع خاصة.

في بادئ الأمر، لا تجد قضية الإسناد موقعها ضمن أطروحة تفجير تناقض تل أبيب مع محيطها الإقليمي والدولي وخصومتها للقانون الدولي ومؤسساته، وإنما بدأ خطاب المقاومة يبحث لها عن موقع مع التحاق بعض محاورها الإقليميين بالمعركة، وصارت تل أبيب تتحدث عن صراع إقليمي لها في المنطقة من ثمان جبهات.

يثار التساؤل دائما، حول أطروحة تفجير تناقض تل أبيب مع محيطها الإقليمي والدولي وعزلتها وخصومتها للمجتمع الدولي، وهل خدم التحاق هذه الجبهات هذه الأطروحة؟ أم خدم ذرائع تل أبيب في الحديث عن تهديد إيراني يستغل جبهات متعددة تمكن طهران من تحسين تموقعها في التفاوض مع واشنطن والاتحاد الأوربي حول البرنامج النووي؟ وهل خلق الالتباس لدى الفاعل العربي بشأن نوايا طوفان الأقصى وأهدافه وخلفياته، وما إذا كان استراتيجية إيرانية لاستكمال مهمتها في إضعاف النظام العربي، والإجهاز على ما تبقى من العواصم فيه؟

"رغم الإبادة والتجويع، لم يتحقق حلم التهجير من غزة.. الفلسطينيون صمدوا، والدول العربية حالت دون تمرير السيناريو."
لا وضوح على هذا المستوى، فشكل التعاطي الفلسطيني مع جبهات الإسناد كشف أن الأمر يتعلق بسياسة الأمر الواقع أكثر من ترتيب استراتيجي مدروس يحدد بوضوح موقع جبهات الإسناد في أطروحة تفجير التناقض.

التقييم الموضوعي والمبني على الوقائع، يبين أن تحقق هدف عزل تل أبيب مع محيطها الدولي والإقليمي وخصومتها للمجتمع الدولي، لم يحصل بدرجة أكبر إلا بعد تحييد جبهة طهران ولبنان والعراق وسوريا، وأن ديناميات التفاوض حول صفقة لإنهاء الحرب، وصمود حماس على مطالبها، هو الذي دفع تل أبيب إلى المضي إلى السرعة القصوى في سياسة التهجير والإبادة والتجويع، بما أفضى إلى مأساة غير مسبوقة جلبت الدعم الدولي مع الشب الفلسطيني، واللعنة الحقوقية والإنسانية على تل أبيب.

في نهاية المطاف، يقول تقييم الوقائع، أن تل أبيب تعانق اليوم نفس الأفق المأزقي الذي رسمته استراتيجية تفجير التناقض التي اعتمدتها المقاومة، وهي اليوم مخيرة بين سيناريوهين اثنين: إما المضي إلى تنفيذ استراتيجيتها في التهجير من غير التفات إلى العالم من حولها، وهو ما سيعزز التناقضات   داخل المجتمع الإسرائيلي من جهة، ومع العالم من جهة مقابلة، بما يجعل تل أبيب مفتقدة لأي جبهة داخلية ولأي حليف خارجي، وإما أن تجد نفسها بعد سنتين من العدوان العسكري أمام صفقة لا تحقق أهدافها السياسية والعسكرية،  وستجد نفسها قد ضعفت في محطيها الإقليمي بعد أن أنهكت الحرب اقتصادها العسكري، وفقدت الأساس الأخلاقي والإنساني والسياسي لتوسيع الاتفاقات الإبراهيمية.

في أطروحة محور الخير في الشرق الأوسط

في خطابه بالجمعية العامة للأمم المتحدة، قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العناوين العريضة لهذه الأطروحة، فتحدث عن سينايوهين للشرق الوسط: السينايو الذي يوشح المنطقة بالسواد، وهو الذي تهمين فيه ما سماه بمحور الشر الإيراني مجسدا في نظام الملالي ومحاوره الإقليمية، وسيناريو "انتصار" محور الخير والسلام في المنطقة الموشحة باللون الأخضر، رمزا للتنمية والازدهار والتقدم، تحميه مركزية تل ابيب في الشرق الأوسط، مع اندماج طبيعي لها في الإقليم، والتحاق الدول العربية كلها بالاتفاقات الإبراهيمية.

"حصيلة أطروحة الحسم التاريخي لم تتجاوز إضعاف بعض محاور إيران، بينما فشلت في القضاء على حماس أو تهجير الفلسطينيين."
لم يوضح رئيس الوزراء في أطروحته تكتيكاته للوصول إلى هذه الأهداف، فقد أعلن عن هذه الخارطة الواعدة قبيل الحرب على إيران، وقبيل استهداف قيادات حزب الله بتفجير جهاز اللاسكلي البيجر، ثم تطور خطابه مع تطور الأحداث، وتبين أن هذه الأطروحة تتوسل خمس تكتيكات أساسية: حرب على إيران إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية، وحرب على حزب الله لتقويض قدراته العسكرية وتجريده من سلاحه، وخطة إفراغ وإخلاء وتهجير لقطاع غزة تضمن تقويض قدرات حماس العسكرية والسياسية، وسيطرة على مناطق عازلة في كل من غزة ولبنان وسوريا ضمن اتفاقات أو صفقات تبعد خطر التهديد الأمني عن تل أبيب سنوات طويلة، وتوسيع الاتفاقات الإبراهيمية بما يضمن اندماجا طبيعيا لتل أبيب في محيطها الإقليمي ومركزيتها ومفتاحيتها في منطقة الشرق الأوسط.

التدخل العسكري في قطاع غزة، وتعدد العمليات والرهانات، فضلا عن تناقض بيانات الجيش الإسرائيلي بشأن تحقيقه للأهداف، يكشف عن ارتباك كبير في الأهداف المتعلقة ببؤرة الصراع الأساسية (غزة)، فرغم التدمير والإبادة والتجويع، لم تستسلم المقاومة، ولم يتحقق هدف تهجير الفلسطينيين من القطاع، لأنه صمدوا في أرضهم ورفضوا الرضوخ، ولأن الدول العربية، لاسيما مصر والأردن مانعت بقوة هذا السيناريو لأنه يهدد الأمن القومي العربي.

في سوريا، تختلف القراءات بشأن تقييم الثورة السورية وأداءها وشكل علاقتها مع الكيان الإسرائيلي، لكن، من المؤكد أن الذاكرة السلبية التي يحملها الشعب السوري عن جرائم نظام بشار الأسد وحلفائه لم يدفع دمشق للحضن الإسرائيلي، وأن ثابت الحفاظ على وحدة سوريا واستقلالها، اصطدم بشكل قوي بأهداف الأطروحة الإسرائيلية، التي تعتبر الجنوب السوري  جزءا من منظومة أمنها القومي، وتجعل من العلاقة مع طائفة الدروز وقوات قسد السورية أوراق اعتماد في تحقيق هذه الاستراتيجية، فالعدوان الإسرائيلي المتكرر على جنوب سوريا، يبين بأن الهدف الإسرائيلي يجد ممانعة سورية وتركية وعربية، ويعطل أي اتفاق أمني مفترض بين تل أبيب ودمشق، بل ربما يدفع دمشق إلى نسيان ذاكرتها الأليمة بشأن العلاقة مع طهران وحزب الله، من أجل ترتيب خيارات أخرى للممانعة دون تحقيق الأهداف الإسرائيلية.

في لبنان، نجحت تل أبيب بدون شك في إضعاف قدرات حزب الله العسكرية وحتى السياسية، وأضحى اليوم في حالة عزلة وضيق الخيارات بسبب إصرار الدولة اللبنانية على قبول الورقة الأمريكية، لكن في المقابل، ثمة حيثيات تفصيلية كثيرة، تجعل النجاح الإسرائيلي محل شك، فجزء كبير من الطيف الوطني اللبناني، يشرط قبول الورقة الأمريكية بالانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، كما يجعل تسليم سلاح حزب الله مشروطا بالتوافق على استراتيجية دفاعية وطنية، تبحث صيغة إدماج مقاتلي حزب الله ضمن قوات الجيش الوطني اللبناني.

على مستوى الجبهة الأبعد، والتي تعتبر في التقدير الإسرائيلي مفتاح تعميم محور الخير وإنهاء الشر، أي الجبهة مع طهران، لم تنجح إسرائيل في تحقيق إنجاز عسكري حاسم، فهناك شك كبير حول حصيلة الهجوم على المواقع النووية، وهناك حيثيات كثيرة متعلقة بأسباب وقف الحرب، تبين بأن الرد العسكري الإيراني لم يكن متوقعا لا في حجمه ولا في نوعيته ولا حتى في أهدافه، وأن هذه الجبهة قد تم تأجيلها، أو الاكتفاء بتحقيق ما اعتبر أهدافا آنية لا سبيل لتأجيلها (ضرب المواقع النووية).

"في النهاية، يبدو أن المآل يتجه إلى سيناريو مختلف عن أحلام الطرفين: لا دولة فلسطينية كاملة ولا مركزية إسرائيلية في الشرق الأوسط."
حصيلة أطروحة محور الخير المكتسح للشرق الأوسط (أطروحة الحسم التاريخي)، تكشف بأن الجغرافية ضاقت كثيرا لتعود إلى البؤرة الأساسية للصراع (غزة) ثم بعدها الضفة، وأن تل أبيب أضحت عاجزة عن إتمام مخطط التهجير، وأن جبهتها الداخلية لم تعد تتحمل استمرار الحرب، ولا عدم الإفراج عن الأسرى، ولا انهيار الاقتصاد، ولا الاستمرار في فتح الجبهات المتنوعة، ولا القدرة العسكرية على إخضاع حماس، ولا القدرة الدبلوماسية لوقف توجه المجتمع الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية في مؤتمر نيويورك في شتنبر الجاري، ولا تأمين الحليف الأمريكي، الذي يبدو  في خطاباته الأخيرة، مهموما بفكرة إنهاء الحرب،  وعدم تحمل الاستمرار في تقديم دعم أبدي لدولة معزولة عن العالم تدوس القانون الدولي ولا تعبا بمؤسساته وشرعياتها القانونية.

في التقييم النهائي للأطروحتين

في نهاية المطاف، يمكن القول في التقييم النهائي أن أطروحة تفجير التناقض نجحت في تحقيق هدف عزل تل أبيب ومخاصمتها للمحيط الدولي وتناقضها مع القرارات الدولية، وأن أطروحة الخير المطلق بالشرق الأوسط (الحسم التاريخي)، نجحت نسبيا في تغيير المعادلات في الشرق الأوسط، بإضعاف محورين من محاور إيران (سوريا ولبنان)، دون التمكن من تحقيق الهدف الاستراتيجي في بؤرة الصراع الرئيسية (القضاء على حماس عسكريا وسياسيا)، وتهجير الفلسطينيين، وهي بصدد ديناميات موسعة لتحقيق اتفاقات أمنية في المنطقة، تجبنها العودة إلى واقع ما قبل السابع من أكتوبر، ويجبنها أي تهديد أمني مباشر.

تدافع الخيارات، وصدام الأطروحتين، يكشف بأن المآل يتجه لسيناريو مختلف عن الأهداف التي رسمها الطرفان، فلا هدف تحقيق الدولة الفلسطيني سيتحقق، ولا حلم مركزية تل أبيب ومفتاحيتها في الشرق الأوسط سيرى النور، وأن أفضل ما يمكن التوصل إليه، هو نهاية الصراع في بؤرته الرئيسة (غزة) بسيناريو حالة لبنان السابقة (أي استمرار وجود عسكري للمقاومة مع إدارة سياسية من غير حماس دون سيطرة أمنية إسرائيلية)، وفشل الاتفاق الأمني في كل لبنان وسوريا مع استمرار حالة التدخل العسكري الإسرائيلي، وتأجيل الصراع الإقليمي المفصلي لفترة لاحقة.

إصرار تل أبيب على المضي في سياستها التهجيرية سيفتح المنطقة على المجهول، وسيعظم التهديدات الأمنية عليها، ويمكن أن يساعد في إنضاج خيارات الضرورة التي تفتح الباب لتوافقات تركية إيرانية عربية تجتمع على حد أدنى من مقاومة الاستراتيجية الإسرائيلية.