الزخم الكبير للاعتراف بالدولة
الفلسطينية في أيلول/
سبتمبر المقبل، الذي تزعمت موقفه فرنسا، والذي جاء على شكل استعراض مواقف مشروطة،
واهتمام مفاجئ لدول غربية للاعتراف بفلسطين، يُعد تقدما ظاهريا، في نفس الوقت يمنح
دولة الاحتلال نوعا من ضوء أخضر بيروقراطي للإسراع في إتمام جرائم الإبادة، قبل أن
يتظاهر المجتمع الدولي بالصدمة منها. فدول كثيرة قدمت نوعا من الخداع الدبلوماسي لهذا
الاعتراف، فحتى أيلول/ سبتمبر المقبل هناك مضي
إسرائيلي بجرائم الحرب والإبادة في غزة،
وتضاعف جرائم عصابات المستوطنين في الضفة.
وقدمت ألمانيا -مثلا- شرطها للاعتراف بعد قضاء إسرائيل على
حركة "حماس"، وبريطانيا ربطت ذلك بتوقف إسرائيل عن المضي بالجرائم قبل أيلول/
سبتمبر. والتوقيت ليس صدفة هنا، فهذه ليست مبادرات سلام حقيقية، إنها جداول إبادة مُقنّعة
بملابس الدبلوماسية، لقد منح النفاق الغربي إسرائيل جدولا زمنيا: أن تُنهي المهمة قبل
أن نُجبر على التصرف على مضض. لكن الواقع هو أن كل تأخير، وكل شرط مسبق، وكل عقبة بيروقراطية
هي يوم آخر لاستمرار الإبادة الجماعية دون عوائق، وهذا ما يحدث بالفعل، لأن إسرائيل
ببساطة أصبحت دولة منبوذة، تمارس الإبادة الجماعية.
ظاهريا، تبدو بعض النيات كورقة تهديد لإسرائيل إذا ما استمرت بارتكاب الجرائم، وتحت الطاولة رسالة لها مفادها "نحن نحاول إخراجك من هذا المأزق"، كما في حالة الموقف الكندي والبريطاني. لكن ما يمكن النظر إليه في جملة المواقف الغربية والعربية في بيان الاعتراف بالدولة الفلسطينية، شرط التركيز على توقف الشعب الفلسطيني عن مقاومة محتله، من أجل البدء باعتراف حل الدولتين
حظي البيان العربي الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، بتغطية
كبيرة نسبيا من وسائل الإعلام الغربية، التي تناولت أجواء نية الاعتراف والمناخ السياسي
العام في إسرائيل، وتحليل الغضب العارم في إسرائيل والولايات المتحدة تجاه هذا البيان،
فمعظم التعليقات الصحفية تناول كاتبوها أجواء الانتظار حتى أيلول/ سبتمبر المقبل على
وقع تسارع جرائم الاحتلال على الأرض، وبوتيرة أعلى عبّر عنها وزير مالية الاحتلال الفاشي
بتسلئيل سموتريتش بعبارة واحدة: "لن نبقي لكم شيئا تعترفون فيه على الأرض".
فحين تصف وزارة الخارجية الفرنسية، هجمات عصابات المستوطنين
بأنها أعمال إرهابية، بعد سيطرة سردية السابع من أكتوبر على معظم وسائل الإعلام الفرنسية
والغربية، وتبرير كل جرائم الاحتلال بهذه الذريعة، فهذا يعتبر تقدما ملحوظا في تفكيك
هذه السردية التي فتحت نقاشا بين جمهور غربي كسرت حكوماته تابوه كذبة "معاداة
السامية" عبر إدانة جرائم الاحتلال، وتوصيفها بأعمال إرهابية، إضافة لذلك صار
بإمكان كاتب افتتاحية في صحيفة "لوموند" الفرنسية وصف الائتلاف الذي يقوده
بنيامين نتنياهو في إسرائيل بأنه يسعى لإكمال جريمة التطهير العرقي في غزة من خلال
استحداث المنظمة الإسرائيلية الأمريكية لتوزيع المساعدات، والتي ترتكب المجازر تحتها؛
لأن الاحتلال يحكم قبضته على منافذ القطاع المحاصر، وهي المسئولة عن الغضب العالمي
الذي تثيره مشاهد مصائد الموت في غزة. ويشير كاتب الافتتاحية في لوموند الى مقترح كنيست
الاحتلال الأخير بضم أراضي الضفة الغربية بأن هذه الأراضي محتلة منذ العام 1967 بالقوة،
ولا تملك إسرائيل أي حق فيها.
هذا جزء من الصورة المحيطة بأجواء الاعتراف بالدولة الفلسطينية،
بشكل رسمي، لا تحديد لماهية الدولة على الأرض. وظاهريا، تبدو بعض النيات كورقة تهديد
لإسرائيل إذا ما استمرت بارتكاب الجرائم، وتحت الطاولة رسالة لها مفادها "نحن
نحاول إخراجك من هذا المأزق"، كما في حالة الموقف الكندي والبريطاني. لكن ما يمكن
النظر إليه في جملة المواقف الغربية والعربية في بيان الاعتراف بالدولة الفلسطينية،
شرط التركيز على توقف الشعب الفلسطيني عن مقاومة محتله، من أجل البدء باعتراف حل الدولتين،
وهذه النقطة تحديدا، تنسف مبدأ الاعتراف غير الملزم لقوة الاحتلال بالكف عن سياسات
جرائم نسفت أولا كل اتفاق أوسلو، ولم تبق منه شيئا، لا على الورق ولا الأرض المنوي
قيام دولة عليها، فالاحتلال يحظى بدعم عسكري وسياسي وأمني واقتصادي لمواصلة ارتكاب
الجرائم وتبديد الحقوق الفلسطينية. وواضح على من تقع مسؤولية قتل كل مبادرات "السلام"
المزعومة منذ ثلاثين عاما، حيث يشعر باستمرار بأنه بعيد عن المحاسبة والمحاكمة والمقاطعة،
والإجبار على الالتزام "بقواعد وأسس" القانون الدولي.
معضلة قانونية مُعقدة مصممة لحماية إسرائيل من المساءلة، ففلسطين لا تستطيع تحقيق العدالة لأنها غير مُعترف بها كدولة، ولا تستطيع ذلك لأنها تُدمر بشكل مُمنهج، في هذه الأثناء تجلس الدول التي يُمكنها إنهاء هذا الأمر بمكالمة هاتفية؛ في لجان تُناقش "الجداول الزمنية المُناسبة" للاعتراف بينما يتضور الأطفال جوعا وتدمر الدولة بالاستيطان
أما محاولة إلزام الضحية بشروط ونتائج اغتصاب أرضه وحقوقه،
فهي أدت لهذه النتائج الذي يواجهها المجتمع الدولي بنفس العقلية دون تحديد مبدأي إنهاء
الاحتلال وتحقيق الحقوق السياسية والوطنية للشعب الفلسطيني. وهو إدراك من الجميع بأن
الاعتراف بدولة فلسطينية بحدود حزيران/ يونيو 1967، وتفكيك المستوطنات وحل مشكلة اللاجئين
والقدس، هي وصفة محققة لنزع الطابع الاستعماري عن المؤسسة الصهيونية، وهو ما لن تسمح
به مع حلفائها في المنظومتين الغربية والأمريكية، فإذا كان ثمن أوسلو وقف الانتفاضة
الأولى، فاليوم هناك ثمن آخر، نزع كل مقاومة للاحتلال، والاستسلام والخضوع لجرائمه
وشروطه.
قبول هذا المفهوم والتعامل معه ساهم بتبديد الحق الفلسطيني،
مع انهيار واضح لدور السلطة الفلسطينية في مهام تصليب نضال الشعب الفلسطيني، إضافة
لانكفاء عربي واضح عن القضية الفلسطينية، فاللهجة والسلوك الذي تبديه حكومة نتنياهو
مع وزراء من طراز بن غفير وسموتريتش لتفعيل وسائل التطهير العرقي والاستيطان، وتكثيف
عمليات القتل وهدم المنازل، تخلق مناخا ملائما لإتمام جريمة التطهير العرقي؛ لا لتمهيد
عملية سلام وقيام دولة فلسطينية.
تأخير الاعتراف الغربي بفلسطين، يضمن حرمانها من الأهلية
القانونية الكاملة في الأمم المتحدة، لتصعيد قضايا محكمة العدل الدولية. إنها معضلة
قانونية مُعقدة مصممة لحماية إسرائيل من المساءلة، ففلسطين لا تستطيع تحقيق العدالة
لأنها غير مُعترف بها كدولة، ولا تستطيع ذلك لأنها تُدمر بشكل مُمنهج، في هذه الأثناء
تجلس الدول التي يُمكنها إنهاء هذا الأمر بمكالمة هاتفية؛ في لجان تُناقش "الجداول
الزمنية المُناسبة" للاعتراف بينما يتضور الأطفال جوعا وتدمر الدولة بالاستيطان.
لقد أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل بوقف أعمال القتل،
كان ذلك قبل تسعة أشهر، ولكن بدون اعتراف كامل بفلسطين كدولة، يبقى إنفاذ القانون بلا
جدوى، الغرب يعلم ذلك، وإسرائيل تعلم ذلك.
يُفترض بكل ما سبق أن يُحدث تحولا نوعيا على الصعيدين الفلسطيني
والعربي، بتذخير جُعَبها السياسية بما يليق بقضية عادلة لحركة تحرر من مستعمر استيطاني
إحلالي؛ لا التسلح بالشلل مجددا.
x.com/nizar_sahli