مقابلات

قيادي في "حماس" يكشف لـ"عربي21" فظائع صادمة عن أوضاع الأسرى في سجون الاحتلال

ناهد الفاخوري أكد أن أسرى قطاع غزة يتعرضون لتعذيب ممنهج ويمارس بحقهم جرائم يندى لها الجبين-مواقع التواصل
كشف مسؤول إعلام الأسرى في حركة حماس، ناهد الفاخوري، أن "أوضاع الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال مأساوية للغاية، حيث تمارس إدارة السجون أبشع أشكال القمع والتنكيل بشكل منظم وممنهج، عبر سياسات تهدف إلى سلب إنسانية الأسير وإيصاله إلى حالة من الإنهاك الجسدي والنفسي والمعنوي، بما يرقى إلى جرائم حرب".

وشدّد الفاخوري، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، على أن "الاحتلال يستفرد بالأسرى العزّل ويمارس بحقهم انتهاكات خطيرة جدا بشهادة أسرى محررين وحتى بشهادة بعض العاملين في السجون الإسرائيلية من أطباء وممرضين صهاينة".

وأوضح أن "الأوضاع تدهورت بشكل غير مسبوق بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023؛ إذ شرعت إدارة السجون، بتعليمات مباشرة من وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، في فرض عقوبات قاسية شملت تقليص الطعام والماء، وتقييد الاستحمام، وزيادة العزل الانفرادي، ومنع العلاج الطبي المناسب، فضلا عن اعتداءات جنسية وفق تقارير أممية، والعديد من الجرائم الأخرى".

وبيّن الفاخوري أن "أسرى قطاع غزة يتعرضون لتعذيب ممنهج شمل سكب الماء الساخن، وإجبارهم على التعري، وتقييدهم في وضعيات مؤلمة لفترات طويلة، والصعق بالكهرباء، إلى جانب منع المحامين والمؤسسات الحقوقية من التواصل معهم، ما يفتح الباب أمام الإخفاء القسري والإعدامات الميدانية، وغيرها من الجرائم التي يندى لها الجبين".

وتابع مسؤول إعلام الأسرى في حركة حماس قائلا: "منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر وحتى اليوم، استشهد داخل سجون الاحتلال 76 أسيرا نتيجة القمع والتعذيب، أي بمعدل شهيد واحد كل 8 أيام، في حين تتحدث تقارير عديدة عن استشهاد عشرات الأسرى من قطاع غزة الذين ما زالوا مُغيّبين قسرا دون الكشف عن أسمائهم".

وحول ما تضمنه المقترح الحالي بشأن ملف الأسرى في إطار المفاوضات الجارية، لفت إلى أن المقترح نص على "إطلاق سراح 1500 أسير من قطاع غزة ممن اعتقلهم الاحتلال بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، إضافة إلى إطلاق سراح 140 أسيرا من المحكومين بالسجن المؤبد، و60 أسيرا من المحكومين بأحكام تزيد على 15 عاما، فضلا عن تسليم جثامين عشرة شهداء فلسطينيين مقابل كل جثة قتيل صهيوني".

وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

كيف تصفون الوضع الإنساني والمعيشي الحالي للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال؟


أوضاع الأسرى داخل السجون مأساوية للغاية حيث ما تزال إدارة سجون الاحتلال تمارس أبشع الجرائم بحق الأسرى وبشكل منظم، وتفرض على الأسرى ظروفا تهدف إلى سلب الأسير إنسانيته واستهداف وعيه، فضلا عن التسبب له بأمراض مزمنة يصعب علاجها لاحقا، وإيصاله إلى حالة من الإنهاك الجسدي والنفسي والمعنوي في محاولة للوصول إلى كسر إرادته وعزيمته.

حكومة الاحتلال لم تترك جريمة إلا واقترفتها بحق الأسرى الفلسطينيين، عبر سياسات قمعية ممنهجة تهدف إلى كسر إنسانيتهم وتدمير إرادتهم، حيث استُفرد الاحتلال بالأسرى العزّل وارتكب بحقهم انتهاكات ترقى إلى "جرائم حرب". شهادات الأسرى المحررين، بل وحتى بعض العاملين في السجون من أطباء وممرضين صهاينة، تكشف عن ممارسات مروعة للغاية.

إلى أي مدى اختلفت أوضاع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال بعد اندلاع "طوفان الأقصى" مقارنة بوضعهم السابق قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023؟

مطلع العام 2023 بدأت إدارة السجون بالتضييق على الأسرى وسحب منجزاتهم، وواصلت إدارة السجون سياساتها بتضيّق الخناق على الأسرى وفرضت عقوبات عليهم تمس حياتهم اليومية، وشرعت إدارة سجون الاحتلال وبإيعاز من وزير الأمن الداخلي للاحتلال "بن غفير" بشنّ عدوان غير مسبوق على الأسرى، في تجاوز واضح وصريح لمواثيق حقوق الإنسان ومعاهدة جنيف الثالثة والرابعة في البنود التي تخص الأسرى وظروف احتجازهم.

تمثلت أبرز التجاوزات في المساس بحق الأسير بتلقي العلاج المناسب، وتشديد ظروف اعتقاله وتقليص طعامه وشرابة، وصولا إلى منعه من الاستحمام إلا في أوقات محددة ومنحة دقائق معدودة لا تتعدى الدقيقتان لذلك، بالإضافة لرفع وتيرة التفتيش والاقتحامات لغرف الأسرى وزيادة العزل الانفرادي بشكل ملحوظ.

كما أن هناك عدة قرارات وإجراءات عقابية جرى الإعداد لتطبيقها على الأسرى وتحمل اسم "قرارات لجنة كعتابي". وتتضمن هذه القرارات: إلغاء الاعتراف بالفصائل، وإلغاء موقع مُمثل الأسرى أمام إدارة السجون، وتقليص زيارات الأهالي لتصبح مرة واحدة كل شهرين، وتقليص ساعات الخروج إلى الساحة لساعتين يوميا، وتقليص الأموال المسموح إدخالها من قِبل الأهالي لكل أسير لشراء حاجياته الأساسية وخصوصا مواد التنظيف التي لا تقدمها إدارة السجون دون تحديد المبلغ، وسحب أدوات الطبخ من الأقسام، واستقبال الأكل مطبوخ بشكل سيء ورديء من قِبل الإدارة وعلى الطريقة اليهودية، وعدم تقديم العلاج المناسب للأسير وتحميله تكاليف العلاج المتعلق بطب الأسنان.

لقد عكست مجمل السياسات والانتهاكات والجرائم غير المسبوقة التي فرضتها إدارة سجون الاحتلال بحقّ الأسرى والمعتقلين بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 والمستمرة حتى اليوم، حجم الجرائم التي تُرتكب بحق الأسرى.

ومن أبرز الانتهاكات التي ارتكبها الاحتلال بحق الأسرى داخل سجونه منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ما يقوم به الجنود عند نقل الأسرى من مراكز التوقيف إلى المعتقلات من تعمّد نزع ملابسهم بشكل كامل في الساحات الخارجية للسجون بذريعة التفتيش.

كما تحوّلت قضية "العدد" أو ما يُسمى بـ"الفحص الأمني" إلى أداة لإذلال الأسرى والتنكيل بهم، حيث تتخللها اعتداءات وضرب مبرّح. وإلى جانب ذلك، تنتهج إدارة السجون سياسة تجويع واضحة؛ إذ تقدم كميات قليلة جدا من الطعام رديئة النوعية وبعضها لا يصلح للاستهلاك. كذلك تتعمّد وحدات القمع التنكيل بالأسرى من خلال إذلالهم بوضع رؤوسهم في دورات المياه، وإجبارهم على اتخاذ وضعيات مهينة كالركوع والانحناء عند إجراء "العدد".

وقد ارتقى داخل السجون نتيجة القمع والتعذيب منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر وحتى تاريخه 76 أسيرا وفق المُعلن عنه، أي بمعدل شهيد واحد كل 8 أيام، فيما تتحدث تقارير عديدة عن استشهاد عشرات الأسرى من قطاع غزة الذين ما زالوا مُغيّبين قسرا دون الإفصاح عن أسمائهم. أيضا تفاقمت حالة الاكتظاظ غير المسبوقة داخل الزنازين، وتواصلت الجرائم الطبية بحق الأسرى الذين يُحرمون من العلاج اللازم، فيما ظهرت عليهم مشكلات جلدية، خصوصا الفطريات، بسبب غياب أدوات النظافة الشخصية.

ومن صور المعاناة أيضا عدم توفر الملابس، حيث إن العديد من المعتقلين لم يتمكنوا من استبدال ملابسهم منذ اعتقالهم، وبعضهم يفتقر حتى إلى أغطية تقيهم من البرد. أما معتقلو ومعتقلات غزة فجميعهم رهن الإخفاء القسري؛ إذ يرفض الاحتلال الكشف عن أي معلومات بشأنهم، في ظل تزايد المخاطر على حياتهم ومصيرهم مع تصاعد الشهادات والتقارير الحقوقية التي تؤكد وقوع جرائم تعذيب وإعدامات ميدانية بحقهم خلال الفترة الماضية.

وتشمل الانتهاكات كذلك عمليات الإعدام الممنهجة والتعذيب، التي تتضمن وفق تقرير أممي صدر في 19 شباط/ فبراير الماضي اعتداءات جنسية. وإضافة إلى ذلك، يواصل الاحتلال منع الطواقم القانونية من التواصل مع معتقلي غزة منذ بداية العدوان الإسرائيلي على القطاع، وهذا جزء من الصورة التي تعكس بشاعة الجرائم التي يتعرض لها الأسرى يوميا.

لكن ما أبرز وأخطر الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى من قِبل إدارة السجون الإسرائيلية؟

أبرز وأخطر الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي تتجلى في جملة من السياسات والممارسات الممنهجة التي ترقى إلى مستوى الجرائم المنظمة والممنهجة. وتأتي في مقدمتها سياسة التجويع، حيث يُقدّم الطعام للأسرى بكميات ضئيلة ونوعية رديئة لا تصلح للاستهلاك الآدمي، وغالبا ما يُترك على الأرض عرضة للتلوث والهواء ولنهش القطط والجرذان قبل تقديمه لهم، فضلا عن ذلك، تبرز سياسة الإهمال الطبي والجرائم الطبية المنظمة؛ إذ يُحرم الأسرى من العلاج اللازم وتُترك الأمراض والأوبئة تتفشى بينهم، ولا سيما مرض الجرب "سكابيوس" الذي سُجّل ارتفاع ملحوظ في عدد الإصابات به بين صفوف الأسرى.

كذلك تمارس إدارة السجون سياسة العزل الجماعي والانفرادي غير المسبوقة، حيث يُحتجز الأسرى في زنازين وأقبية تحت الأرض، خصوصا أسرى قطاع غزة، وسط ظروف مأساوية تفتقر إلى الشمس والهواء والضوء في كثير من الأحيان. ويتعرض الأسرى أيضا إلى سياسة القمع والتعذيب، التي تشمل الاعتداءات الجسدية والنفسية باستخدام الضرب المبرح والغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت والكلاب البوليسية والرصاص المطاطي، إضافة إلى الصعق بالكهرباء في بعض السجون.

أما أسرى قطاع غزة على وجه الخصوص، فيتعرضون لحملة تعذيب ممنهجة شملت وفق شهادات موثقة سكب الماء الساخن عليهم، وإجبارهم على التعري الكامل، وتقييدهم بالأصفاد من الأيدي والأقدام، فضلا عن ربطهم في وضعيات مؤلمة (الشبح) لساعات طويلة.

وتواصل إدارة السجون أيضا استهداف قيادات ورموز الحركة الأسيرة من خلال عزلهم انفراديا، سواء بشكل فردي أو ضمن مجموعات، إلى جانب إخضاعهم لحملات تنقّل متكررة بين أقسام العزل في مختلف السجون، مع ما يرافق ذلك من اعتداءات بالضرب والتنكيل بأساليب مختلفة تهدف إلى كسر إرادتهم وإضعاف تأثيرهم داخل السجون.

هل هناك تمييز واضح في معاملة الأسرى الفلسطينيين مقارنة بالأسرى الجنائيين الإسرائيليين؟

بالتأكيد هناك تمييز واضح وفروقات كبيرة جدا ولا تقارن بالأسرى الأمنيين.

ما هو وضع الأسيرات الفلسطينيات والأطفال داخل السجون، وهل تتخذ بحقهم إجراءات خاصة؟

جميع الأسرى داخل سجون الاحتلال يتعرضون للانتهاكات ذاتها دون أي تفريق بين النساء أو الأطفال، وإن اختلفت وتيرة التنفيذ بين فترة وأخرى؛ فسياسات الإذلال والحط من الكرامة تُمارس بحق الأسيرات بأبشع الصور، في محاولة متعمدة لتدمير نفسياتهن.

ويُضاف إلى ذلك، ما يتعرضن له من تجويع وتعذيب متواصل على مدار الساعة، إلى جانب نزع الحجاب عن رؤوسهن وإخضاعهن لعمليات تفتيش عارية وفق نهج ثابت تتبعه إدارة السجون. والأخطر من ذلك هو تجاهل خصوصية المرأة وعدم مراعاة احتياجاتها الأساسية، ولا سيما خلال فترات الدورة الشهرية حيث تُحرم الكثير من الأسيرات من الحصول على الفوط الصحية، ما يزيد من معاناتهن الجسدية والنفسية بشكل قاسٍ ومهين جدا.

كيف استقبلتم مشهد اقتحام بن غفير لزنزانة القائد مروان البرغوثي بالإضافة إلى قيامه بتعليق صور الدمار في غزة داخل السجون الإسرائيلية ليراها الأسرى الفلسطينيون؟

مشهد اقتحام بن غفير لزنزانة القائد مروان البرغوثي، وما تبعه من تعليق صور الدمار في غزة داخل السجون الإسرائيلية أمام الأسرى الفلسطينيين، لم يكن مفاجئا؛ فهو سلوك متوقع من شخصية صهيونية متطرفة اعتادت تبني سياسات حاقدة ولا إنسانية. إن ما قام به لا يعدو كونه محاولة يائسة للبحث عن صورة "نصر" مزعوم، ومحاولة بائسة لتسويق نفسه سياسيا على حساب معاناة الأسرى العزّل، لكنه في الواقع يكشف حجم الإفلاس الأخلاقي والسياسي الذي يعيشه الاحتلال ورموزه، ويؤكد أن هذه التصرفات الرعناء لن تنجح في كسر إرادة الأسرى أو النيل من صمودهم، بل تزيدهم ثباتا وإصرارا على مواجهة هذه السياسات القمعية والفاشية.

ما خطورة قانون "المقاتل غير الشرعي" على أسرى قطاع غزة، وكيف يسهم في التستر على جرائم الاحتلال بحقهم؟

يُعدّ قانون "المقاتل غير الشرعي" من أخطر الأدوات التشريعية التي يوظفها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وخصوصا أسرى قطاع غزة؛ إذ يمنحه غطاءً قانونيا وهميا لاحتجازهم دون محاكمة وتحويلهم إلى معتقلين بلا أي سند قضائي. وبموجب هذا القانون يمكن اعتقال أي شخص إلى أجل غير مسمّى استنادا إلى "معلومات سرية" لا تُعرض على المحاكم ولا حتى على محامي المعتقل، بما يشكّل انتهاكا صارخا لأبسط معايير العدالة والشفافية القضائية.

خطورة هذا القانون تكمن في أنه يُستخدم كأداة للتستّر على جرائم الاحتلال بحق الأسرى، حيث يتيح حرمانهم من حقوقهم القانونية والإنسانية، ويمنع وصول المؤسسات الحقوقية والمحامين إليهم، ما يفتح الباب واسعا أمام ارتكاب انتهاكات جسيمة تشمل التعذيب والإخفاء القسري والقتل البطيء تحت غطاء "الإجراءات الأمنية"، وهو بذلك يشكل مخالفة مباشرة وصريحة للقانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقية جنيف الرابعة التي تُلزم سلطات الاحتلال بتوفير الحماية للمدنيين أثناء النزاعات المسلحة، وتمنع احتجازهم خارج إطار القانون أو حرمانهم من الضمانات القضائية الأساسية.

ما أبرز البنود التي يتضمنها المقترح الحالي بشأن ملف الأسرى في إطار المفاوضات غير المباشرة بين حماس والاحتلال؟

يتضمن المقترح الحالي بشأن ملف الأسرى إطلاق سراح 1500 أسير من قطاع غزة ممن اعتقلهم الاحتلال بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، إضافة إلى إطلاق سراح 140 أسيرا من المحكومين بالسجن المؤبد، و60 أسيرا من المحكومين بأحكام تزيد على 15 عاما، فضلا عن تسليم جثامين عشرة شهداء فلسطينيين مقابل كل جثة قتيل صهيوني.

هل هناك قوائم أو معايير واضحة للأسماء التي يجري التفاوض حولها في صفقات التبادل؟

الأولوية لدينا للأسرى المؤبدات والأحكام العالية والنساء والأطفال وأسرى النخبة.

لماذا يرفض الاحتلال باستمرار إطلاق سراح الأسرى ذوي الأحكام العالية عبر التسويات السياسية، بينما يرضخ فقط عبر صفقات التبادل؟

رفض الاحتلال لإطلاق سراح الأسرى عبر التسويات السياسية يرجع إلى أن ملف الأسرى لم يحظَ بالاهتمام الكافي داخل هذه التسويات ولم يُدرج كأولوية حقيقية، بل جرى التعامل معه في معظم الاتفاقيات تحت بند ما يسمى بـ"بادرة حسن النوايا"، وهو ما منح الاحتلال صلاحية التحكم الكامل في اختيار الأسماء وتحديد من يتم الإفراج عنه. وبذلك أصبح الاحتلال هو الجهة الوحيدة التي تقرر شكل الإفراج ومضمونه، الأمر الذي حوّل الملف إلى أداة ابتزاز سياسي. أما في صفقات التبادل، فيختلف الوضع كليًا، حيث يضطر الاحتلال للرضوخ لشروط المقاومة بما في ذلك إطلاق سراح أصحاب الأحكام العالية، نتيجة الضغط المباشر والقوة التفاوضية التي تفرضها هذه الصفقات.

برأيكم، إلى أي مدى يمكن الوثوق بالتزامات الاحتلال في حال التوصل إلى اتفاق بشأن الأسرى؟

لا يمكن الوثوق بالاحتلال قيد أنملة فيما يتعلق بأي التزامات قد يبرمها بشأن الأسرى أو غيرهم؛ فهو تاريخيا كيان قائم على الغدر ونقض العهود والاتفاقيات، وقد أثبتت التجارب السابقة أن تعهداته سرعان ما تنهار أمام حساباته السياسية والأمنية الضيقة، الأمر الذي يجعل أي اتفاق معه عرضة للخرق في أي لحظة، "كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم".

ما هي ضمانات حماس لحماية حقوق الأسرى وعدم تركهم رهائن للمساومات السياسية؟

ملف الأسرى يُعدّ من أهم القضايا الوطنية لدى الشعب الفلسطيني، وهو محل إجماع وطني لا خلاف عليه، كما تحكمه اعتبارات وطنية ودينية وأخلاقية تجعل التفريط فيه أمرا غير وارد على الإطلاق. وانطلاقا من هذا المبدأ، قطعت حركة حماس عهدا واضحا بألّا تترك الأسرى رهائن للمساومات السياسية، إدراكا منها لعدم جدوى المسار السياسي في معالجة هذا الملف. ولهذا السبب تُعد حماس أكثر الفصائل الفلسطينية اهتماما بملف الأسرى، وهي التي بذلت على مدار مسيرتها جهودا استثنائية في هذا السياق، حيث نفذت عشرات المحاولات لأسر جنود إسرائيليين بهدف مبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين، ما يجعلها الفصيل الأكثر فاعلية على صعيد حماية حقوقهم وانتزاع حريتهم.

كيف تفسرون تعنت نتنياهو وحكومته وإفشالهم المتكرر لإتمام صفقة تبادل خلال الفترة الأخيرة؟

يمكن تفسير تعنّت نتنياهو وحكومته وإفشالهم المتكرر لما لا يقل عن 5 محاولات لإتمام صفقة تبادل مؤخرا بأنهم في الحقيقة لا يريدون هذه الصفقة من الأساس، بل تخلوا عن أسراهم وتركوا مصيرهم مجهولا. هذا الموقف لا ينفصل عن النزعة الدينية المتطرفة التي تحكم سلوك الحكومة الإسرائيلية الحالية، إلى جانب الدوافع الشخصية لنتنياهو الذي يسعى لاستثمار الحرب والأزمة المستمرة لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية تضمن بقاءه في الحكم وتمنحه فرصة للهروب من أزماته الداخلية وقضاياه الجنائية. وبذلك يصبح ملف الأسرى بالنسبة له ورقة سياسية لا قضية إنسانية، وهو ما يفسر استعداده للتضحية بهم على حساب صورته ومصالحه الخاصة.

كيف تنظرون إلى موقع قضية الأسرى في أولويات المقاومة الفلسطينية خلال المرحلة المقبلة؟

وقف المجازر والجرائم المستمرة بحق الشعب الفلسطيني يُمثل أولوية عاجلة وملحة للمقاومة في هذه المرحلة، غير أن قضية الأسرى تبقى حاضرة دوما ولن تغيب عن سلم أولوياتها في أي ظرف، إذ تُعدّ جزءا أصيلا من مشروعها النضالي وواحدة من أبرز القضايا الوطنية التي لا يمكن التنازل عنها أو تأجيلها.

هل تعتقدون أن المجتمع الدولي يقوم بدوره في الضغط على الاحتلال لوقف الانتهاكات بحق الأسرى؟

المجتمع الدولي، للأسف، لم يحرك ساكنا ولم يقم بواجبه في الضغط على الاحتلال لوقف جرائمه وانتهاكاته بحق الأسرى الفلسطينيين، تماما كما لم يتحرك إزاء الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني عامة؛ فهو يتعامل بازدواجية معايير واضحة، ويتجاوز عن كل الانتهاكات الصهيونية إما تواطؤا مع الاحتلال وإما عجزا عن مواجهته، الأمر الذي جعله شريكا بصمته في استمرار معاناة الأسرى وغياب العدالة.

ما الدور الذي يمكن أن تقوم به المنظمات الحقوقية والإعلام في إبراز قضية الأسرى للرأي العام العالمي؟

الدور المطلوب من مختلف وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية في إبراز قضية الأسرى للرأي العام العالمي يقوم على بناء استراتيجية إعلامية وحقوقية متكاملة تجعل من هذا الملف رأس حربة في الدفاع عن القضية الفلسطينية. ويقتضي ذلك تفعيل التواصل مع المؤسسات الإعلامية والثقافية العربية والدولية، وتنظيم فعاليات مستمرة ومتنوعة تُبقي القضية حاضرة في الأذهان والوعي العام. كما يتطلب الارتقاء بمستوى المعرفة تجاه قضية الأسرى حتى تصبح جزءا راسخا في الوجدان الشعبي والسياسي، مع توجيه وسائل الإعلام المحلية والعربية لتخصيص زوايا وبرامج ثابتة لهذا الملف المؤلم.

ويُضاف إلى ذلك، ضرورة استثمار منصات التواصل الاجتماعي وتسخيرها لإبقاء قضية الأسرى حيّة ومتداولة على المستويات المحلية والعربية والدولية، من خلال نشر رواياتهم وقصصهم ومعاناتهم بشكل دائم. ومن المهم أيضا تجاوز التعامل معهم كأرقام مجردة، والعمل على إبرازهم بأسمائهم والتعريف بعائلاتهم، وتحويل معاناتهم إلى قصص إنسانية ووطنية وقومية مؤثرة، بما يعزز التعاطف الشعبي والضغط السياسي ويمنحهم حضورا لائقا في الوعي الإعلامي والثقافي والحقوقي العربي والعالمي.

ما رسالتكم إلى الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي بشأن قضية الأسرى وما تتطلبه من دعم؟

إن نصرة الأسرى واجب وطني وقومي وإنساني وديني، والمطلوب في سبيل ذلك كثير؛ فمطلب الأسرى الأول والأخير هو فك قيودهم وتحريرهم من داخل السجون، وحتى يتحقق هذا الهدف فإن من الواجب أن تتحول قضيتهم إلى همٍّ جامع لكل إنسان عربي ومسلم، وأن تبقى حاضرة وفاعلة على مختلف المستويات. كما يتطلب الأمر تفعيلها بشكل دائم في المنابر الإعلامية والسياسية والثقافية، وطرحها أمام جميع المنظمات والمؤسسات الدولية، وحملها في كل لقاء مع أي مسؤول أو وفد عربي أو أجنبي، بما يجعلها قضية رأي عام عالمي وقضية مركزية في إطار حركة تحرر وطني شاملة، لا مجرد ملف ثانوي أو مطلب إنساني عابر.