قال وزير الحكم المحلي
الفلسطيني، سامي حجاوي، إن "العدوان الإسرائيلي على قطاع
غزة، الذي استمر
لأكثر من عامين، خلّف دمارا هائلا في قدرات
البلديات ومؤسساتها الخدمية، وأدى إلى
انهيار شبه كامل في الخدمات الأساسية والبنية التحتية التي تديرها السلطات المحلية
في القطاع".
وأوضح، في مقابلة خاصة
مع "عربي21"، أن "البلديات في قطاع غزة تعاني اليوم من شلل كبير
للغاية في عملها نتيجة التدمير الواسع الذي طال مقراتها ومعداتها التشغيلية"،
مشيرا إلى أن العدوان أدى إلى "تدمير ما يزيد على 95 بالمئة من الآليات
والمعدات التي تستخدمها البلديات في تقديم الخدمات العامة للمواطنين، بما في ذلك
الجرافات وشاحنات النفايات ومضخات المياه ومركبات الصيانة".
وأضاف الوزير أن هذا
الدمار الشامل "يعيق حاليا قدرة البلديات على تنفيذ مهامها الأساسية، سواء في
إزالة آثار العدوان، أو رفع الأنقاض المنتشرة في مختلف مناطق القطاع، أو إعادة
إنشاء شبكات المياه والصرف الصحي المدمّرة"، مؤكدا أن "قطاع الحكم
المحلي في غزة يواجه تحديات غير مسبوقة بعد الحرب المدمّرة التي قضت على معظم
مقومات الحياة".
وأكد حجاوي أن
"البلديات تمرّ بمرحلة صعبة جدا نتيجة ضعف الإمكانيات المادية، لكنها تبذل
جهودا مضنية لاستمرار تقديم الحد الأدنى من الخدمات، بانتظار تحسن الأوضاع بعد فتح
المعابر ودخول المعدات والمساعدات اللازمة لقطاع غزة".
وأوضح أن وزارة الحكم
المحلي "تشرف على أعمال 25 بلدية في قطاع غزة، إلى جانب خمس مجالس خدمات
مشتركة، وذلك ضمن منظومة الحكم المحلي التي تضم 445 هيئة محلية في فلسطين تشمل
الضفة الغربية وقطاع غزة"، موضحا أن "الوزارة كانت وما زالت تعمل في
ظروف استثنائية صعبة لضمان استمرار الحد الأدنى من الخدمات رغم الدمار الهائل الذي
لحق بالبنية التحتية والممتلكات العامة".
تحديات غير مسبوقة
وكشف حجاوي عن تحدٍ
بيئي وصحي خطير يتمثل في تراكم أكثر من 700 ألف طن من النفايات الصلبة في مناطق
متعددة من قطاع غزة، نتيجة تدمير المكبّات الرئيسية التي كانت تستخدم لتجميع
النفايات. وقال: "لدينا مكبّان رئيسيان للنفايات الصلبة، أحدهما في شمال
القطاع بمنطقة جحر الديك، والآخر في منطقة خانيونس (مكب الفخاري)، وكلاهما تعرض
لتدمير شبه كامل خلال العدوان".
وأشار الوزير إلى أن
"هذا الوضع أدى إلى تراكم كميات ضخمة من النفايات في الأحياء السكنية، وهو ما
يتطلب بشكل عاجل إعادة تأهيل هذه المكبّات ورفع النفايات إليها وفق معايير بيئية
آمنة"، محذّرا في الوقت ذاته من "ظاهرة اختلاط النفايات الطبية مع
النفايات المنزلية، وهو ما يشكّل خطرا بيئيا وصحيا جسيما قد يؤدي إلى انتشار
الأمراض والتلوث في البيئة المحلية".
وفيما يتعلق بحجم
الركام الناتج عن العدوان على قطاع غزة، أشار حجاوي إلى أن "الكميات ضخمة
جدا، وتقدّر بالملايين من الأطنان جراء تدمير المباني والبنية التحتية والطرق في
مختلف مناطق القطاع، ما يتطلب تدخلا منسقا لرفعها ومعالجتها"، لافتا إلى أن
"وزارة الأشغال العامة الفلسطينية خصصت 20 موقعا في مناطق مختلفة لتجميع الركام،
تمهيدا للتعامل معه وفق خطط هندسية وفنية لإعادة استخدامه في أعمال الردم وفرش
الطرق وإعادة التأهيل مستقبلا".
كما لفت إلى أنه جرى
تدمير أكثر من 85 بالمئة من شبكات المياه والصرف الصحي والطرق، وهذا يشكّل تحديا
ضخما أمام البلديات في ظل انعدام المعدات والآليات اللازمة لتنفيذ أعمال الصيانة
والإصلاح"، موضحا أن "هذا الواقع البيئي الخطير للغاية يتطلب جهدا ضخما
وإمكانيات كبيرة لإعادة تأهيل المكبات وإزالة النفايات من الشوارع وإجراء أعمال
الصيانة اللازمة".
وبيّن حجاوي أن هذه
التحديات تأتي في سياق ما وصفه بـ"مرحلة التعافي والإنعاش المبكر"، وهي
مرحلة حساسة تتطلب دعما دوليا وعربيا متواصلا لضمان استعادة الحد الأدنى من
الخدمات الأساسية، قبل الانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار الشاملة.
تعزيز صمود البلديات
وذكر وزير الحكم
المحلي الفلسطيني أن وزارته "واصلت العمل خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع
غزة بكل ما هو ممكن، بالتنسيق مع المؤسسات الدولية التي تمكنت من تنفيذ تدخلات
محدودة رغم الظروف القاسية"، مؤكدا أن "الحكومة الفلسطينية جاهزة
لاستئناف مهامها بشكل كامل فور تمكينها ميدانيا وفتح المعابر أمام دخول المعدات
والمساعدات".
وأوضح أن "وزارة
الحكم المحلي كانت تعمل خلال الحرب على تعزيز صمود البلديات ودعم قدرتها
التشغيلية، إلى جانب مؤسسات حيوية أخرى مثل سلطة المياه الفلسطينية وسلطة الطاقة
الفلسطينية"، مضيفا أن الوزارة "أدارت تنسيقا مستمرا مع الجهات الدولية
العاملة في القطاع، مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ومنظمة اليونيسف، ومنظمة الصليب الأحمر
الدولي، بما مكّن من تنفيذ مشاريع جزئية لإزالة الأنقاض وتحسين الوضع البيئي
والخدمي في بعض المناطق".
وأضاف أن "برنامج
الأمم المتحدة الإنمائي تمكّن من إزالة نحو 28 ألف طن من الأنقاض، في حين جرى رفع
أكثر من 15 ألف طن من النفايات الصلبة، رغم الصعوبات اللوجستية ونقص المعدات
والوقود"، مشيرا إلى أن "هذه الجهود تبقى محدودة جدا مقارنة بحجم الدمار
الهائل، لكنها شكّلت خطوة أولى نحو التعافي والتهيئة لمرحلة إعادة الإعمار".
وأكد حجاوي أن الحكومة
الفلسطينية "جاهزة للاستمرار في العمل متى ما أصبحت الظروف ممكنة، ومتى ما تم
تمكينها من ممارسة مهامها داخل قطاع غزة بصورة رسمية ومنتظمة" مضيفا:
"الحكومة جاهزة بخططها، وجميع الوزارات مستعدة لتقديم الخدمات لأهلنا هناك في
اللحظة التي يصبح فيها ذلك ممكنا، ونأمل أن يكون ذلك قريبا جدا".
الإعمار يتكلف أكثر من
70 مليار دولار
أما بشأن تكاليف إعادة
الإعمار، فنوّه وزير الحكم المحلي إلى أن "رئيس الوزراء الفلسطيني عقد قبل
أيام لقاءً مع ممثلي المؤسسات الدولية والسلك الدبلوماسي المعتمد في فلسطين، حيث
تم استعراض الخطة العربية لإعادة إعمار القطاع التي أقرت في القمة العربية
بالقاهرة خلال شهر آذار/ مارس المنصرم، والتي سيتم تحديثها قريبا بعد الاطلاع
الميداني على حجم الأضرار في القطاع".
وأوضح أن "التقديرات
الأولية تشير إلى أن تكلفة إعادة الإعمار قد تتجاوز 70 مليار دولار"، لافتا
إلى أن "الحكومة الفلسطينية جاهزة بكامل طواقمها للانطلاق في عملية الإنعاش
والتعافي المبكر، تمهيدا لمرحلة إعادة الإعمار".
وأضاف حجاوي أن
"الخطة التنفيذية تشمل 56 برنامجا تنفيذيا تتفرع عنها نحو 350 مشروعا تغطي
مختلف القطاعات، من التعليم والصحة إلى
البنية التحتية والإسكان والخدمات
البلدية"، منوها إلى أن "مؤتمرا لإعادة إعمار غزة سيعقد في مصر خلال
النصف الثاني من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، بهدف التوافق على آليات تنفيذ
الخطة وتحديد الدول المانحة والمبالغ المخصصة للتمويل".
ولفت إلى أن
"الطواقم الحكومية سواء تلك التي بقيت في قطاع غزة أو التي اضطرت إلى مغادرته
أثناء الحرب، جاهزة للعودة إلى العمل فور فتح المعابر بشكل منتظم، لاستئناف جهود
إعادة البناء والإعمار بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لأبناء شعبنا في
القطاع".
قال حجاوي إن
"الحكومة الفلسطينية، من خلال غرفة العمليات الحكومية الخاصة بقطاع غزة، تعمل
على تنفيذ المرحلة الأولى من خطة الحكومة للإغاثة والتعافي، مؤكدا أن الحكومة تسعى
إلى التمكين الفعلي في قطاع غزة من أجل تقديم المساعدة لأهلها والتخفيف من
معاناتهم وتضميد جراحهم".
وأكد أن "الحكومة
الفلسطينية بكامل مؤسساتها وطواقمها، سواء في قطاع غزة أو خارجه، على أتم
الاستعداد للعودة إلى الميدان فور تهيئة الظروف المناسبة، لتبدأ مرحلة التعافي
الشامل وإعادة بناء ما دمره العدوان"، منوها إلى أن "الحكومة الفلسطينية
تبذل جهودا حثيثة بالتعاون مع الجهات المانحة للتحضير لمرحلة التعافي وإعادة
الإعمار".
وقال الوزير:
"الخطة التي أعدّتها الحكومة الفلسطينية بحاجة إلى تحديث بناءً على التقديرات
الميدانية وحجم الأضرار الفعلية، لكن الكوادر الحكومية موجودة وجاهزة
بالفعل"، متابعا: "نحن كجهات فنية جاهزون للقيام بدورنا لخدمة أبناء
شعبنا بعد هذه الحرب الطاحنة، بينما تترك الجوانب السياسية للقيادة الفلسطينية
لمعالجتها ضمن المسار الوطني العام".
وأكد وزير الحكم
المحلي أن "قطاع غزة في الوقت الراهن غير قابل للحياة تقريبا بعد هذا الدمار
الهائل في جميع المرافق الحيوية والأساسية"، داعيا المجتمع الدولي وهيئات
الأمم المتحدة إلى "التحرك الجاد لدعم عملية إعادة الإعمار وتمكين الحكومة
الفلسطينية من إدارة القطاع فعليا على الأرض".
وشدّد الوزير على أن
"رغبة الحكومة الفلسطينية بالعمل في قطاع غزة ليست من أجل مكسب سياسي، بل هي
مهمة وطنية وإنسانية هدفها إسناد شعبنا وتقديم الخدمة الوطنية بكل التزام
ومسؤولية"، مضيفا: "نأمل أن يستمر وقف إطلاق النار، وأن نبدأ بإعادة
إعمار القطاع وعودة الحياة إلى طبيعتها كما كانت قبل الحرب".
الوضع في الضفة
وفي حديثه عن الوضع في
الضفة الغربية، أوضح وزير الحكم المحلي أن الوزارة "تشرف حاليا على 435 هيئة
محلية، تشمل 141 بلدية و264 مجلسا قرويا"، مشيرا إلى أن هذه الهيئات
"تواجه بدورها تحديات مالية واقتصادية صعبة نتيجة ارتفاع معدلات البطالة
وتراجع قدرة المواطنين على تسديد فواتير الخدمات الأساسية، مثل المياه
والكهرباء".
وأشار حجاوي إلى أن
الوزارة "تعمل على تعزيز إمكانيات هذه الهيئات من خلال تمكينها من جباية
ضريبة الأملاك، إضافة إلى تقديم دفعات وتحويلات مالية من موازنة الحكومة
الفلسطينية تساعدها على الاستمرار في تقديم الخدمات وصمودها في ظل الأوضاع
الراهنة".
وكشف الوزير عن توجه
استراتيجي تتبناه الحكومة لدعم الشراكة بين الهيئات المحلية والقطاع الخاص، موضحا
أن الوزارة "تشجع البلديات على الدخول في شراكات استثمارية لتحسين الإيرادات
وتطوير الخدمات العامة، خصوصا في مجالات الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية"،
مضيفا: "نهدف من خلال هذه المشاريع إلى تقليل الاعتماد على شراء الكهرباء من
الشركة القطرية الإسرائيلية؛ إذ إن أكثر من 95 بالمئة من الكهرباء المستهلكة في فلسطين
يتم شراؤها من الجانب الإسرائيلي، وهذا ما نعمل على تغييره تدريجيا عبر بدائل
مستدامة".
وفيما يتعلق بالوضع
المالي للحكومة الفلسطينية ومدى انعكاسه على الوضع في غزة والضفة، أوضح حجاوي أن
"الحكومة تمرّ بأزمة مالية خانقة نتيجة احتجاز
الاحتلال الإسرائيلي أموال
المقاصة التي تجبيها نيابة عن السلطة الفلسطينية"، لافتا إلى أن
"إسرائيل لم تحول هذه الأموال منذ نحو خمسة أشهر، ما أدى إلى تراكم مبالغ
تتجاوز 3.5 مليار دولار، الأمر الذي فاقم الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير".
وأشار الوزير إلى أن
"البلديات الفلسطينية تعاني أيضا بسبب ارتفاع معدلات البطالة التي تجاوزت 40
بالمئة في الضفة الغربية، وتراجع قدرة المواطنين على سداد فواتير المياه والكهرباء،
إضافة إلى الاعتداءات اليومية من قوات الاحتلال على المدن والمخيمات".
وقال حجاوي:
"الاجتياحات الإسرائيلية المستمرة في مخيمات نور شمس وطولكرم وجنين تسبّبت في
أضرار جسيمة بالبنية التحتية، وقد خصصت الحكومة الفلسطينية موازنات خاصة للتعامل
مع هذه الأضرار، وشكّلت لجنة وزارية برئاسة وزارة الحكم المحلي لمعالجتها، إلا أن
استمرار العدوان يعطل استكمال العمل".
وأضاف الوزير أن
"الاعتداءات لا تقتصر على المدن والمخيمات، بل تمتد إلى المزارعين والمناطق
الريفية، حيث يواصل المستوطنون اعتداءاتهم على الأراضي الزراعية والثروة
الحيوانية، ويقومون بسرقة ثمار الزيتون في هذا الموسم الذي ينتظره المزارع
الفلسطيني عاما بعد عام".
واستدرك وزير الحكم
المحلي الفلسطيني بالقول: "رغم كل هذه الصعوبات، تبذل الحكومة الفلسطينية كل
ما هو ممكن من موارد وإمكانات لتعزيز صمود المواطنين وتمكينهم من البقاء على
أرضهم، بانتظار انفراجات سياسية ومالية قريبة بإذن الله".
خرق صارخ للقانون
الدولي
وأدان وزير الحكم
المحلي الفلسطيني، بشدة مصادقة الكنيست على مشروعي قانون يهدفان إلى فرض السيادة
الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة وإحدى المستوطنات المقامة على أراضيها،
واصفا هذا الإجراء بأنه "تصعيد خطير ومرفوض تماما".
واستطرد قائلا:
"هذا قرار مرفوض بالطبع من قِبل السلطة الفلسطينية، كما أنه مرفوض من الدول
العربية التي أصدرت بيانات إدانة واضحة بهذا الشأن، وحتى الإدارة الأمريكية عبّرت
عن رفضها لمثل هذه الخطوات أحادية الجانب."
وأضاف الوزير
الفلسطيني أن "محاولة بسط السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية تمثل خرقا
صارخا للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية، وتكشف عن نوايا الاحتلال في تكريس
نظام الفصل العنصري وتدمير أي فرصة لتحقيق السلام العادل والشامل".
وفي 10 تشرين الأول/
أكتوبر الجاري، دخلت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى حيز
التنفيذ، وفقا لخطة ترامب، بوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة وتركيا.