قضايا وآراء

من الترويج للتطبيع إلى الترويج للاعتراف بالدولة الفلسطينية

"مجموعة من الدول أعلنت بالفعل نيتها للاعتراف بالدولة الفلسطينية"- جيتي
قبل سنوات قليلة كانت هناك موجة تطبيع جديدة مع إسرائيل تضرب العالم العربي مع ما يسمى بالاتفاق الإبراهيمي، وكانت الهرولة المؤسفة لعدد من الدول العربية نحو التطبيع المجاني لا تُنبئ بأن هذا الحال سيتغير بين عشية وضحها بعد ثلاث سنوات عند اندلاع عملية طوفان الأقصى في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. فقد كُبح جماح عربة التطبيع وتجمدت الهرولة العربية نحو تل أبيب، الآن وبعد نحو سنتين من عملية طوفان الأقصى يحدث تحول جديد في مسألة سعي عديد من دول العالم، لا سيما الدول الغربية، نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

إذا نظرنا إلى مثال لمجموعة من الدول التي أعلنت بالفعل نيتها للاعتراف بالدولة الفلسطينية وهي فرنسا وكندا ومالطا، فإن هذه الخطوة لا تعتبر فقط تحولا في الموازين الدبلوماسية، ولكن طعنة كبيرة للدبلوماسية الإسرائيلية وحلفائها ولوبياتها. فقد نشرت صحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية تحقيقا مطولا هذا الشهر (آب/ أغسطس 2025) يسبر أغوار اللوبي الإسرائيلي المتغول في الدوائر الرسمية والأكاديمية والإعلامية. كما أن حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أبعد ما تكون عن اليسار الفرنسي التقليدي المؤيد للحقوق الفلسطينية، أي أن خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية قفزت في فرنسا فوق كل هذه الضغوط؛ والوضع الفلسطيني والعربي والإسلامي في أضعف حالاته.

أما بريطانيا فقد أعلنت عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية رغم تأجيل هذا الإعلان، ورهنته بما سمته لندن اتخاذ تل أبيت لخطوات من شأنها إنهاء الوضع المروع في غزة ووقف إطلاق النار والالتزام الجوهري بسلام مستدام وطويل الأجل، وهو ما يعد تحولا جوهريا بحسب وصف وسائل الإعلام البريطانية لسياسة المملكة المتحدة تجاه القضية الفلسطينية. وغني عن البيان أن دولا أوروبية مثل إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا والنرويج اعترفت أصلا بالدولة الفلسطينية.

التبرير الذي تسوقه كثير من الدول التي اعترفت أو أعلنت عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ هو أن أفعال إسرائيل الإجرامية بلغت حدا لا يمكن السكوت عليها. وربما يكون هناك تبرير آخر يُفهم في سياق الحديث السياسي وهو أن إسرائيل لا تسعى لأن يقف الأمر عند حدود قطاع غزة وحده

ظهرت بعض التحليلات تشير لأن هذه الخطوة هي رمزية بالأساس، على اعتبار أن من يملك قوة الاحتلال على الأرض في غزة وبقية أجزاء فلسطين المحتلة هي القوات الإسرائيلية وأنه لا سبيل لتغيير هذا الوضع بمثل هذه الموجة من الاعترافات. وهؤلاء غالبا ما يتناسون أن التحولات على الأرض، لا سيما العسكرية منها، تسبقها دائما موجة دبلوماسية وسياسية. وخير مثال على ذلك اصطناع شرعية إسرائيلية بوثائق لا قيمة لها في القانون الدولي، مثل وعد بلفور عام 1917. من ناحية أخرى، فإن وضع مثل هذه الإعلانات في سياق أوسع يأخذ في الاعتبار مذكرة الاعتقال الدولية الصادرة ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والمعركة الدائرة في المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل، يدرك أنها خطوات متراكمة تسير عكس الجهود الإسرائيلية الحثيثة لحشد دعم سياسي وإعلامي ودبلوماسي، ومظلومية تاريخية ما تزال تعتاش عليها تل أبيب لجلب الدعم والتأييد.

وهناك جانب قانوني آخر متعلق بالقوانين المحلية في هذه الدول التي اعترفت أو التي ستعترف بالدولة الفلسطينية، وهو تجريم التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية ويصعب الالتفات عليه حين تصبح إسرائيل، وفق قوانين هذه الدول، تحتل دولة أخرى ذات سيادة واعتراف.

التبرير الذي تسوقه كثير من الدول التي اعترفت أو أعلنت عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ هو أن أفعال إسرائيل الإجرامية بلغت حدا لا يمكن السكوت عليها. وربما يكون هناك تبرير آخر يُفهم في سياق الحديث السياسي وهو أن إسرائيل لا تسعى لأن يقف الأمر عند حدود قطاع غزة وحده، بل أن دائرة الاحتلال والعدوان مرشحة للاتساع بشكل إجرامي غير مسبوق خاصة مع الحديث عن ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها بالإضافة للأطماع في غور الأردن. فهو خطوة ليست موجهة للوضع الحالي فقط، ولكن ضد ما قد يحدث في المستقبل.