كتاب عربي 21

تداعيات الضربات الإسرائيلية على الموقف السعودي في اليمن

"ها هي أقدار الحرب تدفع باليمن نحو المزيد من ترسيخ مكانة هذا الطرف (جماعة الحوثي)، ليؤدي دوره الرئيس في حرب إقليمية بصفته جماعة ما دون دولة"- الأناضول
لم يعد اليمنيون يتابعون تحركات المبعوث الأممي إلى اليمن السويدي يوهانس غروندبيرغ، ولم تعد زياراته للرياض، مركز صناعة القرار بشأن اليمن، تثير اهتمام أيٍ منهم قدر اهتمامهم بالغارات الجوية والبحرية الإسرائيلية المتقطعة والمدمرة على اليمن، وبما تخصمه من الرأسمال السياسي والعسكري؛ البشري والمادي للحوثيين.

لكن من الواضح أن الكيان الصهيوني (رغم نجاحه في استهداف تجمع كبير لمسؤولي حكومة الحوثي بالعاصمة صنعاء في الثامن والعشرين من شهر آب/ أغسطس الماضي) لا يبدو سعيدا بالكلف العسكرية التي يتكبدها في رحلة الاستهداف الشاقة التي تقطعها طائراته وقطعه البحرية قبل الوصول إلى الأهداف المحددة في اليمن، في وقت يحتاج فيه نتنياهو إلى نتائج فورية وذات قيمة لهذه الضربات، تتمثل في تعطيل القدرات الصاروخية والعسكرية للحوثيين، وهو ما لا يمكن أن يتحقق في ظل الوتيرة الحالية والإمكانيات المتاحة والعمق الجغرافي للجزء الذي يسيطر عليه الحوثيون في شمال اليمن.

يبدو أن الكيان بدأ يرسل بعض الإشارات السلبية للغاية تجاه السعودية، البلد العربي الثمين الذي ينتظره نتنياهو لعقد صفقته الرابحة لإقامة "شرق أوسط كبير" تهيمن عليه تل أبيب؛ ويراد للسعودية أن تمنح هذه الهيمنة المشروعية السياسية والاخلاقية

يبدو أن الكيان بدأ يرسل بعض الإشارات السلبية للغاية تجاه السعودية، البلد العربي الثمين الذي ينتظره نتنياهو لعقد صفقته الرابحة لإقامة "شرق أوسط كبير" تهيمن عليه تل أبيب؛ ويراد للسعودية أن تمنح هذه الهيمنة المشروعية السياسية والاخلاقية، بعد أن فشلت أبو ظبي في الوصول إلى هذا الهدف عبر "الخلطة الإبراهيمية" للديانات السماوية الثلاث كأساس لتحالف إقليمي يتجاوز الشروط المفروضة من جانب المملكة، والمتمثلة في بدء عملية سياسية تنتهي إلى إقامة دولة فلسطينية وفقا للمبادرة العربية.

أحد المعلقين الإسرائيليين الناطقين بالعربية، نشر في موقع التواصل الاجتماعي ((X تغريدات تحريضية لافتة ضد السعودية، يتهمها بعدم الرغبة في هزيمة الحوثيين ويتتبع نهج السعودية فيما يعتبره احتواء السلطة الشرعية، وهو طرح يتمتع بقدر كبير من الوجاهة والمصداقية لدى قطاع واسع من اليمنيين اليائسين من السياسة السعودية تجاه اليمن.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: هل ترى تل أبيب اليوم أن ثمة إمكانية لفرض شراكة عسكرية مع الرياض بذريعة إنهاء نفوذ الحوثيين، وكبديل يهدف إلى التسريع في جر السعودية إلى مربع التحالف مع الكيان الصهيوني، عوضا عن المسار السياسي التقليدي الذي يقتضي التسليم بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، كما ترى السعودية، قبل أي انفتاح أو السير في خط التطبيع الذي تفرضه بقوة الإدارات الأمريكية المتلاحقة؟

في الواقع لا يوجد اليوم أخطر على السعودية من التهديد المزدوج الذي تمثله إيران وحليفها الحوثي من جهة، ومن جهة أخرى؛ التغول العسكري الإسرائيلي الذي يطال جغرافيا تقع إلى جنوب المملكة ويظهر إلى أي مدى يمكن للنفوذ العسكري الإسرائيلي أن يفرض سطوته لتغيير محتمل في ملامح الجغرافيا السياسية الراهنة، في ظل تصاعد النبرة التهديدية التوسعية لتحقيق هدف إقامة "إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات".

لا يوجد اليوم أخطر على السعودية من التهديد المزدوج الذي تمثله إيران وحليفها الحوثي من جهة، ومن جهة أخرى؛ التغول العسكري الإسرائيلي الذي يطال جغرافيا تقع إلى جنوب المملكة ويظهر إلى أي مدى يمكن للنفوذ العسكري الإسرائيلي أن يفرض سطوته لتغيير محتمل في ملامح الجغرافيا السياسية الراهنة

سردية الحرب في اليمن لم تكن يوما واضحة بالقدر الكافي، وقد تسبب ذلك في تشويه عدالة القضية اليمنية، على أن السردية الصحيحة هي تلك التي تلخص حقيقة القضية اليمنية باعتبارها نتاج الاعتداء السياسي الخطير على أهم وأنجح عملية انتقال سياسي تحققت في اليمن بصفته أحد بلدان الربيع العربي، وهي سردية تضع الحوثيين بشكل تلقائي في الجانب السيئ من هذه الحرب كطرف نفذ أو كُلف بتنفيذ هذا الاعتداء الغاشم على اليمنيين ودولتهم وعلى العملية الانتقالية الناجحة. وللأسف بدد التدخل السعودي على رأس التحالف العربي هذه السردية، بسبب عدم الحسم الذي كان يُفترض أن ينهي الأثر السيئ للانقلاب ويعيد العافية إلى جسد الدولة اليمنية.

لهذا ينظر جزءٌ لا يستهان به من العالم إلى الحرب في اليمن على أنها مسلسل لا نهائي من "الاعتداءات" غير المبررة على اليمن الفقير الذي يدافع عنه الحوثيون، بما في ذلك حرب التحالف العربي لدعم الشرعية.

لقد تآمر الجميع على النتائج السياسية المبهرة لحركة التغيير في اليمن التي بدأت باحتجاجات شعبية عارمة في شباط/ فبراير 2011. إذ دعمت واشنطن مخطط تمكين الحوثيين، مما سمح للأمور بأن تمضي في وجهة لم يكن يتخيلها أحد. فبعد أن وُضعت إمكانية الدولة اليمنية في يد طرف محلي طائفي يتفرد بكونه نقيضا للأغلبية التي يخشاها الغرب، ها هي أقدار الحرب تدفع باليمن نحو المزيد من ترسيخ مكانة هذا الطرف (جماعة الحوثي)، ليؤدي دوره الرئيس في حرب إقليمية بصفته جماعة ما دون دولة، غير محمَّل بأثقال قانونية أو التزامات دولية، ولا حتى بالتزامات تجاه الكتلة السكانية الكبيرة التي يسيطر عليها ولا يلقي بالا للخسائر الفادحة التي تلحقها حرب الأطراف الخارجية باليمن.

وهكذا توفرت لإيران فرصة لا تقدر بثمن لكي توظف جماعة بهذه المواصفات وتحولها إلى قوة ضاربة منفلتة تعزز نفوذها الجيوسياسي، وتقوي فرص طهران في المناورة وحيازة المكاسب والخروج من حالة الانكشاف الاستراتيجي والخسائر العسكرية الهائلة التي تكبدتها على يد الأمريكيين والإسرائيليين؛ بالحد الأدنى من التعافي.

x.com/yaseentamimi68