ذكرت وسائل إعلام
إسرائيلية أنه بعد أمر رئيس وزراء
الاحتلال بنيامين نتنياهو للجيش باحتلال قطاع
غزة بشكل تام، تصاعد الخلاف مع رئيس هيئة الأركان إيال زامير، الذي يعارض بقوة مثل هذا التحرك، بل ولقد هدد بالاستقالة من منصبه.
وجاء في تحليل نشره موقع "
ميدل إيست أي" للصحفي والكاتب الإسرائيلي ميرون رابوبورت، أنه "إذا صحت هذه التقارير، فإن من الصعوبة بمكان المبالغة بأهمية هذه اللحظة، وأن مثل هذا الصدام المباشر بين الحكومة والجيش يضع نتنياهو وحكومته في وضع يتحدى ليس فقط الجيش وإنما أيضاً إرادة قطاع كبير من الجمهور الإسرائيلي".
وأضاف رابوبورت أنه "منذ مدة طويلة واستطلاعات الرأي تشير إلى أن معظم الإسرائيليين يؤيدون إنهاء الحرب مقابل صفقة من شأنها أن تفضي إلى إطلاق حركة حماس سراح الأسرى المتبقين"، موضحا أن "هذا المطلب الشعبي تزايد خلال الأسابيع الأخيرة، لدرجة أن استطلاعاً للرأي أجرته قناة 12 الإخبارية الشهر الماضي يظهر أن 74 بالمئة من الإسرائيليين يدعمون إبرام مثل هذه الصفقة".
وتاليا المقال كاملا كما ترجمته "عربي21":
تعلم المؤسسة العسكرية أن الحرب الأبدية ستكون مدمرة لا محالة، ولكن قد يخضع الجيش لرغبات رئيس الوزراء
ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذا الأسبوع أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قرر أمر الجيش باحتلال قطاع غزة بشكل تام. وبحسب التقارير فإن رئيس هيئة أركان الجيش إيال زامير يعارض بقوة مثل هذا التحرك، بل ولقد هدد بالاستقالة من منصبه.
إذا صحت هذه التقارير، فإن من الصعوبة بمكان المبالغة بأهمية هذه اللحظة.
مثل هذا الصدام المباشر بين الحكومة والجيش يضع نتنياهو وحكومته في وضع يتحدى ليس فقط الجيش وإنما أيضاً إرادة قطاع كبير من الجمهور الإسرائيلي.
منذ مدة طويلة واستطلاعات الرأي تشير إلى أن معظم الإسرائيليين يؤيدون إنهاء الحرب مقابل صفقة من شأنها أن تفضي إلى إطلاق حركة حماس سراح الأسرى المتبقين.
ولقد تنامي هذا المطلب الشعبي خلال الأسابيع الأخيرة، لدرجة أن استطلاعاً للرأي أجرته قناة 12 الإخبارية الشهر الماضي يظهر أن 74 بالمائة من الإسرائيليين يدعمون إبرام مثل هذه الصفقة.
يحذر الجيش من أن الاحتلال الكامل لغزة سوف يخاطر بحياة الأسرى. تدرك الحكومة بشكل كامل مثل هذه المخاطر، حتى أن وزير الثقافة ميكي زوهار اعترف بأن توسيع الحرب سوف يضع حياة الأسرى المتبقين في خطر جسيم.
فيما لو تم بالفعل اتخاذ قرار احتلال قطاع غزة بأكمله، فإن ذلك مؤشر على اللحظة التي تتخلى فيها حكومة نتنياهو عما يرغب بتحقيقه جل الجمهور الإسرائيلي.
تقود الحكومة إسرائيل نحو تحرك لا تعرف نتائجه ولا تدرك أهميته بالنسبة للبلد، ولا بالنسبة للجيش، ولا حتى بالنسبة لنتنياهو نفسه. بالمقابل، يغذي عدم اليقين هذا التيار المعارض للحرب، سواء فيما بين الجمهور أو داخل الجيش.
إن المناشدة بإنهاء الحرب، والتي صدرت هذا الأسبوع عن عدد من الرؤساء السابقين لقوات الأمن، ومن بينهم أشخاص قادوا الجيش والموساد والشين بيت والشرطة، تشير إلى وجود مخاوف كبيرة لدى الجيش من مغبة الإقدام على احتلال القطاع الفلسطيني بشكل كامل.
يعتقد المسؤولون السابقون بأن إسرائيل ليس لديها، عملياً، المزيد مما يمكنها تحقيقه في غزة، وهذا يؤيد إلى حد ما الموقف الذي يتبناه الجيش. وهذا هو أيضاً ما يراه معظم الذين يتظاهرون في الشوارع ضد الحكومة.
ينبع هذا الرأي، الذي يعتبر استمرار الحرب أمراً بلا جدوى، من الإخفاق في تحقيق أهداف الحرب التي تعهدت الحكومة بإنجازها.
لقد استمرت مقاومة حماس في غزة على الرغم من الأضرار الجسيمة التي منيت بها، ومازال الجنود الإسرائيليون يتعرضون للقتل هناك. كما أن الجيش لم يتمكن من ضمان تحرير الرهائن بحسب ما تعهد به في شهر مارس / آذار بعدما أنهت إسرائيل من طرف واحد وقف إطلاق النار.
ولكن الخوف من حرب بلا جدوى ليس القصة الكاملة وراء المعارضة الإسرائيلية للهجوم. ثمة جانبان داخليان وخارجيان من الممكن إضافتهما إلى قائمة التظلمات الإسرائيلية.
يعبر المزيد من الإسرائيليين، بما في ذلك من داخل التيار السياسي السائد، عن تحفظات، وفي بعض الأوقات عن معارضة، لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة.
بدأ ذلك في نهاية عام 2024، عندما قال وزير الدفاع السابق موشيه يعالون إن إسرائيل تمارس تطهيراً عرقياً في شمال قطاع غزة. ثم تكثف ذلك بعد أن أجهضت إسرائيل وقف إطلاق النار، وحينها أقر رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت بأن إسرائيل ترتكب جرائم في غزة.
والآن انضم إلى الرجلين عدد متزايد من الشخصيات العامة، مثل الكاتب ديفيد غروسمان، الذي يعتبر منارة في اليسار الإسرائيلي، والذي قال في الأسبوع الماضي إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.
كما أن عدداً متزايداً من الجنود يتحدثون عن كيف أنهم لا يقدرون على العيش مع ما فعلوه ومع ما شاهدوه في قطاع غزة.
إضافة إلى ذلك، ساهمت صور الفلسطينيين الذين يتضورون جوعاً في إذكاء المقاومة المتنامية ضد جرائم إسرائيل في غزة، على الرغم من أن وسائل الإعلام الإسرائيلية لم تزل تنظم حملة دعائية تنفي وجود المجاعة وتنفي دور إسرائيل في صنعها.
الصورة الدولية
في نفس الوقت، يتم ربط مطلب إنهاء الحرب بالصورة الدولية التي رسمت لإسرائيل بعد تراكم الضغوط التي يمارسها حلفاؤها ويمارسها العالم عليها.
عاد من الولايات المتحدة مؤخراً نفتالي بينيت، الذي يطمح في أن يكون رئيس وزراء إسرائيل القادم، والذي شهد بأن إسرائيل أصبحت "دولة منبوذة". وبحسب ما قاله بينيت فإن التحرك نحو احتلال القطاع بالكامل لا ينبغي القيام به قبل أن يؤخذ بالحسبان الرأي العام الدولي.
مثله مثل آخرين في إسرائيل، يدرك بينيت – الذي لا يعارض قتل الفلسطينيين لا أخلاقياً ولا سياسياً – أن البلد يتحرك باتجاه العزلة العالمية.
يمكن أن تكون لمثل هذه العزلة تداعيات اقتصادية مصيرية. فلقد باتت اتفاقيات إسرائيل التجارية مع الاتحاد الأوروبي، والتي تشكل عموداً مهماً يرتكز عليه الاقتصاد الإسرائيلي، في خطر.
فهذه بولندا، التي ظلت تعتبر حتى عهد قريب واحدة من حلفاء إسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي، تخرج بموقف معارض لإجراءات إسرائيل في غزة، كما ورد في تصريح صادر عن رئيس الوزراء دونالد تاسك.
ما يشغل بال إسرائيل لا يقتصر على القضايا الاقتصادية. فقط بالأمس ألغي فريق كرة قدم ألماني التوقيع على عقد مع لاعب إسرائيلي بسبب دعمه للحرب.
وهذا الأسبوع قال رئيس اتحاد كرة القدم الإسرائيلي إنه بات أكثر صعوبة إيجاد أماكن داخل أوروبا تقبل باستضافة الفرق الإسرائيلية، والتي لم تتمكن من تنظيم مباريات أوروبية في الساحة المحلية منذ بدء الحرب.
ومن هنا بات الطريق قصيراً نحو الخروج من المنافسات الأوروبية الرئيسية في لعبة كرة القدم.
بدأت أعداد ضخمة من الإسرائيليين تدرك تكلفة الحرب الإسرائيلية على غزة. وها هم يرون كيف أن إسرائيل بات ينظر إليها في العالم باعتبارها دورة مارقة، وبلداً يعاني من العزلة.
والحقيقة هي أنه فيما عدا إدارة ترامب – وحتى هناك يبدو أن ثمة تصدعات – لم يعد يوجد أحد في العالم يقبل بالرواية الإسرائيلية حول غزة.
يؤثر الانطباع العالمي عن إسرائيل، كما يراه الإسرائيليون أنفسهم، بشكل أساسي على مطلب إنهاء الحرب. عادة ما يأتي رد الإسرائيليين الأولي على الانتقادات الدولية في صورة اتهامات بمعاداة السامية أو عدم فهم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو عدم معرفة العالم بحقيقة الفلسطينيين والعرب.
ولكن عندما يكون الانتقاد الدولي شديداً فقد يحدث تصدعاً حتى في مثل هذه المجموعة من أساليب الدفاع عن الذات.
بحسب استطلاع للرأي أجرته القناة 12 الإخبارية فإن 56 بالمائة من الإسرائيليين باتوا يخشون أنهم في المستقبل لن يتمكنوا من السفر إلى الخارج بسبب الصورة السيئة لإسرائيل. إنهم يخشون من أن إسرائيل سوف تتحول إلى جزيرة معزولة، وهو ما يخلق إحساساً بالغيتو (الحي اليهودي المعزول).
إضافة إلى ذلك، فيما عدا بعض أنصار وزير المالية بيزاليل سموتريتش ووزير الأمن الوطني إيتيمار بن غفير، يرى معظم الإسرائيليين أنفسهم باعتبارهم جزءاً من العالم الغربي.
التأثير على القدرات
ثمة ما يثبت وجود مخاوف من العزلة الدولية حتى داخل الجيش الإسرائيلي.
على الرغم من الدور المركزي الذي تلعبه الولايات المتحدة في تسليح إسرائيل، فإنها ليست البلد الوحيد الذي لإسرائيل علاقات تجارية عسكرية معه. بل تأتي الأسلحة وبعض قطع الطائرات من البلدان الأوروبية كذلك، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، والتي تتعرض حكوماتها لضغوط شديدة من أجل إنهاء علاقاتها بالمؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
ولذلك، إلى جانب الخوف من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، يساور الجيش قلق شديد حول تأثير الرأي العام الدولي على قدراته الذاتية.
والخلاصة هي أن الجيش الإسرائيلي يساوره القلق بشأن الأمر باحتلال كل قطاع غزة لأسباب متنوعة.
يخشى الجيش، الذي مازال يرى نفسه جيشاً للشعب، بأنه قد يفقد وضعه المجمع عليه داخل المجتمع الإسرائيلي، وذلك أن الاحتلال الكامل لقطاع غزة بما قد ينجم عنه من تداعيات غير معروفة، مثل الأخطار المحدقة بالأسرى وبالجنود، وانعدام جدوى الحرب، وعزلة إسرائيل المتنامية، يمكن أن يفضي إلى إحداث هوة بين جيش الشعب وشعبه، الذي يرى في هذه الخطوة جريمة ترتكب ضد الرهائن أو ضد الفلسطينيين.
من تداعيات وجود مثل هذه الهوة حدوث إخفاق في تجاوب الاحتياط مع الدعوة للخدمة في الجيش، الذي لم يزل يعاني من نقص في القدرات البشرية. فيما لو قام الجيش بهذا التحرك، فإنه يخاطر بأن يتحول إلى قوة من المرتزقة ولاؤها الكامل للمستوطنين، وهو ما لم يزل يحدث منذ زمن، ولكن قد يدخل في طور أشد.
والآن يجد الجيش الإسرائيلي نفسه في لحظة حاسمة. فمن جهة، بإمكان الجيش الاستماع للجمهور وإنهاء الحرب، ولكن من جهة أخرى، يمكن أن يوافق على طلب نتنياهو القيام باحتلال قطاع غزة بأسره وإحداث هوة غير مسبوقة بين الجيش وكثير من الناس في الجمهور الإسرائيلي.
إننا نواجه الآن لحظة بالغة الخطورة في الحرب على غزة.