قضايا وآراء

هل يكون نتنياهو غورباتشوف إسرائيل؟

"إيقاف الحرب في غزة قبل أن تلتهم غزةُ إسرائيلَ"- عربي21/ علاء اللقطة
تبلغ الدول في آخر حياتها مرحلة صعبة تواجه فيها تحديات داخلية وخارجية جمة، حينها يظهر نوع من الرؤساء والزعماء يظن أنه قادر على إعادة عجلة التاريخ للوراء ويرتدي هؤلاء ثوب الآباء المؤسسين، ويظن أنه قادر على إحياء ما مات. وفي الحقيقة هو لا يدري أنه يشارك في تسريع عملية الفناء وهو ما يسميه ابن خلدون بجيل الهدم في آخر حياة الدول. ومن هؤلاء كان آخر رئيس للاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف الذي أدت ما سمي بسياسته الإصلاحية أو بيريسترويكا إلى كتابة شهادة وفاة الاتحاد السوفييتي بالكامل، وهو الدور الذي يقوم به رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو.

أول من لفت الانتباه إلى التشابه بين نتنياهو وغورباتشوف هو الكاتب الإسرائيلي ألوف بن الذي كتب مقالا في صحيفة هآرتس الإسرائيلية عام 2010 تحت عنوان: "نتنياهو هل يصبح غورباتشوف؟"، حينها كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يفتتح مدته الثانية في حكم البلاد في عهد الرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما، وكان هناك حديث محموم عن عودة المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
ألوف بن اتهم نتنياهو بأنه لا يركز في التفاصيل، تماما كما أهمل غورباتشوف التفاصيل. وذهب الكاتب الإسرائيلي بعيدا حين قال إنه يشبه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ديفيد بن غوريون؛ حين كتب إلى رئيس الأركان الإسرائيلي يخبره بما وصفه بولادة إسرائيل الثالثة
غير أن ألوف بن اتهم نتنياهو بأنه لا يركز في التفاصيل، تماما كما أهمل غورباتشوف التفاصيل. وذهب الكاتب الإسرائيلي بعيدا حين قال إنه يشبه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ديفيد بن غوريون؛ حين كتب إلى رئيس الأركان الإسرائيلي يخبره بما وصفه بولادة إسرائيل الثالثة إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، قبل أن يتم انسحابه من سيناء مجبرا، في مفارقة واضحة بين الخطاب السياسي التاريخي ذي الأماني العريضة وبين الواقع على الأرض.

ألوف بن سيصبح فيما بعد رئيس تحرير صحيفة هآرتس، وكتب مجددا قبل شهرين في حزيران/ يونيو الماضي متسائلا إن كانت إسرائيل ستعيش إلى عام 2040، بما يعني أنه يشكك في أن تستمر إسرائيل خمسة عشر عاما أخرى، وهي تقريبا نفس المسافة الزمنية تقريبا التي تفصل مقاله الأول عن مقاله الثاني. واعتبر أن نتنياهو وضع البلاد في مأزق داخلي عادة ما يكون مقدما لانهيار البلاد التي تأتي عوامل انهيارها من الداخل قبل الخارج.

ينصح ألوف بن؛ نتنياهو بأن يجيب على سؤال اليوم التالي في إسرائيل، ويرى بأن الخطوة الأولى للإجابة عن هذا السؤال هي إيقاف الحرب في غزة قبل أن تلتهم غزةُ إسرائيلَ على حد وصفه. فهل سيصغي نتنياهو لرئيس تحرير صحيفة هآرتس؟ أشك في ذلك؛ لأن سياسة الرجل يبدو أنها تسير بالفعل على خطى غورباتشوف.

إسرائيل اليوم التي وصلت إلى قوة مادية وعلاقات دولية غير مسبوقة، لكنها غير قادرة على كبح جماح رجل قضى أطول فترة في تاريخ إسرائيل رئيسا للوزراء ويريد أن يكمل على جثة البلاد

يمتلك نتنياهو قدرة كبيرة على المماطلة والتسويف، ويغلف ذلك بحديث تاريخي ولاهوتي يهرب به من أسئلة الحاضر الملحة لحنين الماضي والتاريخ وأوهام إسرائيل الكبرى، ولا يجد من يغازله سوى التيارات اليمينة المتطرفة في إسرائيل، هذه التيارات التي لا تؤمن بمنطق ولا بعقل ولا بحقوق ولا واجبات، وهي ككل اليمين المتطرف في العالم؛ لا تملك شيئا سوى الخطاب التحريضي وخطاب الكراهية.

كان الاتحاد السوفييتي قبل سقوطه قوى نووية عظمى تملك ترسانة هائلة من الأسلحة، ونفوذ سياسي واستراتيجي واسع ومساحة شاسعة من الجغرافيا وأيديولوجيا عابرة للدول والقارات؛ منطلقة من ثورة شعبية هي الثورة البلشفية عام 1917، أي تحقق لهذه الدولة العظمى كل أسباب البقاء المادية، لكنها لم تصمد أمام السوس الذي بدأ ينخر من داخلها، فأفرزت في نهاية الأمر زعيما لكتب شهادة الوفاة، تماما كحال إسرائيل اليوم التي وصلت إلى قوة مادية وعلاقات دولية غير مسبوقة، لكنها غير قادرة على كبح جماح رجل قضى أطول فترة في تاريخ إسرائيل رئيسا للوزراء ويريد أن يكمل على جثة البلاد.

x.com/HanyBeshr