قضايا وآراء

لماذا ضرب الكيان قطر؟!

تبرز سياسة قطر في هذه المساحة، في مساحة أخلاقية ومبادئية، يشهدها المراقبون، حتى مع الاختلاف معها في بعض المواقف السياسية، ففي مساحات أخرى توجد توافقات مع كثير من قضايا الأمة الإسلامية والعربية.. جيتي
ربما كان مفاجئا ما قام به الكيان بتوجيه طيرانه الحربي لضرب مقر قيادة لحركة حماس، معروف المكان، ومعروف وجود الحركة منذ سنوات، وفق تنسيق دولي، ومباركة ورعاية أمريكية لذلك، ولم يكن ذلك خافيا على الجميع، لكن لم يكن متوقعا أن تقدم إسرائيل على هذه الخطوة، وتوجيه ضربة لدولة وسيطة، وليست دولة معاونة للمقاومة بالدعم اللوجيستي كما هو تصنيف الكيان وغيره لدولة مثل إيران.

الإجابة عن السؤال، بالمنطق والعقل، لن يقف بنا عند حدود هذه الضربة، بل سيعود به إلى ما قبل ذلك بكثير، فتعلق الضربة بالقيادات، ربما يعد ذلك سببا أو مبررا أو شماعة لنتنياهو، لكن تهديد شخصيات على أرض قطر، وربما تحمل جنسيتها ليس جديدا على السياسة الإسرائيلية، فمن قبل، تم تهديد الشيخ يوسف القرضاوي، ووضعه على قوائم اغتيالات عند الكيان.

موقف السياسة القطرية المتوازن في كثير من القضايا العربية والإسلامية، موضع تحريض من الكارهين لهذا الخط، وبخاصة من المتهصينين العرب، فضلا عن أهل التطرف الصهيوني كنتنياهو وأمثاله، في ظل إدارة أمريكية كذوبة، ولا تحفظ عهدا ولا ودا، مع إصابة نتنياهو بخيبات وفشل في غزة..
وكان القلق منه كشخصية إسلامية، لأنه مناهض للمشروع الصهيوني، وفكره وفقهه ضده تماما، ومؤيد لمقاومة المحتل في كل أرض إسلامية، وليس في فلسطين وحدها، وهو ما أعلنه بعد احتلال الأمريكان للعراق، وصدر بسبب ذلك وضع اسمه على قوائم الإرهاب والممنوعين من دخول الإمارات، تلبية للرغبة الأمريكية.

وكان من نتيجة ذلك، أن حركته في السفر للدول الأوربية بات قليلا، بل ممنوعا عليه، بقرار منه، بعد نصائح وجهتها له الخارجية القطرية آنذاك، حرصا على سلامته، ورغم علم الكيان بحمل القرضاوي الجنسية القطرية، إلا أن ذلك لم يمنع من هذه التهديدات، فليست هذه أول مرة يتم تهديد مقيمين على أرض قطر، فضلا عمن يحمل جنسيتها.

فلو وضعنا في الاعتبار اسم القرضاوي كقوة ناعمة، مهمة وذات تأثير في قطر، وهو ما أعطى هذا الزخم على المستوى الإسلامي، فهناك أيضا قوة أخرى ناعمة أضافت بعدا سياسيا وحضورا دوليا لقطر، وهي: قناة الجزيرة، والتي كان من أهم برامجها عند التأسيس برنامج للقرضاوي بعنوان الشريعة والحياة، ثم باتت القناة العربية الأقوى والأبرز ببرامجها، وأخبارها وجرأتها في طرح الكثير من القضايا ذات السقف المنخفض في قنوات أخرى، وحاولت السعودية عمل قناة تنافس، وهي: العربية، وحاولت دول أخرى، لكن دون منافسة تذكر.

كلنا نعلم أن دول العالم العربي لا تخرج عن القرار الأمريكي، ولكن هناك مساحة متروكة لهذه الدول جميعا، هنا تظهر مبادئ وسياسة هذه الدولة المعبرة عنها، فهناك دولة تجتهد في هذه المساحة المتروكة، والتي تعبر عن وجهتها، فتراها دولة متصهينة أكثر من الصهاينة، وعميلة أكثر من الكيان نفسه، ومعادية للأمة عداء يستغربه الجميع. بينما تبرز سياسة قطر في هذه المساحة، في مساحة أخلاقية ومبادئية، يشهدها المراقبون، حتى مع الاختلاف معها في بعض المواقف السياسية، ففي مساحات أخرى توجد توافقات مع كثير من قضايا الأمة الإسلامية والعربية.

ضرب قطر، ليس المستهدف به قطر جغرافيا، بل مقصود به ضرب توجه، وضرب أي مساحة ستشكل حاضنة أو بيئة محبة للمقاومة، أو تقوم بدور يشكل نزعا لفتيل الحرب، أو للمجازر
هذه المساحة التي تخالف توجها منبطحا لدى بعض الدول المحيطة، لا يروق لها ذلك، ولذا كثيرا ما رأينا التحريض على قطر دولة وأميرا وشعبا، وقوى ناعمة بكل مكوناتها، تجلى ذلك في الحصار الذي فرض عليها، وكاد أن يتحول لتدخل عسكري، ولم يكن ذلك عن رغبة شخصية لدى كثير من الدول المحاصرة، بقدر ما كان تحريضا غريبا من بعضها، بشكل واضح، ووقتها لم يفوت الفرصة على هذا الحصار، سوى قوة قطر الناعمة، عربيا، وإسلاميا، ودوليا.

موقف السياسة القطرية المتوازن في كثير من القضايا العربية والإسلامية، موضع تحريض من الكارهين لهذا الخط، وبخاصة من المتهصينين العرب، فضلا عن أهل التطرف الصهيوني كنتنياهو وأمثاله، في ظل إدارة أمريكية كذوبة، ولا تحفظ عهدا ولا ودا، مع إصابة نتنياهو بخيبات وفشل في غزة، وفي استعادة الأسرى، وفي ظل وجود بيئة كارهة لهذا الدور القطري في الوساطة في الملف الفلسطيني، يصنع سياقا ومناخا لتوجيه هذه الضربة، وهو ما هدد به أكثر نتنياهو، بعد تصريح ترامب أنه يعد قطر بأن الضربة لن تتكرر، ومع ذلك رد نتنياهو بأنه سيسعى لتكرارها، فإما أن تحاكم هذه القيادات، أو تسجنهم، أو تطردهم، وإلا سيتدخل بنفسه لفرض عدالته المزعومة.

ضرب قطر، ليس المستهدف به قطر جغرافيا، بل مقصود به ضرب توجه، وضرب أي مساحة ستشكل حاضنة أو بيئة محبة للمقاومة، أو تقوم بدور يشكل نزعا لفتيل الحرب، أو للمجازر، وهو ما رأيناه في ساعات معدودة، في بضع أيام، قام الكيان بضرب سفن مدنية في تونس، كانت لإغاثة غزة، وقام في نفس اليوم بضرب اليمن، وضرب غزة، ولا يستبعد أن يصل هذا العدوان لدول أخرى، ربما لا يمنع نتنياهو من اتخاذ القرار حيالها سوى حساب رد الفعل المبني على تهوره، وهو ما يجري في نقاشات عدة، يطرح فيها السؤال: هل يمكن أن يستمر نتنياهو في عدوانه، ليصل إلى تركيا ومصر؟!

Essamt74@hotmail.com